فيليب بينيل [Philippe Pinel [1745- 1826 فرنسي يعتبر من أبرز رواد الطب النفسي، وله الفضل الأول في تغيير النظرة للمريض عقلياً، وتغيير أحوال وأوضاع المستشفيات العقلية، ومعاملة المرضى العقليين على أساس إنساني وعلمي.
كان والد بينيل Pinel وكذلك جده طبيبين، وكان شغوفاً بالدراسات الإنسانية، وشديد الحب لأمه، فلما توفيت وكان وقتها في الخامسة عشرة من عمره رغب في الترهب، إلا أنه قرأ للوك وكونديال وفولتير وروسو فأحب أن يكون مثلهم، ودرس الطب، وتأثر بمبادئ الثورة الفرنسية، وتلك إذن هي مصادر الاتجاه الإنساني عنده.
وعندما عيّن بمستشفى بيستير للأمراض العقلية على مشارف باريس هالته الحالة السيئة التي عليها، وكان يسجل خواطره، ومن ذلك قوله (كان المرضى يعاملون كمجرمين، وكانوا محل فرجة من الزوار نظير رسم دخول، ويقيدون بالسلاسل، ويوضعون في حجرات أشبه بالزنازين). وطالب بإصلاح الوضع، وكتب كثيراً للمسئولين ولأعضاء الثورة، يذكرهم بشعار الثورة الحرية للجميع، والمساواة بين الناس في الحقوق.
لم يتيسر له تحقيق أحلامه إلا عندما رقي إلى وظيفة كبير أطباء المستشفى، فأمر بفك أغلال المرضى، وكان منهم أناس ظلوا مقيدين لثلاثين وأربعين سنة، وكاد الغوغاء الذين لم يفهموا إصلاحاته يشنقونه بعد محكمة صورية، لولا أن مريضاً ممن فك أسرهم خلّصه منهم. وعندما نقل إلى مستشفى سالبتريير سنة 1795 كان عليه أن يبدأ من جديد، فنقل الممرضين واستقدم آخرين اختارهم بنفسه وحاضرهم ودربهم لهذه المهمة، وأعاد تأثيث حجرات المرضى وطلاءها، وألغى الأغلال تماماً.
تأدت به بحوثه ودراساته إلى كتابة (التصنيف الفلسفي للأمراض العقلية Nosographie Philosophique) فأشادت به الدوائر الطبية وكافأته عليه، وقد قسم فيه الأمراض العقلية إلى هوس وكآبة وخبل وعته. وله أيضاً (الرسالة الطبية الفلسفية عن الاغتراب العقلي Le Traité Médico- philosophique sur L'Alientation Mentale) (1801) وهو كتابه الرئيس الذي تأسست عليه شهرته، يشرح فيه منهجه النفسي الذي تقوم عليه طريقته، ويعد هذا الكتاب من المراجع الكلاسيكية في الطب النفسي، والاغتراب المقصود في العنوان معناه الجنون.
وبسبب هذا الكتاب صارت فرنسا رائدة التنوير في علاج المرضى العقليين. وطريقته كما يشرحها تتلخص في التعامل مع المريض العقلي كإنسان مريض فعلاً، ومرضه عقلي أي أنه يتطلب التحدث إليه بشكل معين، واختيار العبارات المناسبة، والاستماع إليه كثيراً، وتشجيعه، وتهنئته كلما فعل أو قال شيئاً جيداً وكأن المبادرة منه هو. وكان يطلب من معاونيه أن يحاولوا أن يتفهموا حاجات المرضى، وشدد على إلغاء العنف معهم، ومعاملتهم المعاملة الكريمة الرقيقة الحانية، واستبدل السترة مكان الأغلال، وقضى بأن يكون استخدامها مؤقتاً، وغير من النظم الإدارية، ووزع المرضى على أجنحة بحسب حالاتهم، وحث المسئولين على أن يكون مدير المستشفى العقلي من الأطباء، واستحدث التنويع في العلاج بحسب تشخيص المرض، وأدخل العلاج باللعب، والعلاج بالموسيقى، ورفض بتاتاً استخدام الفصد والحمام البارد المباغت، ونصح بالعلاج بالحمام الدافئ قبل النوم، وقال بالعلاج بالعمل، وأنشأ لذلك ورشاً ألحقها بالمستشفى، وخصص للمرضى أجوراً على إنتاجهم، كما ألحق بالمستشفى مزرعة صغيرة يعمل فيها المرضى الناقهون، وقال بضرورة إنشاء مؤسسات إيواء للناقهين، بعد المستشفى، لإعدادهم وتأهيلهم لمعايشة الناس في الخارج.
للأسف توقفت كل هذه الإصلاحات بعد وفاته، ربما بسبب النكسة السياسية والعسكرية التي عاشتها فرنسا في الحروب النابليونية، ولم تقيض لهذه الإصلاحات أن تتحقق بشكل كامل إلا حديثاً.
٠ نشرت في الشبكة العربية للعلوم النفسية (المصدر: المركز الرقمي للعلوم النفسية www.DCpsy.com).