هيبوقراط [460- 377 ق. م] أبو الطب، وصاحب القسم المشهور باسمه الذي يجعل لممارسة الطب أخلاقيات مهنية ينبغي العمل بمقتضاها ومراعاتها. ويعتبر أول مصلح للطب، وتنسب له نحو ستين رسالة تشكل ما يسمى بمجموعة Hippocrates ، ويعتقد العلماء أنه من غير المعقول أن تكون هذه الرسائل جميعها من تأليفه، أو نتاج مدرسته، إذ أنها تستغرق الحقبة الزمنية من وفاته حتى سنة 250 بعد الميلاد، أي نحو سبعمائة وخمسين سنة، وكان منهج Hippocrates فيها تجريبياً غالب، وتفسيره للمرض فسيولوجياً نفسي، ويُنكر أن يكون الصرع مرضاً مقدساً كما كان ذائع، ويصفه بأنه ككل الأمراض له أسباب عضوية.
وهيبوقراط Hippocrates لا يجعل الطب من عمل الكهنة، وينيطه بالأطباء وحدهم، ويصف الذهان كمرض عقلي، ومنه الذهان بعد الولادة، وذهان الاكتئاب. ويتعرض لاضطرابات الذاكرة ويصفها. ووصف الحالات الهذائية والتشوش، وقال بإمكان علاج بعض الأمراض العقلية باستحداث الحمى بالمريض، وهو العلاج نفسه الذي أخذ به الأطباء ومنهم فاغنر يوريج سنة 1883، ومصطلحاته في الطب النفسي ما نزال نستخدمها حتى الآن، كالهوس، والميلانخولي، والصرع، والبارانوي، والفوبيا.
ويفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي، ويذكر أن المرض العقلي فسيولوجي، والمرض النفسي أسبابه تتعلق بالطابع العام للشخصية والمزاج الذي تتصف به، وأن البعض يتداعى لذلك بمرض نفسي بخلاف المرض الذي يمكن أن يتداعى به الآخرون.
ويقول بالتوازن الذاتي الناتج عن توازن هذه الأمزجة: الدموي والبلغمي والصفراوي والسوداوي، وغلبة أحد الأمزجة يخل بالتوازن ويميل بالطبع إلى سلوك خاص، فالدموي عنيف ونزق وغريزي، ومعرض لأمراض القلب والكبد، والسوداوي متشائم وقلق ومعرض للأمراض الهضمية وأمراض التنفس. واسم الهستيريا من مصطلحات Hippocrates، واشتق اسمها من Hystera اليونانية بمعنى الرحم، وكان يقول إن الهستيريا مرض نسائي تصاب به النساء بتأثير اضطرابات الرحم عندهن، فكلما تقلب الرحم عليهن كلما جاءتهن أعراض الهستيري، وذكر أن علاج الهستيريا يكون بتزويج البنت حيث يطامن الزواج من غلوائها الجنسي وإشباقها الهستيري.
ويذكر Hippocrates أن الأحلام عبارة عن رغبات لم تتحقق في اليقظة فتجد التصرف لها في الحلم، وأن الأحلام مثلها مثل التفكير والشعور والتذكر والتخيل، جميعها عمليات عقلية، ليس العقل مصدرها ولكنه وسيط فيه، وأن اضطرابات هذه العمليات يتسبب في الأمراض التي نصفها بأنها عقلية أو نفسية.
لقد ظل Hippocrates الشخصية العلمية الأولى ذات الأثر في المجالين الطبي والنفسي حتى مجيء جالينوس، فأقام مدرسته في علم النفس والمرض العقلي على أفكار Hippocrates ، وامتد تأثير Hippocrates من خلاله حتى العصور الوسطى.
٠ نشرت في الشبكة العربية للعلوم النفسية (المصدر: المركز الرقمي للعلوم النفسية www.DCpsy.com).