علي في البداية أن أؤكد أنني في مقالاتي هذه لا أحدث طرفا دفاعا عن الطرف الآخر، ولن أدخل في تلك المعارك السخيفة التي يهوى الكثيرون إشعالها بين النساء والرجال. كما أنني لست أهدف لإطلاق الاتهامات أو مهاجمة طرف أو آخر. ولا أحدث طرفاً دون طرف لكنني أحاول تحليل أسباب المشكلات ومحاولة فهمها، بصورة أبعد عن هذا السجال الذي اعتاد الكثيرون تناول الأمور به. فليست البيوت الزوجية ساحة محكمة يقف فيها الطرفان في مواجهة بعضهما البعض ويتنافسان في تحقيق المكاسب والانتصارات.
نحن هنا نحلل الظواهر بنظرة أبعد من فكرة رجل وامرأة، لكن ذلك لا يمنع من بعض التخصص في مقالاتي، بمعنى أن أغوص في إحداها في عقلية وطريقة تفكير طرف من الأطراف (مرة أخرى بحثا عن الأسباب وليس لإلقاء الاتهامات).
كما أنني بالتأكيد لا أقصد التعميم في حديثي فمقالي أساساً ليس لنقد الظاهرة بقدر ما هو لتفسيرها لذا أردت التوضيح فلن ألجأ بين الحين والآخر إلى التأكيد على أنني لا أقصد التعميم.
واليوم جاء دور الرجال
"لا يريدونها مثقفة"
"الرجل لا يحب أن يشعر أنها تعلمه أو توجهه"
"يريدها طيبة ومسالمة ولا توجع دماغه"
|" الرجل لا يحب المرأة التي لها شخصية"
هذه العبارات اصطدمت بها كثيرا خلال متابعتي للمجتمع من حولي، بل وكنت أضحك كثيرا من الناصحات الأمينات اللاتي كن يفسرن سبب انصراف الخطاب عن هذه أو تلك فيقلن: عليها ألا تكون "عاقلة" بهذا الشكل، فلا يوجد رجل في الدنيا يحب ذلك!!!!!!!
بل إنني ضحكت عجباً وغيظاً من تلك المجلة النسائية ذات التوجه الديني التي أفردت عدداً لا بأس به من صفحاتها للحديث عن أهمية القراءة وضرورتها للإنسان، لكنني وجدتهم يكتبون في مقدمة الملف عبارات من قبيل:
"عزيزتي حواء، القراءة شيء مهم جدا، ولابد أن يكون لك حظ منها في حياتك، نحن لا نعني بذلك طبعاً أن تنشئي في غرفتك مكتبة ضخمة، ولا أن تكوني ممن يرتدين النظارات الطبية السميكة، ولا نريدك "مثقفة" تتحدثين في المنتديات فتفقدين أنوثتك، إنما نعني القليل من القراءة التي تزيد من معلوماتك ولا تؤثر على "أنوثتك"!!!!!!!!!!
قالتها لي إحدى الطبيبات كبيرات السن بوضوح صدمني وجعلني حقيقة لا أستطيع التصديق:
"يا عزيزتي، الرجل يحب المرأة الغبية!!!" وكان ذلك في معرض نصائحها لي للاستعداد للزواج.
حكت لي إحداهن وقالت: "إن زوجي لا يمكن أن يستشيرني في أمر يخصه، وإن أراد فإنه يفعل ذلك بشكل غير مباشر لكيلا يشعر أنه "يسأل امرأته""
أما الآخر، وهو متعلم تعليم جامعي بنفس الكلية التي تخرجت منها زوجته، فدخل المنزل ليجدها تجري بحثا على شبكة المعلومات الالكترونية فطالبها بأن تتوقف عن هذا اللعب، فلما قالت له: وهل أنت تلعب حينما تعمل الساعات على هذه الشبكة بحثا عن شيء فأجابها، "هل تقارنين نفسك بي؟ هل تظنين نفسك مثلي؟"
وسألت نفسي حقيقة، ترى أين المشكلة؟
وكيف تسللت هذه التصورات لعقلياتنا حتى باتت الثقافة والفهم هم أعداء الأنوثة الألداء.
ولماذا هذا التأهب من الرجال والتوجس من أن تكون الزوجة "مثقفة؟" أو صاحبة اهتمام في الحياة؟
دار بيني حوار وبين أحد الأشخاص الذي تقدم لخطبتي ربما يوصلنا لجزء من أجزاء المشكلة، فبعد التعارف ومعرفته بأنني أهتم بالشأن العام، وأحب القراءة والثقافة من خلال حكايات عادية عن كيفية قضاء أوقات الفراغ والهوايات وخلافه، وجدته يسألني: ترى لو أردت يوما الخروج لحضور إحدى الفعاليات مثلا، ورفض زوجك ذلك لمجرد الرفض، فماذا ستفعلين؟"
أجبته ببساطة وسرعة: بالطبع لن أخرج.
قال: هكذا ببساطة!!! وأنت من لها عقلها وتفكيرها وثقافتها وقدرتها على الإقناع؟
قلت له (وأنا أفهم قصد السؤال): أنت سألتني سيدي عن تصرفي إن رفض زوجي خروجي من المنزل يوماً، فقلت لك أنني ببساطة بالطبع لن أخرج.
بالطبع سأحاول إقناعه أو معرفة أسبابه، لكن في النهاية إن رفض خروجي فلن أخرج. ولا أجد في ذلك أي تعارض مع كوني مثقفة وقادرة على الإقناع.
بل إنني سيدي قد أمتنع عن الخروج يوماً لمجرد "شعوري" أن زوجي "يريد" ذلك يومها وإن لم يصرح بذلك.
ما هذه الثنائية الغريبة التي نشأت في عقول الرجال (بل وبعض النساء) حول تعارض الثقافة والفهم مع الأنوثة، فالمرأة في ذهنهم إما: مثقفة أو أنثى!!!!!!!
هل يرجع ذلك لثقافة الصراع التي تسللت لبيوتنا فصارت تحكم العلاقات داخل المنزل وصار الطرفان منشغلين بحيازة مراكز القوة داخل المنزل؟
فهو لاشعوريا يحسب أن أي نجاح لزوجته يهز من هيبته ومركزه داخل المنزل، وهي أيضا وبغير قصد تخال أن حفاظها على كرامتها وشخصيتها أن تظل متحفزة في موقف الند المخاصم لزوجها
وتصبح القضية داخل المنزل: هل هو أم هي؟
وحينما يشعر كل طرف بهذا الصراع نجد كلا منهما يتشبث بموقفه، فالرجل يعمل على إلغاء أي شخصية لزوجته تحت عنوان "حقي"، وتشعر هي بتلك المحاولات فتتشبث (بمبالغة وأحيانا بسذاجة) بما تخاله سلاحها في مواجهة "العدو" عفواً أقصد "الزوج".
وهل يرجع ذلك لغياب إبراز النماذج الإيجابية مع تعدد النماذج السلبية التي كرسها الإعلام بتلك الصورة الكاريكاتورية السخيفة للمرأة المثقفة، فهي جافة جادة ثقيلة الظل، ترتدي نظاراتها السميكة وغير مهندمة المظهر وتحمل كتابها الذي تقرأ لزوجها نظرية من نظرياته في كل بضع دقائق؟
بل وإلى تلك المعادلة المشوهة التي يطرحها الإعلام بأن على المرأة الاختيار إما بين الزواج والبيت أو بين الثقافة والنجاح والدور في الحياة؟
أم هل يرجع ذلك لشعور الزوجات بالخطر مع محاولات الأزواج غير المقصودة في هذا الجو الصراعي لإلغاء شخصياتهن، فتحسبن أن تعليمهن أو ثقافتهن هم "سلاح" ماض تكسب به الجولة على زوجها؟
هل هو شعور عند الرجال (قد أستطيع تفهمه مع هذه الأفكار المشوهة) أن تميز زوجته يهز دوره كقوام على المنزل؟
وأتعجب من أمة أمر الله تعالى نساء رسولها صلى الله عليه وسلم أمرا واضحا بأن "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً" (الأحزاب:34) يخاف رجالها من الزوجة التي لها اهتمام في الحياة.
أتعجب من أمة تحفظ في تاريخها أن رأي امرأة هي "أم سلمة" رضي الله عنها كان حاسما في قضية مهمة في الشأن العام.
أتعجب من أمة عرفت خديجة رضي الله عنها بحكمتها، وحفظت أحاديث نبيها التي روتها عائشة، وعرفت أم سلمة وأم حرام وغيرهن، أتعجب من هذه الأمة التي ترى أنوثة المرأة في..... غبائها!!!!!!، وتخشى من نجاح أو تميز الزوجة وترى أن ذلك ينال من هيبة ورجولة زوجها.
أتعجب من أمة تعرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهيبته وقوته، تراجعه امرأة في المسجد وهو خليفة المسلمين فيعلن بكل بساطة وقوة أمام الجميع: أصابت امرأة وأخطأ عمر، فلم يخشى من هذا الإعلان من اهتزاز هيبته، كما أن تلك المرأة لم تخرج تفاخر الدنيا بأنها "انتصرت" على عمر.
وأخيرا، هل لي أن أهمس في أذن الرجال في بيوتنا لأقول: زوجتك سيدي هي شريكتك في مركب واحد تقودانه "معاً" إلى بر الأمان، نجاحها نجاحك، وتميزها دلالة تميزك، ونضجها لابد سينعكس نضجا في احتوائك ورعاية بيتكما وأبناءكما.
لذا رجاءاً يا سادتي الرجال............... هوناً
وإلى لقاء قريب
تحياتي
ويتبع>>>>>> : سادتي الرجال..... هونا، مشاركة
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أسجل إعجابي الشديد بأسلوبك في الكتابة وخصوصا استشهادك بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وصحبه الكرام. أظن أنه الآن لا يوجد النموذج الذي تتمنين من الرجال، أقصد هؤلاء الرجال الذين يحترمون زوجاتهم ويستشيرونهن ويرون أن لهن رأيا معتبرا في الحياة. الرجل بطبيعته لا يحب فعلا أن تكون زوجته أعلى منه عقليا ولا علميا ولا اجتماعيا.. وأصبح هذا هو الطبيعي..ولا يحب الزوجة التي تبدأه هي بالنصيحة ولا أدري لماذا؟ هل لأن الرسول قال أن النساء ناقصات عقل ودين؟ فلم يفهم الرجال معناها؟
لقد أرقني هذا الحديث فترة حتى اشتريت كتابا اسمه سنة التفاضل وما فضل الله به النساء على الرجال لمؤلفته عابدة المؤيد العظم وهي حفيدة الشيخ علي الطنطاوي. أراح الكتاب قلبي قليلا وشفى غليلي.
التناقض الذى أعيشه هو أنني إذا رأيت زوجة أعلى عقلا من زوجها فأشعر وقتها بالخوف على هذا البيت وأن الرجل يجب أن يكون هو الأعلى من زوجته وهو الأرشد والأفهم للحياة حوله؟ ترى هل تأثرت بالواقع حولي وبما أراه؟
أحد الأخوات نصحت زوجة أخي يوم فرحها أن تتغابي مع زوجها وأن تظهر وكأنها غبية حتى تكون موفقة في حياتها!