حكى الشيخ محمد الغزالي في مقال له بعنوان: (الدين ليس احتفاء بالصغائر) أن صديقا له أخبره أن إحدى المجلات الدينية هاجمته لأنه قال: إن الغناء كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح. قال الشيخ: قلت للصديق: قد يكون الخطأ قريبا مني فلست معصوما، وعذر هؤلاء أن أغلب الأغاني الشائعة خليع ماجن، وأن البيئة الفنية هابطة المستوى، قال: كأنك تقترب منهم، وددت لو جمعتكما ليزول الخصام، فأجاب الشيخ لا أحب هذا اللقاء هناك مثل غربي يقول: إن ضعفاء العقول كالنظارات المكبرة تضخم الأشياء الصغيرة ولا ترى الأشياء الكبيرة، وكان جديرا بأصحابك هؤلاء أن يكترثوا بمصائب المسلمين الداهمة بدل أن يشغلوا الناس بقضية الغناء! (كتاب: قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة: الشيخ محمد الغزالي).
ولي هنا وقفتان مع كلام الشيخ الغزالي رحمه الله أولاهما مع قضية الاحتفاء بالصغائر هل سيظل الشيخ على موقفه اليوم مع فشوها حتى تغلغلت في بنية التفكير الديني للمجتمع المسلم؟ أم سيحتفي بها بطريقة (تنويرية) إن صح التعبير لحلحلة العقد الصغيرة التي باتت تكبل تعامل المتدين أو المقبل على التدين مع نمط الحياة العصرية؟
طلبت من الدكتور مجدي سعيد أن يقرأ سطوري في (فقه المخالطة) فقرأها مشكورا ثم علق قائلا: ألا ترين أن الخوض في التفاصيل الصغيرة قد لا توصل القارئ إلى الصورة الكلية وأن ذلك يحتاج إلى شرح للقواعد العامة، والكلام عن أهمية فقه الواقع. قلت له حينها: أظن أن عرضي للتفاصيل الصغيرة كان ضمن التأكيد على القواعد الكلية، لكني سأركز على ذلك أكثر مستقبلا.
والآن لما أعدت التأمل فيما كتبت، وجدت أن نهج الاحتفاء بالتفاصيل الصغيرة، واستقصائها مهم، لأن القواعد الكلية وحدها لا تكفي في تثبيت المعلومة وتأكيدها في العقول والقلوب، أيضا النهج الذي تشربه العقل المسلم طويلا كان احتفاء تفصيليا بالصغائر تضييقا يفصل بينها وبين روح الإسلام ومقاصده وقواعده، وبالتالي فالعلاج لا بد أن يكون تفصيليا أيضا.
والوقفة الثانية: هي مع رفض الشيخ للاجتماع لمناقشة هؤلاء الذين شنعوا عليه، وفي تقديري أن موقفه هذا غاية في الحكمة، لأن فقه المخالطة يقتضي أحيانا عدم اللقاء المباشر مع من يختلف معنا في المنطلقات، لأن لقاء مباشرا قد يفضي إلى مزيد من الجفاء، لكن يظل كل يطرح رأيه مترفقا بمخالفه، ولعل البعد يجلب قربا وائتلافا.. والله أعلم.
24/02/2007