كتبت أميرة بدران في رثاء مستشارة مجانين الراحلة أ. نيفين عبد الله التي ودعت الدنيا مساء الخميس 2 يونيو 2016 ليلة الجمعة بعد صراع مرير مع المرض:
"حين رأيتك في أول خطوات غيابك عن دنيانا، شعرت بأني. أصغر من أن أرفض موتك، وصراخي أضعف من أن يعيدك بيننا تضحكين، تغردين، تبكين، تخافين كما عهدتك دوما، لم أشعر "ببركة" العجز، قبل وفاتك يا نيفين، بركة عجز عن توقيف الزمن والتزام السكون، بركة عجز عن حضور الصمت بديلا عن ضجيج الحياة، بركة عجز عن المزيد من الرغبات الموجودة والتي لا زالت ستأتي رغم غيابك... أتعرفين لماذا قلت بركة العجز؟؟!؛ لأنك أحببت الحياة، وأعلم يقينا أنك ستتألمين بصدق إن اخترت الموت بغيابك رغم حياتي!،...
وبعد لحظات ثقيلة من العجز، ولحظات موجعة لحقيقة فراقك، ولحظات مظلمة رغم بياض بشرتك وسريرك وملاءتك، ومستشفاك، وجدتك تقفزين في كل مكان مع بشر كثيرين كثيرين؛ وجدتك في قلب تداوى على يداك ويشهد بتغيره لوجودك في حياته معالجة ﻵوجاعه، وجدتك في عزاء لم أره من قبل طلبت في ابنتيك أن على من أراد تعزيتهم إرتداء ألوان!،
نعم أنت نيفين أنت هذا، هؤلاء أولادك!.. وجدتك في دموع الكثيرين ممن نعوا فراقك لهم قبل أن ينعوا ذويك، وجدتك في عيون زوجك المتألمة الثابتة الراضية؛ ﻷنه عرف ويعرف مساحة الجمال التي كانت تشاركه حياته؛ فأراد بصبره أن يقدم لك ما يرضيك عنه، وعن أولادكم، وجدتك في دعوات من لا يعرفك قبل من عرفك من خلال مرة رآك تتحدثين بتميز، واختلاف كعادتك، أو مرات يتعلم، ويربي نفسه بنفسه على يديك،
وجدتك في نبرة من ظل يتحدث عن منامات رآك فيها في سعة من الرزق والفرح حكى لك عنها حتى قبل غيابك، أو لم يتمكن من حكيها إلا بسبب غيابك، وجدتك في كل كلمة تكاسلت عان قراءاتها لك في مقالات، أو تدريبات، ظنا مني أني استمتع بالأصل؛ وفهمت بغيابك أن أصالة الإنسان ليس بتلك القشرة البسيطة التي تظهر في عمل، أو حديث تليفزيوني، أو كتابات متناثرة؛ فأصلك وأصلي، وأصل أي إنسان هو ما كان يهدف بصدق من قلبه لحياة البشر الذين يروحون، ويجيئون ويأكلون، ويشربون وهم أموات!؛
فكم من قلب أحييته يا صديقتي، وكم من قاتل لنفسه تاب عن هذا الذنب على يديك، أشهد يا ربي أني رأيتك أكثر، وأكثر بعد غيابك، في صدق مشاعر الحزن والألم والفرح والأمل الذي تجذر ببصماتك في وجدان من عرفك طالبا كان أم صديقا، زوجا كان، أو ابنا، عابرا السبيل كان، أو قريبا.. فأنت معي وأراك طوال الوقت ليس فقط كما كنا سويا قبل غيابك كصديقتين قريبتين، ولكن كمتعلمة تتعلم من غيابك أكبر مما تعلمته بقربك وأنت بين ظهرينا..طبت غائبة حاضرة... وسأعيش على أمل اللقاء.
واقرأ أيضًا:
في ذمة الله أحمد الموجي مستشار مجانين