يا لغرابة ما أسمع، هكذا قلت لنفسي وأنا أسمع شكوى واحد من مرضاي، شاب من حملة الماجستير في أحد المجالات العلمية البارزة! رجل متزن ناجح في عمله ولكنه يعاني من عدم القدرة على التركيز ومن قلة الإقبال على الحياة وليس هذا هو الغريب ولكن الغريب كان أنه يرى السبب في ذلك هو ما يحدث له كثيرا أثناء نومه من الأحلام الجنسية التي يحتلم خلالها؛ وقد لاحظ أن الأعراض تزيد عليه صباح اليوم التالي لاحتلامه وبما أنه شاب غير متزوج فإن الأمر كثير الحدوث بشكل مخيف هكذا قال!
ولست مبالغا حين أقول أنني صدمت بما أسمع فهذه المرة الأولى التي يتهم فيها الاحتلام الطبيعي أثناء النوم بأنه ضار؛ فأنا وكل الأطباء النفسيين في مجتمعنا العربي تعودنا على سماع من يشكو من آثار العادة السرية السلبية على صحته العامة وعلى قدرته الجنسية فيما بعد،
ونعرف كم نجد صعوبة بالغة في إقناع المرضى بأن العادة السرية ليست كما هو شائع عنها مضرة في حد ذاتها ولكن في ظروف معينة وشروط معينة مثلها مثل الكثير من العادات ولكنها محرمة شرعا عند المسلمين اللهم إلا في ظروف معينة وبشروط معينة أما أنها تضر الجسم من الناحية الطبية فليس هناك أي أساس علمي لذلك،
وما نسيت لا أنسى فصاميا من مرضاي كان يبرر كل تدهوره في حياته بأنه مارس العادة السرية أثناء فترة المراهقة وأن أباه هو المسؤول أمام الله لأنه لم يعرفه أن العادة السرية مضرة.
أعود إلى صاحبنا الذي وصل به الأمر إلى حد توهم الضرر من الاحتلام الطبيعي أثناء نومه؛ وسألته عن معلوماته عن مكونات السائل المنوي فلم ألق لديه إجابة فشرحت له إنه باختصار شديد بروتين يسبح في سائل من سكر الفركتوز؛ وفوجئت به يتهمني بأنني أطمئنه مع أن الحقيقة ليست كذلك، وأن خروج السائل المنوي من جسمه يضعفه بالضرورة ودليله في ذلك هو حديث للرسول عليه الصلاة والسلام يقول "احفظ منيك فإنه ماء الحياة" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرحت له أن المقولة لابن سينا وليست للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وأنه إنما يقصد بالحفظ ألا يضعه المسلم في غير موضعه وكونه ماء الحياة واضح لاحتوائه على الحيوانات المنوية التي يتحد أحدها بالبويضة فتكون الخلية الأولى للكائن الحي؛ واتفقت معه بعد ذلك على أن يسترجع في ذهنه كل معلوماته الجنسية ويكتبها لكي نتناقش فيها أثناء العلاج؛
وذكرني ذلك بواحدة من مريضاتي عرفت منها بالصدفة وبعد ستة أشهر من العلاج أن سبب عدم انتظامها في الصلاة في فصل الشتاء هو أنها لا تستطيع الاغتسال كل يوم خمس أو ست مرات فلما فتحت عيني من دهشتي بدا عليها الخجل الشديد، ودمعت عيناها وهي تقول أنها لم تكن كذلك أبدا ولكنها بعد موقف لا ذنب لها فيه أصبحت تسقط أحيانا فريسة للتخيلات الجنسية والتي ينتج عنها إفرازات تحتية؛ فرحت أشرح لها ما يستوجب الغسل شرعا وما يكفي فيه الوضوء، ولكني وجدتها تقول أنها سألت أحد الشيوخ في المسجد وقد قال لها نعم إذا رأت الماء ودلل لها بحديث للرسول عليه الصلاة والسلام سألته عائشة أم المؤمنين فيه هل على المرأة من غسل إذا احتلمت فأجابها عليه الصلاة و السلام نعم إذا رأت الماء؛
أنا كطبيب أعرف أن المرأة ليس لديها ما يقابل قذف السائل المنوي في الرجل لديها نعم إفرازت من المهبل ومن عنق الرحم ومن غدة بارثولين ولكنها كلها إفرازات ناتجة عن الإثارة الجنسية وتعمل على تهيئة المهبل لعملية الجماع ولكن بكل تأكيد ليس هناك ما يقابل القذف عند الرجال وليس هناك إفراز مصاحب لذروة النشوة كما في الرجل(اللهم إلا ما اكتشفَ حديثًا جدا من قطراتٍ معدودةٍ من الإفراز لا تدري بها لا المرأةُ ولا الرجلُ نادرًا ما تخرجُ من الإحليل أو المبالِ الأنثوي Female Urethra وهيَ عبارةٌ عن إفرازاتٍ من الغدة القرب مَبَالية Parauretheral Gland وتختلطُ هذه الإفرازات بكميةٍ ضئيلةٍ من البول أيضًا، وما تزالُ الأبحاثُ في هذا الموضوع ضئيلةً جدًّا لأن معظمَ هذه الإفرازاتُ إن حدثت إنما تدخل إلى المثانة ولا تخرجُ من الفتحة الخارجية للمبال) المهم أنني لم أكن سمعت حديث الرسول عليه الصلاة والسلام قبل ذلك وقلت لها أنني سأسأل ولا أخفي عليكم ليتني ما سألت فقد فوجئت بأساتذة في كليات العلوم الإسلامية يتحدثون عن ماء المرأة كمقابل لماء الرجل بل أخذ أحدهم يشرح لي الفرق بين المائين! فهذا أبيض وذاك أصفر ولا أريد الخوض أكثر من ذلك فشيخنا قرأ عن أحد الأئمة القدامى تفسيرا محدود العلم في وقت كتابته ولكن شيخنا كالكثيرين يراه مقدسا ولا مجال فيه للنقاش وكأن التفسيرات التي أعطيت والإنسان لا يعرف شيئا عن علم التشريح أو علم الفسيولوجي لابد أن تبقى ملزمة لنا في زماننا الحالي!
المهم أنني غيرت اتجاهي في السؤال وسألت أساتذة النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر فعرفت كيف أن الأمر استرعى اهتمامهم من قبل وكيف خلصوا إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قصد شيئا آخر ولم يقصد بماء المرأة ماءً يفرز مصاحبا لذروة النشوة مقابلا لماء الرجل مثلما يصر الأشاوس من شيوخنا الفقهاء! وأن ما يستوجب الغسل في المرأة هو الوصول إلى ذروة النشوة سواء في الحلم أو في اللقاء الجنسي إن كانت متزوجة أو التقاء الختانين في حد ذاته؛ وأما ما يحدث لمريضتي تلك فلم يكن غير بعض الإفرازات المهبلية البسيطة والتي تقابل فسيولوجيا عملية الانتصاب في الرجل وربما ما نسميه المذي وهو إفراز لا لون له يحدث في الذكور ويكفي الوضوء للتطهر منه! لست أدري بالطبع كم واحدة في بلادنا تغتسل كلما أحست إحساسا جنسيا صاحبه بعض الإفرازات المهبلية وربما قابلت يوما من تستحم حتى وإن لم تر الماء لأن نظرها ضعيف وهي تريد أن تكون في الجانب الآمن!
*الحقيقة أنني بدأت أفكر في حال الناس في بلادنا وهم ينظرون إلى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة باحتقار لا أجد له مبررا، وأنا لا أذكر أنني قرأت في كتاب الله عز وجل أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى احتقار الجنس مادام في موضعه وسألت الكثيرين من الزملاء في المهنة وفي غيرها ممن لديهم ثقافة دينية ووصلت إلى نفس النتيجة إذن من أين جاء احتقار الجنس في تراثنا؟
ليس لدي من إجابة إلا أن يكون نوعا من الحيلة الدفاعية المسماة بالتكوين العكسي(أو التكوين الرديد)، ونتجت عن رغبة شديدة في الفعل الجنسي مع اضطرار لمنعه وجهل بالكثير من نواحيه وأنا هنا لا أتكلم على مستوى الفرد بل على مستوى المجتمع، وبدأت أفكر بعد ذلك في أولادي ومن أين سيتعلمون ومن سوف يعلمهم،
*أنا أحسب أن السبب الرئيسي في مشكلة كثيرين من الناس في بلادنا وفي معاناتهم هو أن الجنس كموضوع غير مصرح بالكلام فيه أصلا في مجتمعنا وبالتالي يكون كل واحد أو واحدة فكرته الخاصة والتي تنتج من مجموعة متناثرة من الإيحاءات والإيماءات يتلقاها خلال حياته من خلال حوار سمعه أو جملة قرأها أو فيلما شاهده إلى آخره ويضاف إلى ذلك بالطبع ما يقوله الشيخ أحيانا في المسجد وما يقوله المدرس في المدرسة ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أن المتلقي في كل هذه الأحوال سلبي تماما ولا يستطيع أن يسأل لأن السؤال يعتبر قلة أدب ويسبب الإحراج طبعا لمن نسأله لأنه في الغالب مثلنا لا يعرف إلا القليل!! واضح من ذلك أن النتيجة هي في معظم الأحوال فكرة مشوشة أو ناقصة وليس هناك من يصححها!
*الأمر متروك لمن إذن؟ ومتروك إلى متى؟
يوجد الآن في الكتب المدرسية في المرحلة الإعدادية شيء عن الجهاز التناسلي في الرجل والمرأة وباقتضاب شديد وأعرف من معظم من قابلت من الطلبة والطالبات أن هذا الدرس غالبا لا يشرح !!!! وإن شرح فإن الأسئلة فيه غير مستحبة لأنها قلة أدب!
مازال مجتمعنا العربي إذن يضع رأسه في الرمال كلما أحس بالخطر وما زال يزداد ضعفا في مواجهة التطور الحاصل في العالم من حوله ولست أدري من المستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه؟ وما زال يحيرني السؤال:
من أفهم الناس أن الجنس شيء محظور؟ ومن أفهمهم أن الجنس وظيفته التناسل فقط؟ ومن أفهمهم أن الدين يحظر علينا أن نتعلم الجنس؟ ثم ما هي الجهة التي تصلح لتولى مسئولية تعليم الجنس للناس؟ إن كانوا سيتعلمون؟ أم أننا سنترك الأمر كعادتنا للدش والإنترنت؟ وهل يجب علي لكي يبقى ابني مؤدبا أن أمنعه من دخول الإنترنت ناهيك عن الدش؟
الفرق كبير بين الذين يعلمون والذين يدعون أنهم يعلمون! إن ما يحدث في مجتمعنا الآن من تفسخ متتابع للقيم إنما نشأ عن عجزنا عن تطوير أفكارنا وعن تفهم قيمنا الأصيلة التي خلطناها بالكثير مما لم ينزل الله به من سلطان ثم جعلنا الكل مقدسا! لمجرد أنه مقدس وغير قابل للنقاش دون أن نفكر ودون أن نستعد لما حدث ويحدث حولنا وحسبنا أن الرمال تدفئ آذاننا وتهدهد عقولنا!
واقرأ أيضاً:
التربية الجنسية والطفولة / الجنس في حياتنا / التربية الجنسية (1) مرحلة الطفولة(1-2) / التربية الجنسية (3) مرحلة البلوغ (1-2) / التربية الجنسية (4) (ما قبل الزواج)( 1-2)