صدمة بناتنا في المظاهرات
مما لا شك فيه أن ما تعرضت له المتظاهرات من حركة "كفاية" في يوم الأربعاء المشئوم كان حدثا مزلزلا بكل المقاييس، ومتابعتي للأحداث والصور والوقائع أصابتني بحالة من الدوار والغثيان وفقد التوازن، غصة لا تفارق حلقي وألم عميق يمزق صدري، وأعتقد أن الكثيرات غيري من نساء هذا البلد يعايشن نفس المشاعر والأحاسيس الأليمة، كل واحدة منا تشعر أن ما حدث كان انتهاكا جسديا ونفسيا لها هي شخصيا، فلجسد المرأة قداسته وكل امرأة تعتبر جسدها ملكا خاصا لها لا تهبه إلا بإرادتها لمن ملك روحها وقلبها، ومما يضاعف من حجم الألم أن الانتهاك قد تم في الشارع وتحت سمع وبصر بل وبتشجيع وتدبير ومباركة من يفترض فيهم أنهم حماة الأمن والأمان في مصرنا المحروسة... ولا تعليق!!!!!
وإذا كنا نعاني من كل هذه الآلام النفسية ونحن لم نعايش هذه الأحداث المروعة، فهل يجعلنا هذا نتساءل عما يمكن أن يحدث لمن كانت في موقع الأحداث وتعرضت بالفعل للانتهاك؟ وهل يفيدها ويفيد من حولها تفهم طبيعة الأزمة التي تمر بها والأعراض التي تشتكي منها؟ وهل يمكننا أن نقدم لها بعض العون إذا وضحنا لها أنها من الممكن أن تصاب بالفعل بما يعرف "باضطراب الكرب التالي للرضح" (Post traumatic stress disorder) وأحب أن أطلق عليه اسما أكثر بساطة وتعبيرا عن المعنى وهو "اضطراب ما بعد الصدمة"؛
وهذا المرض يمكن أن يحدث لأي شخص يتعرض لأي صدمة شديدة تهدد حياته أو حياة المحيطين به ويظهر هذا المرض في صورة مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية والسلوكية، والتعرض للاعتداء الجسدي والجنسي يعتبر واحد من أهم مسببات هذا الاضطراب، ومن الثابت أن هذا المرض يزداد عنفا لو جاء الانتهاك من مصدر الأمان، لو جاء الانتهاك من أب أو أخ أو من يقوم مقامهم ويفترض فيه أنه مصدر الأمان والحماية، ومن الخاص إلى العام يمكننا أن ندرك حجم الأزمة التي تمر بها فتياتنا... فلقد حدث الانتهاك على الملأ وتحت سمع وبصر وبتشجيع من قوات الأمن التي تخلت عن وظيفتها الأساسية وأصبحت حامية لأمن النظام!!!!!.
ومن المتوقع أن تستمر المعاناة فترات تطول أو تقصر وتختلف شدتها حسب قدرة الفتاة النفسية على التعافي، كما تعتمد على مقدار الدعم الذي يقدمه المحيطون لها.
ومن الطبيعي أن تشعر المصابة بخوف ورعب مع عدم تصديق وحزن وأسى شديدين وارتباك وتشوش ولامبالاة فور التعرض لهذا الحدث الصادم، ولكن استمرار هذه الأعراض لأكثر من يومين يعنى أنها بالفعل تعاني من "اضطراب ما بعد الصدمة الحاد Acute post traumatic stress disorder"، واستمرار هذه الأعراض لأكثر من أربعة أسابيع يعنى الإصابة بالاضطراب المزمن (PTSD)، وهذا الاضطراب المزمن يتميز بالأعراض التالية:
أعراض التيقظ الزائد hyperarousal: وتحدث هذه الأعراض كاستمرار لحالة التوتر الشديدة أثناء الأحداث، وتعاني المصابة من الأرق ونوبات من الغضب والفزع المبالغ فيه.
أعراض رفض الحدث denial: حيث ترفض المصابة تصديق هذه الأحداث، وتحاول أن تتناساها وتسقطها من ذاكرتها وقد تتصور أن ما مر بها كان كابوسا فظيعا ولا يمت للواقع بصلة، وعلى المستوي الجماعي يعيش الكثيرون من أبناء هذا الشعب هذه المرحلة حيث يرفضون تصديق هذه الأحداث ويعتبرونها وهما ومحض افتراء لأن هذا يعفيهم من تبعات ضرورة القيام برد الفعل المناسب الذي لا يطيقونه.
أعراض تكرار التعرض re-exposure: وتعتبر هذه المجموعة من أخطر الأعراض وتشمل أفكارا متكررة ومعوقة للتركيز الطبيعي، وفيها تحدث كوابيس متكررة لها علاقة بمضمون الحادث، وفي الحالات الشديدة يحدث ارتجاع متكرر وساحق للأحداث ويشبه الهلاوس السمعية والبصرية.
ويمكن لهذه الأعراض أن تختفي وتضمحل مع الوقت حتى بدون علاج، ويمكن أن تستمر لسنوات عدة، والتعبير عن الحدث والمشاعر النفسية المصاحبة بالحديث أو بالكتابة أو الرسم أو بأي وسيلة أخرى للتعبير تجيدها المصابة تعتبر من أهم الوسائل المعينة على التعافي، والقصاص من الجناة يخفف كثيرا من وطأة المرض، أما إذا استمرت الأعراض ولم تتمكن المصابة من تجاوز الأزمة بمفردها فلا مفر من أن تلجأ لأحد أطباء "نفسيتنا" والعلاج يعتمد على العلاج الدوائي للتعامل مع الأعراض والعلاج المعرفي السلوكي لاكتساب مهارات التأقلم.