تساءلت جمانة الحب:
لماذا يعانى بعض الأطفال من العصبية؟
إن الأسرة تؤثر في شخصية الطفل تأثيراً كبيراً؛ فنوع العلاقات السائدة في الأسرة بين الأبوين وبينهما وبين الأطفال يحدد إلى مدى كبير أنواع شخصيات الأطفال، وأن الطفل يتفاعل مع مجتمع الأسرة أكثر من تفاعله مع أي مجتمع أخر خصوصاً في السنوات الأولى، ولا ينفصل في مشاعره عن الأسرة، والطفل يكون فكرته عن نفسه -أي أن ذاته في بادئ الأمر- من علاقاته بالأسرة فقد يرى نفسه محبوبا ومرغوبا فيه أو منبوذا كفء أو غير كفء ومن ثم ينشأ راضياً عن نفسه أو نافراً منها أو ساخطاً عليها وغير واثق منها تسود حياته النفسية التوترات والصراعات التي تتميز بمشاعر الضيق والعصبية ومشاعر الذنب والقلق والنقص والرثاء للذات والاكتئاب والضجر؛
ويرى بعض العلماء أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى الشعور بالعجز والشعور بالعداوة والشعور بالعزلة كنتيجة لحرمانهم من الدفء العاطفي في الأسرة وعدم إشباع الحاجة إلى الشعور بالحب والقبول، وإلى سيطرة الآباء التسلطية وعدم إشعار الطفل بالتقدير ومن أمثلة ذلك قسوة الآباء وتفريقهم بين الأخوة وبين الولد والبنت كما ترجع عصبية الطفل إلى التعقيدات البيئية وتناقضاتها بما فيها من غش وخداع كعدم وفاء الآباء بوعودهم للأطفال وحرمانهم من الحاجات الضرورية.
أعراض عصبية الأطفال:
ولعل أهم أعراض عصبية الطفل هي انعدام الاستقرار والحركات العصبية وأحلام اليقظة وسهولة الاستشارة والبكاء والثورة والغضب لأقل سبب والتشنجات العصبية الهستيرية غير الصرعية ويعض أخوته أو يتشاجر معهم أو يضربهم.
- هل كل حالات عصبية الأطفال أسبابها نفسية فقط؟
إن بعض العوامل والأمراض الجسمية قد تسبب عدم استقرار الطفل وعصبيته ومن هذه العوامل اضطرابات الغدد كاضطرابات الغدة الدرقية وازدياد إفرازاتها عن الحد الطبيعي وسوء الهضم والزوائد الأنفية واللوز والإصابة بالديدان ومرض الصرع.
ولذلك قبل أن نقرر أن أسباب عصبية الطفل هي أسباب نفسية يجب التأكد أولاً من خلوه من الأمراض العضوية التي تؤثر على نفسية أو صحة العامة فإن وجد سليماٍ من الناحية الجسمية تكون أسباب عصبيته في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتحتم علاجها وأحيانا تكون الأسباب مزدوجة أي أسباب صحية وجسمية وأسبابا نفسية في نفس الوقت تقع جذورها في شخصية الأب والأم ومن يتعامل منهم مع الطفل.
رد الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني
الابنة جمانة الحب؛
موضوعك جميل وهام، وجدير بالبحث والقراءة، وخصوصا وأن نظام التعليم لدينا لا يفرق بين الفتيات والفتيان فيما يتعلمونه، وهذا في نظري خطأ كبير، لأنه لا يعقل أن نعلم البنات نظرية بوهر وثابت بلانك في الذرة، ولا نعلمهم حقائق هامة عن تربية أبنائنا وبناتنا!!!، وهي الوظيفة الهامة جدا للآباء والأمهات، وأظن ذلك سببا في ارتفاع معدلات الطلاق في بلادنا، فلا الزوج ولا الزوجة يعرفون حقائق الحياة الزوجية ومفرداتها إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
أحب أن أضيف بعض أسباب لعصبية الأطفال؛ وأؤكد على أن أهمها هو عصبية أحد الوالدين أو كليهما، فأطفالنا مرآة لأنفسنا كأب وأم، وكما نكون هم غالبا يكونون في الطباع وحتى في الشكل، وهناك بعض الاضطرابات النفسية في الأطفال تميزهم بالعصبية وسهولة الاستثارة غير القلق والاكتئاب مثل الإحباط الدراسي نتيجة لحشو المناهج الدراسية بما لا يفيد هؤلاء الأطفال من عمر الروضة وحتى الشهادة الابتدائية، بل ويضرهم، لأنهم بحاجة إلى اللعب في هذا العمر أكثر من حاجتهم لدراسة العلوم النظرية، والتي من السهل تحصيلها لاحقا، وكذلك فرط النشاط الحركي لدى الأطفال والتوحد والطفل المعارض المحتد واضطرابات التواصل والتي غالبا ما تتحول بعد عمر الثمانية عشر إلى اضطراب الشخصية المستهينة بالمجتمع (أو اضطراب الشخصية عدوة المجتمع)، واضطرابات عدم السيطرة على الاندفاعات، وكذلك بعض الاضطرابات الذهانية في الأطفال كالفصام أو الاضطراب الوجداني الثناقطبي، وكذلك بعض حالات التأخر العقلي المتوسطة والبسيطة والشديدة، وما أكثر تلك الحالات في مجتمعاتنا، وكذلك بعض الأمراض المزمنة العضوية لدى الأطفال كالربو والصرع بأنواعه والأورام وأمراض الدم وبعض أمراض القلب الخلقية والروماتيزمية والسكري، وبعد حوادث الطرق وما يتبعها من إصابات بالرأس وغيرهم الكثير من الأسباب العضوية.
وكل نوعية من هذه الاضطرابات له أسبابه وعلاجه عند المختصين، ولكن يبقى الاضطراب السلوكي في صورة سهولة الاستثارة والعصبية من الأعراض المشتركة بين معظم تلك الاضطرابات.
وقد تظهر عصبية الطفل في كثرة البكاء، أو الزن المستمر بسبب وبدون سبب واضح أحيانا، أو التمرغ على الأرض أو الصراخ المزعج أو خبط الرأس في الجدار أو الأرض أو التشبث بلعبة أو قطعة حلوى في المحلات التجارية أو عدم الرغبة في الدخول للمنزل أو العكس، مع البكاء والنحيب والصراخ المستمرين، أو تظهر عصبية الطفل في اعتدائه بالسب أو الضرب لأقرانه (أو كليهما) وأحيانا لمن هم أصغر أو أكبر منه سناً، ويقع أهل الطفل في حرج شديد نتيجة لعصبية طفلهم.
ومن المهم عدم الاستجابة لطلبات هذا الطفل وهو في حالته العصبية تلك، وبمجرد التوقف عن سلوكه العصبي نقدم له ما كان يريده إن كان ذلك ممكنا، وإلا سيصبح هذا السلوك (من بكاء ونحيب وزن وعنف وصراخ وغيرهم) هو السلوك المتبع من الطفل حتى يأخذ ويحصل على كل ما يريده وتصبح حياة الوالدين سلسلة من المعاناة والجحيم، من المهم أيضا ألا يظهر كلا من الوالدين والأخوة الأكبر عمرا أمام الطفل مثل تلك السلوكيات الدالة على العصبية كالصراخ المستمر في البيت بين الزوجين أو بكاء الأم أو ضرب الأب للأطفال في البيت مع السب والشتم، أو اعتداء الأخوة بعضهم على بعض سبا وشتما وضربا بالبيت في وجود أو غياب الوالدين وغيرهم من سلوكيات العصبية والعنف بالمنزل، ولو اتبعنا هذين السلوكين فقط مع الأطفال العصبيين فسنحل أكثر من 90% من أسباب عصبية الأطفال قبل دخولهم للمدارس، ويتبقى جزء من أسباب عصبية الأطفال بسيط مثل الاكتئاب والقلق وفرط النشاط الحركي والتوحد والتأخر العقلي وغيرهم بحاجة إلى علاج سلوكي أو دوائي من المختصين في (طب نفس الأطفال) للسيطرة على أعراض العصبية لديهم.
اقرأ أيضاً:
دراسة عن أثر الفضائيات على سلوك الطفل / الآثار النفسية للحروب على الأطفال / وللعب فوائد أخرى / تربية بلا مشاكل، هل هي حقاً معادلة صعبة؟