لا نجد أشباهنا في الحياة إلا إذا تحدثنا.. عندما نعبر عن دواخلنا نجد أن شيئًا، ما قد ربط بيننا وبين أناس على الطرف الآخر للخريطة.. فلا يوجد من لامثيل له بين البشر.. أتعجب من إحساسي اليوم.. ربما لأني لم أصادف مثله بعد.. لكني على يقين أن هناك من سيلمس معي هذا الشعور.. في فلسفة الوحدة..
تعذبني الوحدة.. تعذبني بازدحامها.. بتكالب الوجوه حولي وتنافس الذكريات التي لا أرغبها في فرض نفسها عليّ في كل وقت.. ليس هناك موعد لنوم أو مقابلة صديق.. الوقت ملكي كما يقولون.. إنها أجازة.. يلفني الفراغ فتفترسني أشباح الذكريات.. وجوه كنت نسيتها.. تحاصرني حتى تبكيني.. وأعمال كنت أؤجلها تتركني وتخليني.. ووسط الناس.. أنجز كل أعمالي.. أقوم بعشرة أعمال في يوم واحد دون كلل.. وأستمتع بوحدتي وأنا في ذلك الجو.. كيف؟؟ أنا مع الناس بجزء مني.. والجزء الآخر معي..
أشعر بنشوة وأنا أختلس من ذاكرتي لحظة تركيز لأقول لي: "بخ/ صباح الخير:)".. "بحبك أوي".. "متزعليش يا هدى".. كم ربتُّ على كتفي بهدوء أو انتبهت لدمعة فرت مني على حين غرة معلنة عن استرسالي في الوحدة الحميمة مع نفسي.. وحدة الزحام..
لم أرغب أن يكون مكتبي في العمل في غرفة بمفردي.. خشيت ألا أنجز شيئًا من ازدحام وجوه الذكريات القبيحة حولي.. خشيت من تلك الوحدة الخارجية التي تعني ازدحامًا داخليًا شديدًا.. تعني أنني سأستقيل من العمل بعد أن أمزق كل أوراقي.. وضعت مكتبي في غرفة تشغل أربعة مكاتب غيري.. يستغربون.. فعملي يتطلب مني تركيزًا شديدًا.. أبتسم في سعادة.. إنهم لايعرفون أن وجودهم حولي يكسبني من الخصوصية والوحدة الجميلة ما لا يتحقق في حياتي.."كم هو رائع إنجازك".. تقول مديرتي المباشرة.. أبتسم لشريكاتي في الغرفة
امتنانًا.. لولا ازدحامكم معي لما توحدت..
سافرت إلى مصر هذا العام.. كانت أسعد لحظات حياتي عندما أمشي في الشوارع.. أمشي وأمشي لساعات.. ظن جميع من رآني بعد عودتي أنني قضيت إجازتي في المصيف و"قطعت
نفسي سباحة".. أغمضت عيني وعادت بي الذكرى لتلك الأيام.. لم يكن أحد يشعر بحاجتي الشديدة وحرماني إلى الاختلاء بنفسي وسط الناس.. لا أريد أن أكون في غرفة مغلقة أو قصر فسيح بمفردي.. وإنما وجودي فوق كوبري مكتظ بالناس تحت الشمس القائظة.. يااه.. منتهى السعادة..
وحدة المكان أو "الانفراد" في هدوء كما أنا الآن منذ أيام عشرة.. لاتعني لي غير الضيق والألم.. وأشعر أنها كالمخدرات.. كنت أضيق في اليوم الأول.. ثم خفت الضيق شيئًا فشيئًا ولم أعد أشعر بشيء في النهاية..غدًا هو العيد.. تسألني صديقتي باستغراب: هل أنت على يقين أنك لن تخرجي من المنزل؟؟
أجيبها بصمت عبر لوحة الأحرف الالكترونية: إلى أين أذهب.. الحياة خالية تمامًا.. ولم أعتد الازدحام مع الغرباء.. أصبحت أؤجل كل شيء هذه الأيام.. شددت الوحدة حراستها علي حتى منعتني من مجرد التفكير في الخروج..انكمش في مكاني بخوف.. واستسلم لثلجية الصمت الذي يلفني..
يا أصدقائي وراء البحر.. إني أحبكم جدًا.. وإني بخير فلا تقلقوا.. وحدها اللحظات التي كانت تجمعني معهم كنت أشعر أنني جزء منهم، حتى الذين لم أرهم بعد.. لم أكن وحيدة وأنا في ازدحامهم.. لم يكن هناك مجال لنفسي وأنا أتوحد مع أناس أحب أن أنظر إليهم.. أن أحادثهم. أن أعيش معهم في وطن واحد..
22-10-2006.
واقرأ أيضًا:
يوميات سحابة: لقطات من سحابة/ يوميات سحابة: التغيير/ يوميات سحابة: من أوراق الحاجة سحابة / يوميات سحابة: من أطرف المواقف في رحلة الحج / يوميات سحابة رحلة مجنونة جدًا