في فقه المخالطة.. أسئلة حالية(1)
من المسائل التي لا زلت أتوقف عندها هي كيف يتواصل الرجل الملتزم مع المرأة غير المتحجبة، أليس غض البصر واجبا عن ما لا يشرع إظهاره؟ سألت مشايخي فقالوا لا يجوز النظر إلى المرأة غير المتحجبة، وعلماء الأزهر الذين يظهرون مع مذيعات غير محجبات يرتكبون تصرفا مخالفا، لكن الأمر أوسع من مجرد ظهور مع نساء غير محجبات على الشاشة، إنها الحياة اليومية بتفاصيلها وتداخلاتها، فهل يوجب الإسلام على الرجل أن يظل خافض الرأس عندما يتعامل مع من تكشف شعرها مثلا؟ أم كما ذكر لي أحد الإخوة أنه يرى ولا يرى، وأن الرجل قادر على أن يتحدث مع المرأة ووجهه إليها دون أن يرى ملامحها، هل هذا عام يقدر عليه جميع الرجال؟ وكيف يتصور ذلك في الأعمال المشتركة التي تتطلب وقتا طويلا من التواصل؟ لا إجابة عندي لأني لست رجلا.
لكن ما يستحق الوقوف عنده حقا هو ما ذكره الإمام ابن عابدين الحنفي في كتاب النكاح من أن النساء اللواتي يكشفن عن شعورهن لا يحرم النظر إلى ذلك منهن لأنهن قد أسقطن حرمة الأجزاء التي يحرم النظر إليها من أجسادهن، بكشفهن إياها. ونص كلامه هو: "تسقط حرمة هؤلاء الكاشفات رؤوسهن في ممر الأجانب لما ظهر من حالهن أنهن مستخفات مستهينات وهذا سبب مسقط لحرمتهن فافهم".
وفي الفقه الجعفري نجد من يذهب إلى أنه يجوز النظر إلى النساء المبتذلات اللاتي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف بشرط أن لا يكون بتلذذ شهوي ولا يخاف الوقوع في الحرام، ولا فرق في ذلك بين نساء الكفار وغيرهن، كما لا فرق فيه بين الوجه والكفين وبين سائر ما جرت عادتهن على عدم ستره من بقية أعضاء البدن.
لست أقرر أحكاما، كما أني لم أفهم الوجه الأصولي والفقهي لاستدلال الإمام ابن عابدين، هل هو مبني على أن حرمة النظر إلى ما لا يجوز كشفه هو لأجل حق الطرف الآخر فإذا أسقط حق نفسه سقطت الحرمة، كما في رد السلام الذي هو حق لملقي السلام يبقى في ذمة من ألقي عليه السلام، لا أعلم حقا، وهذه مساحة في فقهنا تحتاج للدراسة، وهذه تساؤلات لا بد للعلماء من الإجابة عنها بما يجعلنا نعيش حياتنا بلا حرج، لأن ديننا هو دين الحياة، والتراث الفقهي لديه إجابات تحقق تناغمنا مع الحياة لكن الخطاب الديني حتى في مصر كنموذج للسعة يقف عند مسائل موقفا غائما ومنها مسألتنا هذه. والله أعلم.
ويتبع >>>>: قبل المداولة.. فقه المخالطة مشاركة
واقرأ أيضاً:
السنة والشيعة ومفهوم الأمة الواحدة / غربة وألفة / الحزن الحر