يمكن مراجعة التاريخ البحثي لعلم النفس الأسري واستكشاف كيف ركزت الكثير من الأبحاث في القرن العشرين على الأسر التي تعاني من مشاكل في محاولة للإجابة على السؤال "لماذا تفشل الأسر؟" بينما تتجه البحوث الحديثة في مدخل ونهج بديل، يركز على الأسر التي تعمل بشكل جيد، للحصول على إجابات للسؤال "كيف تنجح الأسر؟"
وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، حدث تحول كبير في أدبيات الأسرة من التركيز على عرض أداء الأسر من خلال عدسة قائمة على العجز إلى منظور قائم على القوة وانتهج عدد من الباحثين نهج الإيجابية في دراسة الأسر القوية على سبيل المثال:
1- قد قدم أولسون وآخرون صفات الأسر القوية على ثلاثة أبعاد مهمة:
- التماسك cohesion: ويعني الشعور بالترابط أو التقارب في الأسرة.
- المرونة flexibility: ويقصد به القدرة على التغير والتأقلم مع تغير ظروف الحياة.
- التواصل communication: بُعد تيسيري يساعد العائلات على زيادة شعورهم بالتقارب والعمل بنجاح على حل المشكلات. (Olson, McCubbin, Barnes, Larsen, Muxen & Wilson, 1989)
2- قدم ستينيت وديفرن (Stinnett and DeFrain 1985). نموذج القوى الأسرية في ستة أبعاد وصفات:
- الالتزام Commitment:
يُظهر أفراد العائلات القوية التزامًا قويًا تجاه بعضهم البعض، ويستثمرون الوقت والطاقة في الأنشطة العائلية وعدم ترك عملهم أو الأولويات الأخرى يستغرق وقتًا طويلاً بعيدًا عن التفاعل الأسري.
فيدرك أفراد الأسر القوية أن حياتهم مع بعضهم البعض ذات أهمية قصوى. ويعبر عن هذا مثلا "زوجتي وأولادي هم أهم جزء في حياتي".، "ما لدينا كأسرة هو كنز treasure ". فالالتزام يعني أن الأسرة هي الأولوية الأولى، والالتزام نحو الأسرة لا يعني أن أفراد الأسرة يخنقون بعضهم البعض. "نمنح بعضنا البعض الحرية والتشجيع على تحقيق الأهداف الفردية"، وفي نفس الوقت تبدو خاصية الالتزام في قدرتهم على ترك وقطع أي نشاط أو التخلي عن أي هدف يهدد وحدتهم الأسرية. ويتضمن الالتزام مثلا الإخلاص الزواجي في العلاقة.
- التقدير والمودة Appreciation and affection:
يهتم أفراد الأسر القوية ببعضهم البعض، ويعبرون عن هذا الاهتمام بانتظام. في بعض الثقافات، من غير المألوف نسبيًا التعبير عن التقدير والمودة بطريقة منفتحة، ويتم توصيل هذه المشاعر بشكل غير مباشر. الشيء الجوهري هنا هو أن أفراد الأسرة على دراية بالمشاعر الإيجابية التي يشعر بها الآخرون فهم يعرفون بعضهم جيدا ولا يخشون التعبير عن مشاعرهم. بينما يركز الأشخاص في الأسر التعيسة على التبادلات والتفاعلات السلبية أي ندرة التقدير والمودة، فمثلا يمكن أن تحافظ على التقدير من خلال ممارسة الامتنان أو العمل وفق معدلات مثلا إذا شعر أحد أفراد الأسرة بالحاجة إلى انتقاد عضو آخر، فيجب على المنتقد الحفاظ على نسبة 10 مواقف تقدير ومودة أمام كل انتقاد واحد. "نحن ننتقد بعضنا البعض في بعض الأحيان في عائلتنا، لكننا نحاول الانتقاد بلطف.
وتميل التبادلات الإيجابية إلى أن تكون مثل كرة الثلج. فمثلا "إذا شعرت أمي بالرضا عن نفسها، فمن المرجح أن تقول أشياء لطيفة لأبي، وعندما يشعر أبي بالرضا، فمن المرجح أن يكون لطيفًا بشكل خاص مع الأطفال".
والسلوك الجنسي هو أحد الطرق القوية التي يعبّر بها الأزواج عن التقدير والمودة لبعضهم البعض، فالمشاعر الجنسية الدافئة تنبع بشكل طبيعي من مشاعر التقارب العاطفي التي تطورت على مدار اليوم: "المداعبة لا تبدأ في الساعة 10:30 مساءً ليلة الخميس " يبدأ الأمر عندما أقوم بإخراج القمامة صباح الإثنين، وعندما أطبخ العشاء ليلة الأربعاء، وعندما أساعد في حل مشكلة في عمل شريكي بعد ظهر يوم الخميس.
والفكاهة هي جزء مهم من أداء الأسرة الصحي، فالأسر القوية تحب الضحك. كلما كانت الأسرة أقوى، زادت احتمالية استخدامهم للفكاهة للحفاظ على نظرة إيجابية للحياة، وللتسلية، ولتخفيف التوتر، وللتعبير عن الدفء، ولإراحة الآخرين، ولتسهيل المحادثات، ولتقليل القلق، وللمساعدة في التأقلم مع المواقف الصعبة. ولا تستخدم العائلات القوية الفكاهة بشكل سلبي، وبالتالي فإن السخرية والاستهزاء ليس المقصود.
- التواصل الإيجابي Positive communication:
لن تكتمل أي قائمة بصفات العائلات القوية بدون التواصل الإيجابي. عندما يشعر الآباء والأطفال بالراحة مع بعضهم البعض، تظهر قضايا مهمة بينهم يتم تناولها بالتواصل. ولا يؤدي التواصل دائمًا اتفاقًا، حتى في العائلات القوية. أفراد الأسرة لديهم خلافات وصراعات، لكنهم يتحدثون عنها بشكل مباشر وصادق دون لوم أو إدانة بعضهم البعض. يحاولون حل خلافاتهم، لكن ينتهي بهم الأمر في بعض الأحيان إلى الموافقة على الاختلاف. من ناحية أخرى، فإن العائلات المضطربة إما تنتقد بشكل مفرط وعدائية في تواصلها مع بعضها البعض، أو تنكر المشكلات وتتجنب الخلاف اللفظي رغم أنه غير مثمر.
التواصل في الأسر القوية له عدة جوانب مهمة. أولاً وقبل كل شيء ، أفراد العائلات القوية مستمعون جيدون للغاية. كما يحب أحد الآباء "لقد أعطانا الله أذنين وفم واحد حتى نصغي ضعف ما نتحدث. أعتقد أحيانًا أن الله كان يجب أن يعطينا عشرة آذان لكل فم. سوف نتعايش بشكل أفضل كبشر." أفراد الأسرة في العائلات القوية بارعون أيضًا في طرح الأسئلة ولا يحاولون قراءة أفكار بعضهم البعض بشكل مسبق مما يجعل الظنون بديلة للتواصل. إنهم يعرفون أيضًا أن آراء الناس تتغير بمرور الوقت، والطريقة الوحيدة لتجنب قراءة الأفكار هي مراجعة المواقف بانتظام عن طريق طرح الأسئلة.
- قضاء الوقت معًا Enjoyable time together:
أحد الأسباب المهمة التي تجعل الأسرة سعيدة هو أنها تقوم بأشياء معًا، المشاركات تكون ممتعة لجميع الأفراد. في موجة التطور والحداثة من ضغوط حياتية وتكنولوجيا الاستخدام الفردي جعلت قضاء الأسرة وقتا ممتعا مشتركا أمرا نادرا إلى الدرجة التي قد تعاني كثير الأسر من الانشغال فلا يجدون وقتًا لتناول وجبات الطعام معًا الأمر الذي جعل جودي داي Judi Dye، وزير في نبراسكا يتحدث عن "عنف الانشغال the violence of busy-ness" في الثقافة الأمريكية.
غالبًا ما تتمتع الأسر القوية بوقت ممتع بكميات كبيرة، فمثلا إذا كان النجاح في عالم العمل يتطلب استثمار الوقت والجهد، فلماذا نتوقع أن يكون لدينا عائلة ناجحة إذا كنا لا نريد استثمار قلوبنا في الأسرة أيضًا؟ " تتمحور السعادة في الطفولة دائمًا تقريبًا حول الأنشطة التي يتم تجربتها معًا كعائلة. غالبًا ما تكون أفضل ذكرياتنا عن الحياة كأطفال هي ذكريات الأنشطة العائلية. وغالبًا ما تتمحور أكثر الأوقات الممتعة التي نتذكرها منذ طفولتنا على الأنشطة البسيطة التي لا تكلف الكثير من المال. فالمال لا يشتري السعادة، بل العلاقات الأسرية الودودة يمكن أن تصنعها."
سألت إحدى الدراسات التي أجريت على 1500 من تلاميذ المدارس، "ما رأيك فيما يجعل الأسرة سعيدة؟" أجاب قليلون بأن المال، والسيارات، والمنازل الفاخرة، وأجهزة التلفزيون، أو عالم ديزني، كل هذا يصنع أسرة سعيدة. أغلب الأطفال رجحوا أن الأسرة السعيدة هي التي تفعل الأشياء معًا، وهي عائلة تستمتع حقًا بالوقت الذي يقضونه مع بعضهم البعض.
- الرفاهية الروحية Spiritual wellbeing:
يرتبط هذا المكون بثقافة كل أسرة وطريقة نظرتها للدين، فبعض الأسر تجد في الجانب الروحي أنه الإيمان بالله ويرى البعض الآخر الله في عيون ابنتهم الرضيعة. ويعبر عنه البعض في مشاعر الأمل والرجاء والسلام والتفاؤل، ويعبر البعض بمدى انسجامهم وتوحدهم مع الطبيعة والعالم كأنهم في نسق واحد، ويصف البعض الحب الذي يشعرون به تجاه بعضهم البعض بأنه حب مقدس وفيه قدر كبير من الروحانية. ويعبر آخرون عن هذه الأنواع من مشاعر الحب والتعاطف والشفقة نحو الآخرين في حياتهم. والبعض يعبر عنه من خلال التمسك القيم الأخلاقية، ويتضح هذا في ثقافنا عندما نعبر عن الزواج "الميثاق الغليظ" والتعاملات "المودة والرحمة" والقيام بواجباتنا "كلكم راع" فالروحانية جزء أصيل ومتداخل مع الحياة الفردية والأسرية. فأفراد الأسرة قد يشعرون بالارتباط من خلال ما هو مقدس بالنسبة لهم في الحياة والروحانية شعور قوي يساعد كل فرد على تجاوز هم أنفسهم ومتاعبهم اليومية الصغيرة، مقارنتهم بالتوجه نحو ما هو عظيم ومقدس في الحياة.
- القدرة على التعامل مع الضغوط والأزمات Ability to cope with stress and crisis
الأسر القوية ليست محصنة ضد الضغوط والأزمات، لكنها ليست عرضة للأزمات كالأسر الهشة أو المضطربة. فالأسر القوية لديها القدرة على التعامل مع الضغوط بشكل فعال. غالبًا ما تكون الأسر القوية مبدعة في منع المشكلات قبل حدوثها. ومع ذلك فإن بعض الضغوطات في الحياة لا مفر منها. أفضل ما يمكن للأسرة القيام به هو مواجهة التحدي بأكبر قدر ممكن من الفعالية والكفاءة، وتقليل الضرر إلى أدنى حد والبحث عن أي فرص للنمو في هذه العملية.
وقام ستينت وآخرون (Stinnett, Knorr, DeFrain and Rowe 1981). بدراسة حول تعامل الأسر القوية مع الأزمات باسترجاع أكثر الأزمات التي مروا بها خلال السنوات الخمس الماضية، ذكر 23٪ من أفراد الأسرة الأقوياء في الدراسة أن مرضًا خطيرًا أو عملية جراحية هي أصعب أزمة واجهوها؛ و 21% وفاة أحد أفراد الأسرة، ثم كانت المشكلات الزوجية في المرتبة الثالثة وغالبا ما كانت المشكلات الزوجية تتعلق بالأبناء البالغين، أو الأصهار، أو الإخوة والأخوات أو الحمل غير المرغوب فيه أو الانحراف أو سوء التكيف في المدرسة. وتوصلت الدراسة إلى أن 96% من الأسر القوية نجحت في مواجهة هذه الأزمات.
ومن بين الاستراتيجيات التي تستخدمها الأسر القوية للتغلب على الأزمات:
-التكاتف معًا في مواجهة المشكلة.
- مشاركة كل فرد حتى لو كان طفلًا صغيرًا جدًا، فيكون له دور يلعبه في تخفيف أعباء الآخرين.
-إعادة تأطير الأزمة في صياغة أكثر إيجابية ويسهل التعامل معها.
- طلب المساعدة إذا لم تستطع حل المشكلات بنفسها.
وفيما يلي عرض ملخص للقوى الأسرية التي تمتاز بها بعض الأسر:
الالتزام.
التقدير والمودة.
التواصل الإيجابي.
قضاء الوقت معًا.
الرفاهية الروحية،
التعامل مع الضغوط والأزمات.
الثقة، الاهتمام والرعاية، الإفصاح عن المشاعر وقت ممتع بكمية كبيرة، الأمل، القدرة على التكيف
الأمانة، الصداقة، المجاملات، الأشياء الجيدة تأخذ وقتا، الإيمان، رؤية الأزمات على أنها تحديات وفرص
الاعتمادية، احترام الفردية، تجنب اللوم، الاستمتاع بصحبة بعضنا البعض، التعاطف، النمو من خلال الأزمات معا
الإخلاص، الدعابة، القدرة على التنازل، أوقات طيبة بسيطة، القيم الأخلاقية المشتركة، الانفتاح على التغيير
المشاركة، فكاهة الموافقة على الاختلاف، تقاسم أوقات المرح، الشعور بالاندماج مع الجنس البشري والمرونة
(DeFrain, 1999)
واقرأ أيضاً:
رسائل الله الغامضة / الأبعاد السيكولوجية لأسرة الطفل الذاتوي (التوحدي)