كان لي صديق يهوى الخيانة الزوجية إلى حد الهوس، سألته ذات يوم عما سيكون عليه رد فعله لو ضبطته زوجته خلال إحدى غزواته العاطفية، إجابته كانت أنه حتى ولو ضبطته زوجته في الفراش مع عشيقته فإن موقفه سيظل واحدا لا يتغير:.... الانكار التام!!
لا أعرف لماذا تذكرت قصة صديقي ذاك وأنا أتابع تطورات ردود أفعال حكومتنا "الرشيدة" (والا خليها "النظيفة" حتى لا نتهم "بدق أسافين" بين الوزراء) من قضية تصدير الغاز المصري بسعر بخس إلى عدة دول منها أسبانيا وإسرائيل.
ففي البداية تبنت الحكومة سياسة "ودن من طين وودن من عجين" حيال علامات الاستفهام العديدة التي طرحت نفسها حول هذا الموضوع، إلا أنه –ومع تفجر الموضوع إعلاميا وصحفيا، ومع توفر بيانات موثقة عن حجم الخسائر التي تلحق بمصر من هذه الاتفاقيات وخاصة فيما يتعلق بتصدير الغاز لإسرائيل– كان لابد وأن تجد الحكومة لنفسها مخرجا من هذا المأزق، على أن يأتي هذا المخرج بالطبع متفقا مع مبدئها الاستراتيجي الحاكم: "الإنكار التام أو الموت الزؤام".
وهكذا... جاءت الحجة المبتكرة التي تفتق عنها ذهن لامع كالـ "شهاب" وهي أن مصر لا تصدر "نفس" غاز واحد لإسرائيل، لأنه لا يوجد أصلا أية اتفاقات لتصدير الغاز بين مصر وإسرائيل... أما الغاز الذي يصل إلى "جارتنا اللدودة" فهو مصدر إليها عن طريق شركة خاصة... "شوف ازاي!!"
وبالطبع ما كان يمكن أن نجرؤ على تكذيب هذا الإنكار فاستسلمنا فورا لفكرة أن الحكومة المصرية لا تملك شيئا حيال هذا الأمر، ولكننا فوجئنا مؤخرا بتصريحات لرئيس الوزراء يعلن فيها أن الحكومة تعمل حالياً علي تعديل أسعار الغاز الطبيعي في اتفاقيات التصدير المبرمة مع عدة دول منها إسرائيل، وتصريحات أخرى لوزير البترول سامح فهمي يؤكد فيها أن وزارته أنجزت بالفعل خطوات هامة في مفاوضات مراجعة أسعار الغاز، بل وتوقع مساعده شامل حمدي أن تحقق تعديلات الأسعار التي تمت حتى الآن عائدات إضافية تبلغ ١٨ مليار دولار!! "سبحان الله.... فجأة أصبحت الحكومة –لا الشركات الخاصة- هي التي تتفاوض الآن!!".
وبالطبع لا يمكن لنا الا أن نرحب بتوجه الحكومة لاسترداد حقوق مصر وأموالها، ولكن السؤال هو: هل كانت هذه الحكومة ستتحرك أصلاً لولا الضغوط الشعبية الهائلة التي تعرضت لها أم أنها كانت ستتجاهل الأمر برمته مكتفية بمنهج الإنكار فالإنكار ثم الإنكار...!؟
ثم، وطالما أن إعادة التفاوض على أسعار الغاز ممكنة -بل وتلقى تجاوبا حتى من تل أبيب على حد قول الدكتور نظيف- فما الذي يجب أن يكون عليه الموقف ممن حاولوا في البداية أن يقنعونا باستحالة ذلك بحجة أنه شأن يتعلق ببعض الشركات الخاصة!؟ ألا يجب أن تكون هناك مساءلة سياسية لمن كانوا سيضيعون علينا 18 مليار دولار على الأقل!؟
أخشى ما أخشاه أن ينبري للإجابة أحد محترفي الإنكار بالحكومة ليحاول أن يقنعنا أن الأمر برمته لا يستحق المساءلة والشوشرة، فالمسألة -طلعت ولا نزلت- شوية غازات، وساعتها بالطبع لن نملك سوى أن نستسلم مرة أخرى لحجته ونقول: شوية غازات!!.. طيب!!... شفيتم يا سيدي!!.
نشر بجريدة المال بتاريخ الأحد 25-5-2008
واقرأ أيضًا:
خانة التاريخ الديني / مؤتمر الكفار المسلمون