تمهيد
منذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 تركز الاهتمام العربي على دراسة هذا الكيان من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية ولم يكن هناك تفكير جاد واسع في دراسته من خلال الأدب اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً إلا من بعض النشاطات الفردية الملحوظة لبعض الكُتاب والمتخصصين في عدد من الأقطار العربية لا يُمكنها أن تسد "الفجوة" التي ما زالت تُعاني منها الدراسات العربية في هذا الجانب، كما أن الكثير من الباحثين والدارسين لهذا الأدب وبسبب "جدته" عليهم وقلة المصادر وعدم إلمامهم باللغة العبرية مضافاً إليها اعتبارات داخلية وخارجية ناتجة عن تأثيرات سياسية محددة، نجدهم غالباً ما يغرقون في التفاصيل الجزئية والهامشية والتناقضات الثانوية داخل الكيان الصهيوني وينسون التناقض الأساس بين العرب والصهاينة تجاه المسألة الجوهرية المصيرية ونعني بها قضية فلسطين والاغتصاب الصهيوني لها مدعومة من الإمبريالية العالمية..
مقابل ذلك نجد أن الصهيونيـة السـياسـيـة قد جعلت من الأدب سـلاحاً لا يقل خطورة وأهميـة عن الأسـلحـة الأخرى السـياسـيـة والعسـكريـة..
الملامح العدوانية في الأدب العبري
وحول هذا الموضوع المهم يعود بي حديث الذكريات إلى بداية دراستي للغة العبرية والأدب العبري في بيروت في السبعينات من القرن الماضي، عندما كنت أدرسُ اللغة العبرية مساءً في جامعة بيروت العربية وأعمل صباحاً في مؤسسة الدراسات الفلسطينية كمترجم وباحث في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، حيث كنا مجموعة من المتخصصين في هذه المجالات نتحدث عن الصهيونيـة الأدبيـة عندما أطلعني أحدهم على بحث كان قد أعده الشهيد غسان كنفاني عن الأدب الصهيوني، وقادنا الحديث عن الخلفية التاريخية والأبعاد السياسية للأدب الصهيوني وكانت الآراء متفقة حول ما ذهب إليه الشهيد كنفاني من أن الصهيونيـة قاتلت بسـلاح الأدب قتالاً لا يُوازيـه إلا قتالها بالسـلاح السـياسـي والعسـكري، لأن هذا الأدب لا يُمكن فصله عن الأيديولوجية الصهيونية السياسية مع أن الصهيونية الأدبية كانت سابقة للصهيونية السياسية التي ما لبثت أن تمكنت من تجنيد الأدب لخدمة مخططاتها والسعي لتحقيق أهدافها..
لذلك نجد الأدب العبري "الصهيوني" يتأثر بأهم الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع الصهيوني وتبرز بشكل واضح بين الحين والآخر ويؤثر فيها.. وأحداث كالحرب تُحفز الأديب العبري/الصهيوني على التحرك للتعبير عن خوالج النفس الصهيونية وانفعالاتها ونوازعها التي تبعث على القلق والمرارة، فها هو الشاعر العبري/الصهيوني (دان عومر) يصف في قصيدته (سن الثلاثين) مبلغ اليأس الذي آل إليه المجتمع الصهيوني فيقول:
في سن الثلاثين
أنا كالبيت المهجور
تصفر بين أحلامي رصاصات الحرب
وأسمال بالية
تجفف في داخلي قطرات الدم
دم عزتي
مشاعري، مدافع عديمة الارجاع
في (سبطاناتها) تنمو أشواك صفراء
تقصفني إلى الداخل..
وقد لازمت هذه الحقيقة الاستيطان اليهودي/الصهيوني منذ أن وطئت أقدام أول مستعمر يهودي/صهيوني أرض فلسطين وراح المجتمع اليهودي/الصهيوني يعيش في حالة حرب دائمة وضع عناصرها وأُسسها العدوانية القادة والمفكرون الصهاينة الأوائل وأدت في مراحل لاحقة إلى ظهور موجة من التمرد الأدبي على الموت بلا ثمن إلا لتحقيق أطماع القادة الصهاينة حسب تعبيرات أدباء وشعراء عبريين من هذه الموجة، الذين راحوا يُعبرون عن ردود فعل عنيفة هزَّت مجتمعهم من الداخل هزاً عنيفاً بسبب حالة الحرب التي لا تُطاق وذهب بعضهم إلى القول: "إذا استمرت الظروف على هذا النحو فليس بعيداً اليوم الذي نصل فيه حقاً إلى الحالة التي يكون فيها لكل شاب ثلاث بنات".
ودعا البعض الآخر في قصائده بالويل والثبور على قادتهم حيث نجد الشاعر العبري (مئير شيلاف) يقول في قصيدته:
ويل للمحاربين من على الكراسي
ولجنود الورق والقلم
وللراقدين للكمين في السرير الدافئ
ولممثلي الأهداف على المكاتب
وللصارخين (إلى القتال) المتدثرين بالعباءة
يا شعراء الدم والعنصر
يا كالحي الوجوه
في قبور عبثكم العميقة
يتمدد موتاي
ومع ظهور موجة التمرد آنفاً ظهر جيل آخر من الأدباء والشعراء العبريين راحوا يُعبرون بصراحة عما تطرحه الفلسفة الصهيونية وعما تُكنه للإنسانية من حقد وكُره ونزعة عدوانية، وفي هذا يقول الأديب العبري/الصهيوني (حانوخ برتوف): "إن التغيير هو معرفـة القتل والمشـكلـة هي مشـكلـة وجود يهودي ولكي يتمكن هذا الوجود من الاسـتمرار يتوجب عليـه ممارسـة القتل.."
ومع تحقيق الكيان الصهيوني لانتصاره في عدوان حزيران 1967 أخذ الأديب العبري/الصهيوني يذوب تدريجياً في الآلة العسكرية ليُصبح جزءاً منها، وخلع الكثير من الأدباء والشعراء "أفكار السلام" ومسوح الرهبان والتناقض ولبسوا أردية القسوة والشدة والعنف وألغوا كلمات الرحمة والشفقة وبدؤوا ينغمسون، بإرادة ووعي، في خضم القتل إلى درجة أصبح سفك الدم العربي متعة بالنسبة إليهم، وأصبحت الأهداف العنصرية العرقية تجاه العرب واضحة في كل عمل أدبي وفي: "نفـس كل إسـرائيلي لا يرى أي موجب لاحترام العربي أو تقديـس حقوقـه" حسب تعبير الروائي العبري/الصهيوني (عاموس عوز) الذي يدعي بأن الإنسان العربي يُشكل تهديداً مباشراً للكيان الصهيوني، انطلاقاً من أفكار "توراتية أسطورية" وبلا "سبب" أو "منطق" وأن من الضروري أن يستعد اليهود لدحر العرب في عُقر دارهم بصفتهم ـ أي اليهود ـ "أمة متحضرة" تصارع "أمة متخلفة" وهذا ما نجده في روايته "في مكان ما.."
وعلى غِرار هذا الشعور لدى (عوز) نجد هناك قواسم مشتركة لكثير من الأدباء والكُتاب والشعراء العبريين/الصهاينة في فلسطين المحتلة وخارجها والذين يرون إبادة العرب مسـألـة أسـاسـيـة لتثبيت الوجود الصهيوني وتوسـعـه في مرحلـة لاحقـة وفق تعبير الأديب (حانوخ برطوف): "فوق ركام المجازر والجثث العربيـة سـتسـتمر (إسـرائيل) بالبقاء والتمدد.."
والأبيات الآتية تُمثل نموذجاً من الشعر العبري ذي النزعة الصهيونية المتطرفة الذي ظهر بعد احتلال جنوب لبنان عام 1982:
أطردوا كل (الخونة)
من البلاد اليهودية
لا نريد هنا..
إلا كل صهيوني حقيقي
يصرخ أمام الملأ
يهوذا والسامرة لنا.
وأنتم سكان يهوذا والسامرة
اجلسوا بصمت بهدوء
وقولوا شكراً
لأنكم لم ترحلوا بعد
إلى ما وراء البحار
ومثلما تدعي الشاعرة العبرية/الصهيونية (نعمي شيمر) فإن الدبابات لن تكون أبداً رمزاً لحمل البرتقال طالما أنها لا تزال المركبة الجهنمية التي تحمل الموت والخراب وتزرعه في العالم:
ربما سنبحر غداً في سفن
من ساحل إيلات حتى ساحل العاج
وعلى المدمرات القديمة
سيُشحن البرتقال
ومن نماذج النزعة العدوانية والتطرف العرقي ما تُجسده هذه الأبيات للجنرال (رافائيل إيتان) رئيس أركان جيش العدوانم الصهيوني الأسبق، وهو يتحدث عن الحرب العراقية ـ الإيرانية:
ماذا علينا!!
ليذبحوا بعضهم..
ليذبح أحدهم أخاه..
لماذا نتدخل نحن؟
وبالرغم من أن الحروب الصهيونية العدوانية كانت تقطعها بين الحين والآخر فترات من التوقف والهدوء فإن هذا لم يؤدِ على الإطلاق إلى جعل المجتمع الصهيوني يعيش في حالة من السلام والاستقرار، لأن الشعار الذي خططت له الصهيونيـة السـياسـيـة ونفذه جيش العدوان الصهيوني، وما زال، وروَّج له الأدب العبري/الصهيوني هو "من يتقدم لقتلك أسـبق أنت لقتلـه.."
وهكذا نجد الكيان الصهيوني يسـتعد بين حرب وأخرى لخوض حرب جديدة.. واستناداً إلى هذه الحقيقة، أي تحول الحرب العدوانية إلى سِمة رئيسية لمجتمع العدو الصهيوني، نجد البعض من الأدباء العبريين/الصهاينة يسعون دائماً إلى تبرير هذه الحرب وإضفاء طابع "الشرعية" عليها، فالأديب (حانوخ برتوف) يقول: "حينما جاء إلى هنا أوائل الطليعيين ذوي الأفكار الراقية وأقاموا المجتمع الكيبوتسي، أي الاستيطاني، اعتقد الجميع أنهم سينقلون بشرى المساواة الحقيقية إلى العالم بالبنطلونات والقمصان الزرقاء.. ولكن ماذا حدث؟ لقد تحولنا إلى مقاتلين وليـس لنا خيار في ذلك."
إما بالنسبة لأدب الطفل العبري/الصهيوني، نجد أن البناء الفني والفكري هو أشد خطراً مما هو عليه في أدب الكبار، ويُمكن أن نرى المزيد من التطبيقات العملية للتوجهات الصهيونية حيث يتم التركيز على إدعاءات كاذبة وأفكار مُضللة إطارها العام "وجود حق تاريخي لليهود في أرض فلسـطين وأن العرب هم الذين تسـببوا في غربتهم آلاف السـنين وتصوير الأطفال اليهود بأنهم أطفال جبابرة عظماء لا يُقهرون، ويهزمون العرب الذين يريدون قتلهم من أجل المتعـة فقط"..
وانسجاماً مع هذا التوجه فإن أحد المشاهد الأولى التي يذكرها الطفل مشهد أبيه الذاهب إلى الحرب التي تُرافقه حتى حينما لا يكون لها ذكر في الأخبار..
وفي هذا يقول المفكر اليهودي/الصهيوني (أمنون روبنشتاين): "لقد نما في الدولـة جيل أصبحت الحرب جزءاً من حياتـه.. لقد آمن جيل 1948 أن حربـه هي الأخيرة ولكنـه اكتشـف فيما بعد أن هذا كان وهماً"..
والنتاجات الأدبية التي تتعامل مع موضوعات الطفل الصهيوني هذه تعود بداياتها الأولى إلى فترة الخمسينات حين قام متطرف هو (ييغئال ماسيتيون) بإصدار كتاب خاص بالأطفال، سماه "عصابة حصبمة" وهي عصابة سرية من الأطفال اليهود،، حسب ادعائه، تتمكن من إلحاق الهزيمة بأعدائها بسهولة ويُسر وذلك خلال مغامرات كثيرة تنتهي دائماً بنفس النتيجة..
بعد ذلك ظهر جيل آخر من الكُتاب ساروا على نهج (ماسيتيون) في الكتابة للطفل اليهودي منهم (أرنونة غادوت) وكتابها "فتيات تزوبتك" و(روفائيل ساهار) الذي نشر كتاباً أسماه "عملية في الأهرامات"..إلخ، أما أكثر الكتب رواجاً فهي كتب (إيدو ستير) وبطله (عوزيا عوز) و(أن ساريج) وبطله (داندين).. وتدور هذه السلسلة من الكتب حول الطفل الصهيوني (عوزيا عوز) أو(القوي الشجاع) الذي لا يُقهر، ويسعى دائماً إلى تحقيق أهدافه.. ويتساءل الكاتب (هازي لابين) عن الكتب التي يُفضل أن يقرأها لو كان طفلاً يعيش زمن الصراع مع العرب، فيُجيب أن من واجب الكُتاب والأدباء العبريين الابتعاد عن كتابة القصص الجميلـة التي تتحدث عن الفراشـات والزهور وزيت الزيتون النقي لأن هذا سـيوقعهم، حسـب ادعائـه، في كارثـة هم في غنى عنها..
أما (أن ساريج) فيرى أن هدفه الرئيس من وراء هذه الكتب هو تغذية قرائه من الأطفال بحب "أرض إسرائيل" وتراثها، ويسعى لأن يكون الطفل اليهودي صهيونياً مثل بطل القصة تماماً..
وهكذا نجد أن معظم المختصين في أدب الطفل العبري يعملون على جعل أطفال المستعمرين اليهود يُرددون هذه الأغنية التي وضعها لهم (لابين) والتي تقول كلماتها:
سـوف نُهاجم "الأعداء"،
خلال الظلام بكل قوة،
لأنـه لا يوجد لدينا لذة،
غير لذة الجريمـة!
وحين سُئل (لابين) عن مثل هذه الكتابات الحاقدة، التي تُغذي الشعور بالنقمة والحقد والجريمة لدى الأطفال، نراه يحصر التبرير في الحرب التي يخوضها اليهود ضد "أعدائهم" وأن من حقهم مواجهتهم بقوة وبكل الأسلحة!..
ويتفق (لابين) مع الأدباء العبريين/الصهاينة الآخرين على رسم نتاجهم الأدبي داخل إطار المقولة الصهيونية "إذا أراد أحد أن يقتلك فلا بد لك أن تُعجل أنت بقتلـه.." وفي قصيدة "المشـكلة" نجد الشـاعر (يعقوب تسـيم) يخلق جواً مشـحوناً بالرعب يُسـيطر على البيت الصهيوني، ولا يوجد هناك من يحميـه من شـبح الرعب هذا... فالزوج الذي تجد الزوجـة أمنها في حضنـه مشـغول دائماً في الخارج بحراسـة الحدود، والأم التي تجد الطفلـة أمنها في حضنها دائماً خائفـة ومذعورة.. وهنا تكتمل صورة "المشـكلة" التي رسـمها (تسـيم) بنزعـة صهيونيـة خبيثـة بإلقاء اللوم على العرب المسئولين عن خلق جو الرعب هذا وفقدان الأمان الذي بدونـه لا يُمكن للطفلـة أن تنام..
وهكذا في قصيدة "حكاية" (لرافي دان)، هي الأخرى، تتحدث عن القتل والرعب وأسطورة "الحق" اليهودي المزعوم في فلسطين..
(زئيف) طفل يهودي عاش على أرض فلسطين ـ منذ آلاف السنين ـ ومات ـ منذ آلاف السنين ـ لا أحد يدري كيف مات: جوعاً أو تحت التعذيب أو برمح طائش.. إلخ.. والسبب هم العرب.. هذا ما أراد أن يوحي به الأديب العبري/الصهيوني (رافي دان) الذي روَّج وبشَّر في كتاباته بقدوم الإنسان اليهودي للاستقرار في "أرضه التاريخية الموعودة" حسب زعمه.. ثم يأتي القصد وهو: أن اقتلوا.. اقتلوا.. فإذا رغب الأطفال بالموت فعليهم أن يموتوا مثل (زئيف) إذن، ولكن عليهم قبل كل شـيء أن "يُصوبوا بنادقهم تجاه الشـرق".. أي اتجاه العرب..
أما عن علاقة الأدب العبري/الصهيوني بالتوراة فإننا نجد ما يُسـمى بالصهيونيـة الدينيـة قد جعلت من الحرب أسـاسـاً لوجودها ومرتكزاً للانطلاق نحو غاياتها، ولذلك لا نُفاجأ عندما يُعبر الحاخام العسكري (موشيه جوران) عن تمسكه بمبادئ التضليل وتشويه التاريخ نفسها ويُعلق: "إن الحروب التي خاضتها (إسرائيل) هي في منزلة الحروب المقدسة! وأن حرب 1948 هي لتحرير أرض (إسرائيل) وحرب 1956 هي لاستمرار الدولة وحرب 1967 هي لتحقيق نبوءات (إسرائيل)."
وهنا نجد أن هذا الإعلان من جانب الحاخام العسـكري الصهيوني يُعبر بوضوح أيضاً عن النوايا الصهيونيـة التوسـعيـة التي تضمنها المشـروع الصهيوني والراميـة إلى تحقيق حُلم (إسـرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل) حسـب المزاعم التوراتيـة، والتي تقرر تعليق خارطتها على مدخل الكنيسـت الإسـرائيلي ـ البرلمان ـ لتذكير ممثلي الأحزاب الإسـرائيليـة والتجمع الاسـتيطاني اليهودي الصهيوني دائماً بهذا الهدف الصهيوني الإسـتراتيجي.
كما لا نسـتغرب عندما يسـمح (بن غوريون) لنفسـه بالتحدث عن أعداء (دولة إسـرائيل) على أنهم مصر وبابل! وكان (زئيف جابوتنسكي) ـ الذي يُسميه البعض بفيلسوف العنف والإرهاب في الحركة الصهيونية الإصلاحية ـ صريحاً عندما قال مخاطباً رئيس جامعة فينا اليهودي: "تسـتطيع أن تُلغي كل شـيء أما السـيف فلا.. وعليكم أن تحتفظوا به لأن القتال بالسـيف ليـس ابتكاراً ألمانيا بل هو ملك لأجدادنا الأوائل.. إن السـيف والتوراة نزلا علينا من السـماء.."
كما نجد الإرهابي (مناحيم بيغن) يُطلق صرخته المشهورة: "لولا النصر في دير ياسـين لما كانت هناك دولـة (إسـرائيل)!!" ويقول (عاموس كينان) في كتابه "الإسرائيليون والمؤسسون الأبناء": "إن الصهيونيـة الأولى قامت على أسـاس العقيدة في إجراء التغيير بالطرق السـلميـة، ولما تبين أن هذا غير ممكن ارتبط الخلاص بفكرة العنف.."
الاسـتنتاج الذي نخلص إليه من هذا الاسـتعراض السـريع عن مفهوم الحرب في الأدب العبري/الصهيوني وتطبيقاتـه، هو أن الحرب والعدوان كانا وما زالا بالنسـبـة للفكر الصهيوني حقيقـة وجوديـة، أو كابوسـاً وجودياً لا مفر منـه، كما يحلو تسـميتها من قبل البعض من المسـتوطنين اليهود، ولذلك تحوَّل المجتمع الصهيوني، بفعل هذا الكابوس، إلى ثكنـة عسـكريـة تُغذى فيها الأفكار العسـكريـة العدوانيـة، وفي جو مشـبع بالحقد والكراهيـة لكل ما هو عربي، وفي إطار من المفاهيم الكاذبـة كالأمن والدفاع، والشـعارات المضللـة كالتمرد على الحرب في بعض الأحيان والظروف، كما حصل بعد حرب تشرين 1973 عندما هُزم الجيش "الذي لا يُقهر" واهتزت نظرية الأمن التي ثبت فشلها في ضوء العمليات العسكرية العربية الرادعة والرائعة..
ورغم كل ما حصل سـيبقى المفهوم الصهيوني للحرب قائماً، رغم "فترات السـلام" التي يرى فيها الكيان الصهيوني أنها مؤقتـة من أجل تعزيز قدراتـه العسـكريـة التقليديـة وغير التقليديـة وإعادة بلورة اسـتراتيجياتـه لتنفيذ الحلم الصهيوني المريض، بدعم مطلق من الولايات المتحدة والصهيونيـة العالميـة ودول أخرى، والمتمثل بإقامة (إسـرائيل الكبرى) ثم (إسـرائيل العظمى) أو المملكـة اليهوديـة العالميـة، حسـب ما "أقرتـه التوراة" التي بين أيدينا وكما جاء في أسـفار التلمود صراحـة بهذا المعنى..
من هنا جاءت الطروحات الأمريكية والإسرائيلية متوافقة حول ما سُمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير، على حد تعبير (شمعون بيرس) في كتابه "الشرق الأوسط الكبير"، وعلى حد تعبير الرئيس (بوش) و(كونداليزة رايس) وعدد من المسئولين الأمريكان بإقامة ما أسموه الشرق الأوسط الجديد، وذلك كله من أجل السيطرة على المنطقة العربية والاستحواذ على ثرواتها وسلب إرادتها كخطوة أولى باتجاه السيطرة على مناطق أخرى من العالم تحقيقاً لنبوءات حاخامات اليهود كما جاء في بروتوكولاتهم المعروفة...
المصادر
1 ـ عبد الوهاب محمد الجبوري / اللاسامية في الفكر الصهيوني ـ الموسوعة الصغيرة / العدد 119/ بغداد منشورات دار الجاحظ للنشرـ ط، 1982.
2 ـ مجلة الأقلام / العدد التاسع ـ حزيران 1979 إصدار وزارة الثقافة والفنون ـ بغداد.
3 ـ د. رشاد عبد الله الشامي / الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية / عالم المعرفة ـ العدد 102، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت، 1986.
4 ـ جودت السعد / الشخصية اليهودية عبر التاريخ ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1981.
5 ـ جودت السعد / الأدب الصهيوني الحديث بين الإرث والواقع ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1985.
6 ـ غسان كنفاني / في الأدب الصهيوني / مركز الأبحاث/ بيروت.
7 ـ آفاق عربية / العدد 7 – 1987.
8 ـ آفاق عربية / العدد 1 – 1984.
9 ـ محمد الصالح العياري / الشعر العبري والصهيوني المعاصر/ كتاب المعارف يصدر عن دار المعارف للطباعة والنشر بسوسة / تونس.
10 ـ د. فاروق محمد جودي – مدرس آداب القاهرة – الصهيونية وإحياء اللغة في العصر الحديث، مطابع النشر العربي، 8 شارع الصحافة – القاهرة.
11 ـ مجلة الكاتب العربي، التي تصدر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب – دمشق، السنة العشرون، العدد (53) أيلول 2001 – عدد خاص / عنصرية الصهيونية والنازية.. والرد على هذا المقال؛ مشاركة منتدى الدكتور عبد الوهاب محمد الجبوري باحث وأكاديمي عراقي.