طلبت مني محررة "ملفات زواجية" أن أكتب عن "القوامة"، وهو موضوع جدير بالنقاش حيث يكثر فيه اللغط، وتُرتكب في حقه أحيانًا وباسمه أحيانًا أكثر انتهاكات تكاد تذهب بجوهره، بينما هو في تصوري من أهم دعائم نظام الأسرة في التصور الإسلامي إن لم يكن أهمها.
فالسكن والمودة والرحمة معانٍ توجد بين الأرحام، صحيح أنها تبلغ في الزواج درجة لا تبلغها في غيره إلا أنها تظل معاني تشمل عامة المؤمنين بشكل أو بآخر. أما "القوامة" وقوانينها فلا تكون إلا بين الرجل وزوجته، ولا تكون إلا داخل الأسرة وفي إطارها.
ومداخل اللبس والخلط في مسألة القوامة كثيرة، وأمرها متشابك ومتشعب، ونحن هنا نحاول تحليل "القوامة" بما ليست هي:
القوامة والسلطة
من الأخطاء الجذرية القاتلة رؤية القوامة على أنها "سلطة" في صيغة تنظيمها للعلاقة بين الرجل والمرأة، وعند الفكر النسوي مثلاً فإن العلاقة تدور في إطار ومفهوم السلطة، ومثلها الذين يرون في الأسرة نموذجًا مصغرًا للدولة فيها عقد مثل البيعة، وفيها شورى، وفيها صلاحيات ومسؤوليات في صناعة القرار واتخاذه، وإذا صح هذا بشأن بنية الأسرة ونمط علاقاتها فإن القوامة تصبح "سلطة"، وعندها فإن ما يحدث بعد ذلك له أساس مشروع مبدئيًا ونظريًّا.
ويبدو أن هذا الفهم هو الكامن الشائع إذ يتقمص معظم الرجال عندنا دور الحاكم المستبد على رعية مستسلمة "رغم رفضها"!! وأصبحنا في بيوتنا نعرف تجارب فيها من التسلط، والعنف، والتعذيب، و"أحيانًا" ما يشبه -وربما يفوق- ما نراه في حياتنا السياسية!! كما أصبحنا نرى أحزاب معارضة، وثورات، وحركات عصيان مدني، وازدراء للسلطات، وتحولت منازلنا إلى قصور حكم تحاك فيها الدسائس، وتدبر فيها المؤامرات، ونشهد فيها حروبًا تصطنع أعداءً، وتستأجر قتلة مأجورين، وتُسفك فيها الدماء تصفية للخلافات!! وربما ساهم في تكريس "تسييس" الأسرة حرماننا من وجود ممارسة سياسية حقيقية خارجها فمارسناها داخلها حكامًا ومحكومين، أقصد رجالاً ونساءً. ولكن هذا لا يبرر بحال هذا الفهم الخاطئ فلا الأسرة "دولة"، ولا شئونها "سياسية"، ولا "القوامة" سلطة.
فضل الرجال على النساء
الفهم الشائع والمنتشر يعتقد - ويا للمفارقة- أن البشر لا يتفاضلون بينهم بحجم ثروة، أو لون بشرة، أو شكل خلقة أو جنس، أو عرق، ولكن يتفاضلون بمحض ذكورة أو أنوثة!!
وعلى هذا الفهم المخلوط المختل نشأت أجيال وتربت على ركام مظالم من تمييز بين الذكر والأنثى في فرص التعليم، أو حرمان للبنت من نصيبها الشرعي في الميراث وزيادة الولد..
وهكذا تنشأ المرأة عندنا على أنها أدنى من غيرها؛ ليس بسبب سوء أدبها حين تُسيء الأدب، أو قلة علمها حين تركن للجهل، أو فتور عزمها عندما تستسلم للكسل، ولكن بسبب أنها خلقت أنثى تحيض وتلد، ولم تُخلق ذكرًا بشارب ولحية!! والأدلة على هذا الفضل "المزعوم" معروفة، والطريف أن ما يصلح على الدلالة على فضل الذكر يمكن أن يقابله أشياء تصلح دلالة على فضل الأنثى، ولكن المسألة مغلوطة من أساسها.
وفي مقابل نزعة تفضيل الذكور نشأت أفكار وحركات تفضيل النساء حاشدة الأدلة والبراهين على أن الأنثى هي الأصل، أو الأهم، وأنها لا تقل فضلاً بل ربما تزيد.. إلخ من الأفكار التي تستبطن أن الرجل هو الأهم، ولا يكون التحقق إلا خصمًا منه، أو نقدًا له، أو طعنًا فيه.
وظهرت أفكار حاولت أن تمسك العصا من المنتصف فتحدثت عن "الندية" بوصفها التعبير العملي عن المساواة بين الرجل والمرأة.
والمسألة كلها خاسرة من الأساس.
لا الرجال أفضل من النساء بحكم الخلقة، ولا النساء أفضل على أساس محض الجنس، ولا الندية هي الصيغة المعبرة عن المساواة "العامة" بين الرجل والمرأة، ولا هي روح العلاقة بينهما داخل الأسرة، ولا توفر المناخ المناسب لإدارة شئونها.
تفضيل الرجال على النساء بسبب محض الذكورة تعصب لا معنى له ولا سند، ورد الفعل بإبراز "أفضلية" النساء "استرجال" مضحك يؤكد مركزية الرجل بإصراره على أن ينفيها.
"والندية" جزء من منظومة الصراع والتحدي والمنافسة، وهي معانٍ وأجواء كفيلة بتدمير أية أسرة، ولا نحسب أنها مقصد الله سبحانه وتعالى للتعبير عن المساواة، وترجمة للتكافؤ.
سيطرة أم إدارة؟!
والبعض يلح على معنى "التقويم" في القوامة، والتقويم هنا بمعنى الإصلاح، ولا يكون إلا لمعوج، ورغم أن حديث خلق المرأة من ضلع أعوج قد حذر من محاولة تقويم هذا "العوج"، أو الظن أصلاً أنه عيب يستدعي الإصلاح "الحاسم"، ويستجيب له، نجد رجالاً كثيرين يجعلون من هذه المهمة هدفًا يضعونه نصب أعينهم، ويفرغون له الكثير من أوقاتهم، ومجهوداتهم.
ونرى في هذا الإطار من يُغلظ لزوجته القول، أو يُخفي عنها أموره، أو لا يراعي مشاعرها، ولا يمد لها يد عون أو ملاطفة. وبشكل عام فإن التعامل مع طبيعة المرأة "المختلفة" بأسلوب أرعن يتحول معه نمط إدارة الرجل للحياة الأسرية إلى "سيطرة"، ثم تتنوع استجابات المرأة بين رفض لهذه السيطرة يأخذ أشكالاً مختلفة، أو استسلام يكبت غيظه فيظهر عللاً في النفس أو البدن، أو محاولات بائسة لصياغة سيطرة موازية أو مضادة.
ومنظومة السيطرة هذه رهيبة وتشمل من جهة الرجل: التضييق المتعسف، والغيرة في غير شبهة، والنقد غير المبرر، وتمتد أحيانًا إلى الإهانة، وأشياء أخرى.
ومن ناحية المرأة تبدو محاولات السيطرة المضادة على الأبناء، أو على شئون البيت وأموره، نزقًا أحمقاً يتمثل نموذج الجور الواقع عليها ليحاكيه على نحوٍ ركيك فلا هو يصبح مثله، ولا هو يتسامى ليصبح أفضل. والنتيجة حلبة صراع منصوبة ليل نهار، وانحدار ما إن يبدأ حتى يتهاوى معه البيت على رؤوس ساكنيه.
الإدارة الناجحة شيء آخر غير السيطرة، والإدارة تتطلب مهارة وحنكة، وحزمًا، وحكمة، أما السيطرة فلا تتطلب إلا الشدة، والعنف وهو ما دخل في شيء إلا شانه. والظن بأن الخشونة في القول أو التصرف، أو أن الضبط عسكري النزعة في الترتيب والتصريف هو الرجولة خاطئ تمامًا.
كل هذا الخلل
من أين جاءت هذه النماذج السلوكية المنحرفة في بيوتنا رجالاً ونساءً؟! هل هذا هو ديننا وتديننا؟! لا أدري لماذا يسيطر على خاطري طيف الشيخ "محمد الغزالي" -رحمه الله- وأنا أفكر في هذا الموضوع وأكتب عنه؟!! أتذكره وهو يقف يحاول إنصاف هذا الدين من المعتدين عليه، والظالمين له من أبنائه خاصة في شأن المرأة والأسرة ويؤكد أنه لا حل إلا بعودة لحقائق هذا الهدي، لا الأساطير التي شاعت باسمه.
ولن تفلح القوانين مهما بلغت دقتها، ولا مهارة السلطات في تطبيقها بسرعة وحسم أن تحل أوضاعًا نفسية واجتماعية متراكمة تتضاعف مع فوضى عارمة تضرب في نواحي حياتنا.
والمدهش، أو إن شئت المؤلم، أنك تجد كل أطراف المأزق ظالمين، وتجدهم مظلومين في الوقت ذاته!! تجد من يُعطي ما ليس مطلوبًا منه، ويمتنع عما يجب عليه، وتجد من تصبر على ما لا يُطاق، وترفض ما كان ينبغي عليها تحمله!! وتجد شياطين أوقفوا حياتهم على تعكير الماء "إذا صفا"، وشياطين أخرى تحترف الصيد في الماء العكر يفرقون بين المرء وزوجه بالكيد والإغواء لا بالسحر وأعماله.
وتجد ألغامًا في ثوب نصائح، وتجد فتاوى تحمل البلاوي، ولا تجد ناصحًا أمينًا، ولا صديقًا معينًا إنما تجد اضطرابًا واسعًا، وخللاً عميقًا يستدعي التدخل والعلاج -بعد المراجعة- ويحتاج بشدة إلى إعادة بناء مفهوم القوامة، وهو ما سنحاوله في المرة القادمة بإذن الله
قوامة الفضل لا قوامة القهر
من أخطر ما يُبتلى به المسلمون في عصور انحطاطهم أن ينغلقوا في رؤيتهم وفهمهم للنص القرآني، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، على وجهة واحدة، ونظرة يقولون إنها الصواب الذي لا يداخله خطأ، وتعرف الأدبيات المتداولة عندئذ عناوين مثل: "القول السديد في ..."،"فصل الخطاب في..."...وهكذا.
ودون الدخول في تفاصيل الخلاف الذي نشأ بين الأصوليين منذ القديم حول: هل الحق واحد أم متعدد؟! نقول بأن النص القرآني تحديدًا يحتمل أكثر من قراءة، وتأويل.. وهو بسبب هذه الطبيعة وغيرها من خصائص الإعجاز يعد أساسًا لشريعة تصلح لكل زمان ومكان، ولن تكون كذلك إلا باجتهاد مستمر يُقلّب النظر في النصوص، ويستنبط المعاني بل والأحكام بحسب ما يسمح النص، وبحسب تغير الواقع.
وفي محاولتنا لفعل ذلك في عصرنا ينبغي أن نحافظ على أصالة الانطلاق من النص ومرجعيته، والصدور عن هذه المرجعية يختلف عند مقارنته بالصدور عن مرجعيات أخرى، ولو وصلا أحيانًا إلى نتائج متشابهة.
كما أن الاستناد إلى مرجعية النص لا ينفي وقوع الاختلاف بل هو مقدمة طبيعية له، بسبب الطبيعة التي يتصف بها القرآن من حيث احتماله لوجوه عدة في الفهم كما أسلفنا توًا.
أقول هذا لأُثبت هنا أن الرؤية التي ترى أن للرجال فضلاً على النساء بحسب أصل الخلقة هي رؤية تنطلق من النص كمرجعية، وإن كانت تقع في مجموعة من الأخطاء المنهجية وصلت بها إلى هذه النتيجة التي تُخالف روح التشريع الرباني، وطابع الممارسة النبوية، وتلك الرؤية ترتب القوامة على أساس هذه الأفضلية المزعومة، وتقرأها في ضوء معطياتها.
وأنا هنا أعلن احترامي الشديد لكون هذه الرؤية تحرص على الانطلاق من النص كمرجعية أحرص على الصدور عنها، لكنني في الوقت ذاته أعلن اختلافي الكامل مع المنهج الذي تتبعه في القراءة ومن ثم النتائج التي وصلت إليها.. وفي الإسلام وفهم القرآن متسع لرؤى مختلفة.
تعالوا نقرأ سويًا
الآيات التي تُثبت "القوامة"، وترتب درجة للرجال على النساء واضحة:
"الرجال قوامون على النساء..."
"ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ... وللرجال عليهن درجة"
وإنكار القوامة أو تمييعها من حيث أصل وجودها يبدو كمن ينكر أفضلية الأم على الأب من حيث الأحقية بحسن الصحبة والبر، ومن المتوقع أن يشكك أحد في هذه أو تلك لكنه حين يفعل يكون صادرًا عن مرجعية أخرى غير مرجعية النص القرآني، والتطبيق النبوي، وشأن المؤمنين والمؤمنات أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
لكن السؤال يبقى: ما هي القوامة! وكيف تكون؟ وهنا ستقابلنا نصوص أخرى تُضيء لنا، وتكشف التفاصيل:
"كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته" "كفى بالمرء إثمًا أن يُضيَّع من يعول" "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" هذا وغيره في معنى القوامة، أما كيفيتها فنجدها في تطبيق سيد الخلق أجمعين النبي محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". قالها وعاشها فما ضرب خادمًا، ولا سأله عن شيء فعله لمَ فعلته، أو عن شيء لم يفعله، لمَ لمْ تفعله.. فما بالك بزوجاته أمهات المؤمنين، وقد صدر عنهن أحيانًا ما يدعو إلى "التأديب" فما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلا في سبيل الله، فما بال "المتدينون الجدد" يفعلون غير ذلك، ويسيرون على غير هذا الهدي!!!!… وما بال المؤمنات يتخبطن بين تجليات "النسوية" الغربية -في الاعتقاد بأن المساواة ندية، والتكافؤ مناطحة- وامتدادات تاريخ الجدات في كتم الشكوى وممارسة النفوذ عبر مسارب أخرى!!!
القوامة والفضل
ربط القرآن بين قوامة الرجل على المرأة وبين فضل أو تفضيلٍ ما في قوله: "بما فضل الله بعضهم على بعض…" فما هي طبيعة هذا الفضل أو التفضيل؟! طبيعة هذا الفضل يشرحها ما قبلها وبعدها في نفس الآية "الرجال قوامون على النساء" و"بما أنفقوا…"
وفي رأينا ابتداءً ليس كل الذكور رجالاً، كما أنه ليس كل الإناث نساءً، فالذكورة والأنوثة شيء في الخلقة، والرجولة والانتساب إلى النساء شيء في الخُلُق، والأدلة على ذلك أكثر من أن يتسع لها المقام، وعليه فإن قوامة الرجل على المرأة لا تكون للرجل بوصفه ذكرًا على المرأة بوصفها أنثى فحسب، ولكن تكون للرجل بما يكتسبه من أخلاق، ويمارسه من أدوار على المرأة بما تكتسبه من أخلاق، وتمارسه من أدوار.
ونحسب أن الله قد خلق الذكر وفيه استعداد فطري لكي يكون رجلاً مسؤولاً ومديرًا وراعيًا، كما خلق الأنثى ولديها استعداد فطري لتكون امرأة حانية ومسؤولة وراعية، ويكتسب الرجل "القوامة" "بقيامه" على شئون أسرته من نفقة، وتدبير عيش، وإدارة شئون، وهي أهم الوظائف الاجتماعية للزوج والأب، على المرأة التي تنجب وترضع، وتحنو وترعى في قيامها بأهم وظائفها الاجتماعية.. بما لا ينفي بالطبع أن هناك أدوارًا اجتماعية أخرى "اختيارية" للرجل والمرأة خارج إطار الأسرة.
ولا نتفق مع من يقول بإسقاط القوامة عن الرجل إذا قصّرَ لأن ذلك قد يعني تكليف المرأة بواجب الإنفاق على الأسرة، وهو أمر قد تتطوع به بعض النساء حسب ظروفهن وقدرتهن، ولكنه ليس الأصل، ولا ينبغي أن يكون.
القوامة إذًا للرجل تتناسب مع أخلاقه المكتسبة، ووظائفه الحادثة، وليس مع محض أصل خلقته ذكرًا، والأسرة التي يتخلى فيها الرجل عن واجباته هي "أسرة بلا قوّام" لأن المرأة وإن قامت بدور الرجل لا يمكن أن تحل محله.
القوامة والرعاية
لا يمكن فهم "القوامة" إلا في إطار مفهوم ودور "الرعاية" و"المسؤولية" التي أرشد إليها حديث "كلكم راعٍ".
وإذا قرأنا مفهوم القوامة في إطار الرعاية والمسؤولية يتضح لنا أن القوامة أقرب إلى الإدارة والإشراف منها إلى التحكم والسيطرة، وتكون بالتالي بمثابة صلاحيات مقابل مسؤوليات رعاية وحماية وإدارة شئون الأسرة، ويكون الفضل والتفضيل هنا تكليفًا لا تشريفًا لرجل يتجاوب مع ما وضعه الله فيه من استعداد فطري، ويطور قدراته في الرعاية والإدارة من سعة في الصدر، وحزمٍ في الأمر، وقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كما لا يبتعد هذا عن الاستفادة من الشورى - وزوجته أولى الناس بالاستشارة - في بلورة رؤية اتخاذ القرار.
والحاصل الغالب غير ذلك في بيوتنا؛ حيث يغلب فشل الطرفين في فهم طبيعة وحدود أدوارهما، وإتقان القيام بها، مما يؤدي إلى انتهاك القوامة، والخلل في إدارة شئون العلاقة الزوجية، والرابطة الأسرية.
القوامة والكبير
قد يكون من المفيد أيضًا لفهم "القوامة" استدعاء مفهوم "الكبير" وهو مفهوم أصيل وهام في التراث الوجداني، والوضع الاجتماعي العربي، ورغم أن هذا المفهوم يُساء استخدامه أحيانًا - مثل أي مفهوم - إلا أنه يظل مكونًا هامًا صادرًا عن المرجعية الإسلامية، وإن اكتنفته شوائب من ممارسات الناس، ويظل مدخلاً هامًا لفهم مسألة القوامة.
*والكبير: ملجأ عند الشدة، ورأيٌ في مواجهة الأزمة، وبذلٌ عندما تشح الموارد، واطمئنان إلى جنب الله حين يفزع الناس ويقلقون.
*والكبير: حكمة وخبرة وغفران وتغاضٍ، لا حماقة وخفة ومناطحة وتقريع.
*والكبير: تورع عن الخوض في الصغائر: ثورة بسببها، أو غضبًا منها، أو حسابًا عليها.
*والكبير: تدبير وتمرير لا تدمير وتكسير، يسكت في غير عجز، ويتغاضى في غير ضعف، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، ويمنح من ذهنه، وبسط وجهه، وحسن خلقه ما لا يستطيعه محدود الأفق، أو ضيق الصدر، أو شحيح البذل، أو لئيم الطبع.
إذا أردت أن تعرف معنى الكبير، وكيف يكون… تأمل بدقة، وأعد قراءة سيرته، واعرضها على ما قلته توًا وأمثاله.. فهو العقل الكبير، والنفس الشريفة، والهمة العالية أتعب من بعده، ورحل… صلى الله عليه وسلم.
القوامة والإمارة
والقوامة إمارة لا من باب الولاية السياسية، والسلطة الاستبدادية، ولكن من باب "تفضل على من شئت تكن أميره" دون مَنٍّ أو تطاول، بل طبع مستقر وخلق دائم تصدر عنه الأفعال دون افتعال، وهي ارتفاع عن خسة طبع تقرأ: "وللرجال عليهن درجة" وتُسقط: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، تُكرر: "لو كنتُ آمرًا بشرًا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها"، وتنسى أو تتناسى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا، وأقربهم مني مجلسًا، ألطفهم بأهله".
تصرخ "واضربوهن"، وتدوس على سيرة من قال ونفذ: "لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شي إلا شانه، وإن العنف لا يكون في شيء إلا شانه، ولا ينزع من شيء إلا زانه، وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يُعطي على سواه".
هذه الإمارة تترفع وتأبى أن تستقوي على النساء، كما تأبى الفرار من الأعداء، وتتمثل إمارة المصطفى الرؤوف الرحيم، وتصغي إليه وهو يقول: "تخلقوا بأخلاق الله" لتفهم في ضوئه قوله سبحانه: "وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فيكون غفرانها حين تغفر هو غفران العزيز … الحكيم.
وبعد.. أعزنا الله - معشر الرجال- بهذه القمة السامقة لكننا نريد غير ذلك!! وأعزنا الله مؤمنين ومؤمنات بالانتساب إليه، وإلى دينه لكننا نُسيء الفهم، ونسيء العمل ثم نقول هذا هو الدين، والتدين..
ورزقنا كتابًا فيه الحكمة والهدى، وله الخلود فأبينا إلا أن نجعله حكرًا على هذا الرأي أو ذاك، واعتقدنا، بلسان الحال أو المقال أن رأينا هو فصل الخطاب، ورأي الآخرين سقيم، ناشئ عن انحراف طبع، أو عمالة لجهة أجنبية!! وبفعل أيدينا يكون شقاؤنا أكثر مما يكون بكيد أعدائنا.
وبعد … فهكذا القوامة في رأينا:
بالفضل كما شرحناه لا بالعنف كما يحدث.
وبالبذل الذي حكيناه لا بالوضع الذي يجري.
اللهم ألهمنا الرشد، وأنعم علينا بالحكمة والنضج بالفقه في الدين، واحترام المخالفين
وارحمنا أجمعين
ويتبع>>>>: الـقـوامـة في الزواج2