سمعنا كثيراً عن أُناس يؤدون فريضة الحج نيابة عن آخرين انقضت أعمارهم، وانتقلوا إلى رحمة الله عز وجل، وبهذا لا يستطيعون أن يؤدوا تلك الفريضة، كأن يحج الولد عن والده أو والدته أو جده وهكذا.
ولكننا نُعايـش هذه الأيام حالـة فريدة من نوعها؛ حيث نذر أحد الحجاج أن يؤدي فريضـة الحج عن إنسـان حي يُرزق، ولا زال قلبـه ينبض بالأمل والقوة والإيمان... ولكن ما يمنع هذا الإنسـان عن أداء هذه الفريضـة هو أنـه لا يسـتطيع التجوال إلا في محيطٍ لا يتجاوز العشـرة أمتار فقط، لذلك فقد جاز أن يحج عنـه، أو بالأحرى عنها، لأنها أسـيرة لدى الاحتلال الصهيوني، والداخل في سـجون الاحتلال الصهيوني مفقود والخارج منها مولود!!!
فالحاج هو د. أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي أبى إلا أن يضرب مثلاً رائعاً في الوفاء لقضية الأسرى، ويهدف بهذا الفعل إلى تسليط الضوء على أسيراتنا وحرائرنا في سجون الاحتلال الصهيوني، اللواتي باتت قضيتهن حبيسة الأدراج في مكاتب المؤسسات والجمعيات التي تدعي الإنسانية، فأراد أبو أكرم أن يُعيد هذه القضية إلى الأولوية في هذا المؤتمر العالمي الذي يُعقد كل عام في الديار المقدسة، ويحضره ما يزيد عن 3 ملايين مسلم من كل أنحاء العالم، لكي يقول لهم لا تنسوا أسيراتنا، حتى لو بالدعاء فهذا أقل الواجب.
والذي سيؤدي الحج عنها هي الأسيرة "أحلام التميمي" التي وضع الاحتلال الصهيوني اسمها على رأس قائمة الأسرى الذين يرفض إطلاق سراحهم ضمن صفقة (شاليط)! ولمن لا يعرف "أحلام" فهي مجاهدة أبت أن تجلس في البيت كبقية النساء، إنما عاهدت الله عز وجل على الانتقام من أبناء القردة والخنازير لتُشفي صدور قوم مؤمنين، فالتحقت بصفوف كتائب القسَّام، لتُساعد في تنفيذ عملية استشهادية هزَّت أركان الاحتلال الصهيوني، بأن حددت مكان العملية وأوصلت الاستشهادي "عز الدين المصري" بسيارته المفخخة إلى قلب مدينة القدس، لينفجر هناك مخلفاً العشرات من القتلى والجرحى، وتُعتقل "أحلام"، وتدخل موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية بأعلى حكم يُفرض على أسيرة؛ 1584 عاماً "16 مؤبد"!!! ورغم ذلك لم تنكسر أو تلن عزيمتها، بل وقفت أمام المحكمة لتقول:
"أنا لا أعترف بشـرعيـة هذه المحكمـة أو بكم، ولا أريد أن أُعرّفكم على نفسـي باسـمي أو عمري أو حُلمي، أنا أعرّفكم على نفسـي بأفعالي التي تعرفونها جيداً، في هذه المحكمـة أراكم غاضبين، وهو نفـس الغضب الذي في قلبي وقلوب الشـعب الفلسـطيني كلـه، وهو أكبر من غضبكم، وإذا قلتم أنـه لا يوجد لديّ قلبٌ أو إحسـاس، فمن إذاً عنده قلب، أنتم!؟ أين كانت قلوبكم عندما قتلتم الأطفال في جنين ورفح ورام الله والحرم الإبراهيمي، أين الإحسـاس؟؟"
"أحلام" كانت تدرس الإعلام في جامعة بير زيت بعد أن عادت من الأردن التي وُلدت وترعرت فيها، وكان حُلمها أن تُصبح صحفية لكي تتحدث عن جرائم الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبها، وتفضح تلك العصابة التي توهم العالم بأنها إنسانية، ولكن بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، تغيّرت أحلام "أحلام" وأصبح همها أن ترد الصاع صاعين لهذا المحتل الغاصب، وأرادت أن تصل بمعاناة شعبها إلى كل بيت ولكن ليس عن طريق القلم والكلمة، إنما عن طريق الدماء والأشلاء، فتحقق لها ما أرادت.
واليوم ورغم أنف الاحتلال الصهيوني وجبروته، وأسلاكه الشائكة وعزله الإنفرادي، تصل "أحلام" إلى الديار الحجازية ليس بجسدها إنما بروحها، لتطوف الكعبة، وتصعد على جبل عرفة، وتُصلي في بيت الله الحرام، وترجم إبليس، وترجم معه كل أباليس البشر الذين ركنوا إلى ملذات الدنيا، ورهنوا كرامتهم وشرف أمتهم من اجل عرض زائل ودراهم معدودة، وجلسوا يتفرجون على نساء فلسطين وهُن إما شهيدات أو جريحات أو أسيرات...!!!
بوركت خطواتك أبو أكرم وأنت تُطلق صرخة مدوية في أرض الله الحرام أمام الملايين... وإسلاماه... وامعتصماه... فهل من مجيب!؟
واقرأ أيضاً:
درّة فلسطين ياسمين شملاوي/ هذه كلمات وزفرات طفلة من الاراضى الفلسطينية