صورة الآخر في المناهج الغربية والإسلامية(1)
ولعل أكثر الأمثلة دلالة على ظاهرة الإغفال المتعمد هو إغفال المناهج الدراسية الأوربية الاعتراف بفضل الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين على النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي، ونادرا ما تذكر المناهج الدراسية الأوربية اعترافا بدين أوربا تجاه علماء المسلمين من أمثال ابن رشد وابن المقفع والخوارزمي وابن سينا وابن النفيس والذين كانوا منذ القرن التاسع الميلادي أساتذة ومعلمي أوربا بأسرها، أما بالنسبة للدراسة الثانية عن صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب فقد وجدنا أن كتب التاريخ المدرسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأوربية تهتم بالإسلام في العصر الحديث وخاصة بظاهرة الصحوة الإسلامية.
ولعل أكثر الأمثلة دلالة على ظاهرة الإغفال المتعمد هو إغفال المناهج الدراسية الأوربية الاعتراف بفضل الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين على النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي، ونادرا ما تذكر المناهج الدراسية الأوربية اعترافا بدين أوربا تجاه علماء المسلمين من أمثال ابن رشد وابن المقفع والخوارزمي وابن سينا وابن النفيس والذين كانوا منذ القرن التاسع الميلادي أساتذة ومعلمي أوربا بأسرها، أما بالنسبة للدراسة الثانية عن صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب فقد وجدنا أن كتب التاريخ المدرسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأوربية تهتم بالإسلام في العصر الحديث وخاصة بظاهرة الصحوة الإسلامية.
وقد راجعنا كتب كبرى دور النشر الفرنسية هاشيت وهاتيه وبورداس ومعظمها يتم تدريسه في فرنسا وسويسرا فوجدنا مثلا أن كتاب هاشيت Grehg Histoire De 1945 A Nos Jors، يخصص ثلاث صفحات لهذه الظاهرة، وتضمنت الصفحات شرحاً للأسس التي يرتكز عليها الدين الإسلامي وقد وجدنا فيها بعض الأخطاء على سبيل المثال فقد جاء في شرح معنى الأحاديث النبوية:"الحديث هو شروحات قام بتأليفها أساتذة القانون خلال الفترة مابين القرن السابع والقرن التاسع الميلادي (المرجع المذكور صفحة 168) وهذا الشرح يعد خطأ جسيما ويجب الإسراع باتخاذ إجراء عاجل لتصحيح هذه المعلومة المغلوطة عن حقيقة الأحاديث النبوية التي هي أقوال الرسول الكريم (ص) وليست من تأليف أحد من البشر.
وفي نفس الفصل من المرجع المذكور وصف لمراسم الحج عن المسلمين وتم شرح الهدف من تأدية فريضة الحج في ثلاثة أسطر بينما بقية الصفحة تسرد أرقام ومبالغ ضخمة تخصصها حكومة المملكة العربية السعودية لمعدات الخيام لحجاج بيت الله الحرام، جاء فيها:" وهناك طائرات نقل ضخمة تهبط في مدينة جدة، الميناء القديم على البحر الأحمر، تحمل الحجاج الذين يلجأون إلى الظل الظليل تحت خيام هائلة تستخدم كمحطة ركاب في الميناء وهذه الخيام قام بتصنيعها مهندسون وخبراء وأخصائيون مكاتبهم في نيويورك وشيكاغو، بينما تولت شركة ألمانية تركيب هذه الخيام الضخمة في بداية الثمانيات، وهذه المعدات المكيفة بالهواء قد تكلفت92 مليون دولاربالإضافة إلى650 مليون دولار لتشغيلها وهى تسع 5000 حاج في الساعة ويمكن أن يحتمي فيها 80000 ألف حاج في نفس الوقت (المرجع المذكور صفحة 267).
والمتعمق في دراسة هذه الصفحة يجد أن الهدف من وراء ذكر هذه الأرقام والمبالغ الضخمة إنما هو تصوير الحج على أنه BUSINESS أي صفقات تجارية بملايين الدولارات تقوم بها الشركات الضخمة في الولايات المتحدة وألمانيا أي أن السعودية ليست لديها التكنولوجيا اللازمة وإنما لديها ملايين الدولارات التي يستفيد منها الأمريكان والأوربيون، وإن لم تكن هذه هي النية المبيتة لدى مؤلف الكتاب فان السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو ما علاقة التكلفة وجنسية المهندسين ومقر الشركات المنتجة للخيام في الحديث عن موضوع ديني روحاني؟ ألم يكن من الأجدر الكتاب المدرسي أن يتحدث عن أهمية أداء فريضة الحج بالنسبة للمسلمين وروحانية هذه المناسك التي يتحرر خلالها المسلمون من كل القيود والأرقام والتكولوجيا والبذخ وأن الحاج يطوف ويسعى في الأماكن المقدسة عارياً إلا من إزاره حباً في الله.
وفي نفس المرجع وفي فصل آخر يحمل عنوان" هوية الإسلام في نهاية القرن العشرين" نجد صفحة مخصصة لموجه الصحوة الإسلامية خلال السنوات الأخيرة جاء فيها الآتي:" أن البلاد الإسلامية سواء كانت علمانية أو اشتراكية أو تقليدية تجتاحها اليوم موجه إسلامية، فلم يوجد أبدا قبل ذلك مثل هذه الكثافة في المساجد أو أكثر ما يثير الدهشة هو انجذاب الشباب نحو الإسلام" (المرجع ص 277) ونحن لا نرى ما يدعو إلى الدهشة في ارتياد الشباب للمساجد وانجذابهم نحو الإسلام وكان الأجدر بمؤلفي الكتاب الإشادة بهذا الاتجاه المحمود لدى الشباب من المسلمين في البلاد العربية والإسلامية وحث الشباب الأوربي على الاحتذاء به بدلا من ارتياد الملاهي ونوادي الديسكو .
وجدير بالذكر أن هذا المرجع اشتمل على صفحتين مغايرة لمفاهيمها الإسلامية الحقيقية فمصطلحات الجهاد والتطرف والأصولية والاستشهاد تستخدم كمصطلحات تحث على العنف والاعتداء والموت ولا يتم ترجمة الآيات القرآنية التي احتوت على هذه المصطلحات بالكامل بل تتم ترجمة نصف الآية التي تدعو للجهاد دون ذكر النصف الآخر الذي يذكر أسباب الجهاد وهدفه ومن المقصود به ولا يتم ذكر الآية الكريمة التي تنفي تماما تهمة العنف والإرهاب عن الإسلام ".. ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" وهذا العرض المغرض للمفاهيم الإسلامية إنما الهدف من وراءه هو الإيحاء بان الإسلام دين للدعوة للعنف والإرهاب ورفض الحداثة الأوربية والتعايش السلمي.
كما أن المرجع نشر في نفس الصفحة نص مقالة للمستشرق الفرنسي جاك بيرك مترجم القران إلى الفرنسية، والمقالة منقولة من صحيفة لوموند ديبلوماتيك بعنوان الشرق الأوسط وحرب مائة عام: الإسلامية ضد الإسلام جاء فيها كثير من الآراء السلبية مثل:" إن اختيار انتقاد الأنظمة الحاكمة والمؤسسات بأسلوب راديكالى بحت واللجوء أحيانا إلى محاولات الاغتيال.. مع رفع القرآن كشعار، ولا يعتبر ذلك لجوء إلى الروحانيات ولكن كبديل للمعايير السائدة، أو كحل ودواء سحري ضد الانحلال العام في السلوكيات وتحد للعلمانية الزاحفة مع إنكار وابتعاد عن الثقافات الغربية ".
(المرجع المذكور ص 269) وهذا التفكير يغاير الواقع لأن الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية باسم الإسلام والقران وينادون بالابتعاد عن الثقافات الغربية ليسوا إلا شرذمة من المنشقين لفظتهم الدول العربية الإسلامية وشجبت أعمالهم الإرهابية ونددت بإعمال العنف والوحشية التي ارتكبوها أساءوا بها ابلغ الإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
ولكن يبدوا أن الغربيين مازالوا متمسكين بهذه الصورة التي يروجونها عن المسلمين ويصورنهم منذ القرون الوسطي على أنهم محاربون يمسكون في أيديهم بالسيوف وبالقران ويلجئون إلى العنف والقتل والاغتيال والإرهاب ويرفعون شعارات دينية وآيات قرآنية لتحقيق أغراضهم السياسية, وفي رأينا أن هذا التفكير خاطئ ولا يليق بمؤلفي المناهج الدراسية أن يروجوه في كتب التاريخ المدرسية ليملئوا عقول التلاميذ بهذه الافتراءات على الإسلام والمسلمين.
ثانيا: صورة الآخر في كتب التاريخ في الدول العربية والإسلامية
أول ما يلاحظه المتعمق في دراسة كتب التاريخ والتربية القومية المخصصة لمدارس الدول العربية والإسلامية هو أن هذه الكتب تعرض المسيحية واليهودية طبقا للمفاهيم الإسلامية وطبقا لما جاء في القرآن الكريم وعن اليهود والنصارى بل أحيانا تذكر هذه الكتب بعض الآيات القرآنية لسرد الغزوات أو لإثبات الوقائع التاريخية.
فنجد مثلا أن العذراء مريم والسيد المسيح ومعجزاته وصعوده إلى السماء مشروحة طبقا لما جاء في القرآن الكريم، وأحيانا يتم كتابة الآيات القرآنية للاستدلال بها في تأكيد هذه المفاهيم في كتب التاريخ المدرسية، وهذا ما نأخذه على تلك الكتب لان طبيعة القرآن ككتاب وحى منزل تتعارض مع طبيعة كتابا لتاريخ لان هذه الأخير ما هو كتاب علمي وضعي يجب ألا يحتوى على وقائع تاريخية ثابتة كما رواها شهود عيان.
وما نأخذه على هذه الكتب أيضا أنها لا تذكر أبدا ولو بجملة قصيرة أن اليهود والمسيحيين لديهم وجهة نظر مختلفة عن وجهة النظر الإسلامية فيما يتعلق بتفسير دينهم، كما نلاحظ أن تلك الكتب تتبع ظاهرة التفخيم والتبجيل لكل المفاهيم والمعتقدات الغربية. وأن الأوربيين والأمريكان يعيشون في فراغ روحي وديني ومجتمعاتهم يتفشى فيها الفساد والانحلال والتفكك الأسرى والاجتماعي.
وغني عن القول أن جميع المناهج في الدول العربية والإسلامية تشيد بالحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي في بغداد ودمشق ومدن الأندلس وتفخم وتبرز مؤلفات واختراعات الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين ويتم التركيز بشدة على الفرق بين التنوير وتقدم العلوم في العصر الذهبي للإسلام مقارنة بالظلام الدامس والجهل المخجل والفقر المقدح المنتشرة في أوربا في القرون الوسطي.
وحين تتحدث كتب التاريخ عن مجد العرب والمسلمين في الأندلس تغفل تماما الحديث عن الأهالي الأصليين للأندلس، أى أن الأهالي الأسبان المسيحيون واليهود كانوا يعيشون في سلام جنبا إلى جنب مع المسلمين في المدن الأندلسية لمدة ثمانية قرون، ونستدل على ذلك بكتاب (الاجتماعيات، المملكة المغربية، السنة الخامسة الابتدائية، طبعة 2000 الرباط) حيث أفرد الكتاب صفحات للحكم الأموي في الأندلس دون ذكر كلمة واحدة عن السكان الأصليين للأندلس قبل الفتح الإسلامي.
ومما لاشك فيه أن استمرار المسلمين في الأندلس لمدة ثمانية قرون إنما هو مثال رائع للتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين الأوربيين كان يمكن أن يستغله مؤلفو المناهج الدراسية في الدول الأوربية وفي الدول العربية والإسلامية لإثبات أن الإسلام لا يتعارض مع المسيحية وأن المسلمين والأوربيين يستطيعون أن يعيشوا معا في أمن وسلام حاليا في الدول الأوربية دون صراع حضارات مثلما يدعي هنتجنتون.
كما يلاحظ أيضا أن كتب التاريخ في الدول العربية والإسلامية تحرص على إبراز وحشية الأوربيين في القرون الوسطى خاصة أثناء الحروب الصليبية وتظهرهم بمظهر المحاربين الغلاظ الذين لا يعرفون التسامح ويغلب عليهم العنف والتعصب الأعمى حتى أنهم ليقتلون الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز بين مسلمين أو يهود أو نصارى، مثلما فعلوا حين استولوا على القدس وانتزعوها من أيدي المسلمين عام 1099 دون مراعاة لحرمة الأماكن المقدسة ولا الأهالي المدنيين، بينما تفرد هذه الكتب صفحاتها للإشادة بتسامح المسلمين ودماثة خلقهم خاصة حين استعادوا القدس من الصليبيين عام 1187 بقيادة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي أصدر العفو التام على جميع أهالي القدس.
ونعطي أمثلة على ذلك مستخرجة من كتاب" الدراسات الاجتماعية: بيئات وشخصيات مصرية" للصف الخامس الابتدائي، طبعة عام2000 القاهرة، حيث جاء في الفصل الخاص بالشخصيات الإسلامية عن القائد صلاح الدين الايوبى وحروبه مع الصليبيين" قاموا الصليبيون بقتل كل سكان المدينة حتى الأطفال" (ص33) وهذه مغالطة تاريخية فلم تحدث إبادة جماعية لأهالي القدس بمعنى GENOCIDE ولكن من المعروف أن الصليبين قتلوا سبعين ألف من سكان القدس حين استولوا عليها أول مرة، والفرق شاسع بين الحقيقة التاريخية وبين الجملة المغلوطة في كتاب التاريخ المصري، كذلك ذكر الكاتب في نفس الفصل: "اقتحموا (الصلبيبون) المسجد الأقصى وذبحوا جميع من كانوا فيه" (ص33) أيضا هنا مبالغة شديدة كذلك الحال بالنسبة لوصف معركة حطين بين صلاح الدين والصليبيين:
"دارت معركة هائلة بينه وبين الصليبين في حطين.. وانتصر فيها صلاح الدين انتصاراً باهراً" (ص. 34) نلاحظ المبالغة في استخدام الأساليب الإنشائية والصفات (هائلة وباهرة) ونجد نفس المبالغة في وصف معركة عين جالوت (37) من نفس الكتاب التي بأنها انتصاراً عظيما وجاء في ص 38 لو لم توقف مصر الخطر المغولي لاختفت الحضارة الإنسانية من على وجه الأرض"
وهذه مبالغة شديدة جدا لأن المغول غزوا إيران قبل وصولهم إلى مصر ومع ذلك لم يدمروها ولم تختف الحضارة الإنسانية والحضارة الفارسية من إيران ولا تزال هذه الحضارة مزدهرة حتى يومنا هذا بالرغم من سيطرة المغول على إيران.
كذلك أغفل الكتاب المصري تماما حين تحدث عن حملة نابليون بونابرت على مصر في نهاية القرن الثامن عشر ذكر أسباب الحملة بل اكتفي بأن ذكر (أن الحملة الفرنسية على مصر فشلت) ص 9 ولم يذكر الكتاب النتائج التي خلفتها الحملة الفرنسية لصالح الحضارة المصرية الفرعونية حيث أحضر نابليون إلى مصر نخبة من العلماء الذين اهتموا بدراسة جغرافيا وتاريخ مصر وأصدروا كتابا هائلا يعرف باسم مصر ويعد هذا الكتاب حتى يومنا هذا من أعظم تلك الكتب التي تحوى معلومات جغرافية وتاريخية ممتازة عن مصر، كما أغفل كتاب التاريخ المصري ذكر ناحية إيجابية للحملة الفرنسية على مصر وهو اكتشاف الهيروغليفية بفضل العالم الفرنسي شامبليون فعرف العالم بعض أسرار الحضارة الفرعونية واستطاع أن بفك بعض رموزها الغامضة.
ونحن نتفهم أن الهدف من وراء هذا التفخيم وهذه المبالغة وهذه الأساليب الإنشائية إنما هي لإبراز مجد وعظمة الإسلام والمسلمين وإلى إحياء الشعور الديني والوطني في قلوب التلاميذ المصريين الصغار ليشعروا بالفخر والاعتزاز بعروبتهم ومصريتهم وبان مصر اضطلعت بدور هام في الدفاع عن الإسلام والعروبة عبر التاريخ وليتذكروا ماضيهم المجيد ولزرع الأمل في نفوسهم بأنهم في يوم من الأيام سيكون بإمكانهم استرجاع ذلك المجد، ولكن ما نأخذه على الكتاب المصري هو المبالغة في التفخيم وحث التلاميذ على كراهية الآخر، المسيحي الأوربي، عدو الأمس والأخذ بثأرهم منه، فالأجدر بنا أن نبدأ في تعليم أولادنا أن تدريس التاريخ إنما هو الهدف منه الاستفادة من دروس الماضي وعدم تكرار الأخطاء التاريخية وتحاشى الصدام مع الآخر والعمل على التعايش السلمي بروح من التسامح والتآخي.
أما بالنسبة للتاريخ الحديث فإن كتب التاريخ في الدول العربية والإسلامية تركز أيضا على تاريخ الاستعمار سواء الإنجليزي أو الفرنسي أو الأسباني والبرتغالي وتصور الأوربيين المستعمرين على أنهم استغلاليون، طغاة ثروات البلاد ونهبوها وأذلوا أهلها واستعبدوهم وحتى وان كانت هذه حقائق تاريخية إلا أن المعطيات الحديثة قد غيرت الأوضاع بعد انتهاء عصر الاستعمار وحصول معظم الدول العربية والإسلامية على استقلالها وحريتها، فإن العلاقات الدبلوماسية وحسن الجوار مع الدول الأخرى التي كانت في الماضي دولاً استعمارية تحتم علينا الآن أن نستخدم خطابا آخر في التعامل مع تلك الدول التي أصبحت دولاً صديقة بيننا وبينها علاقات سياسية ودبلوماسية ومصالح اقتصادية وعلينا أن نتوخى الدقة والدبلوماسية في سرد تاريخها معنا.
وليس معنى ذلك تزييف الحقائق التاريخية وتجميلها احتراماً لاتفاقيات الاستقلال والسلام، ولكن على الأقل نمحو من كتب التاريخ المدرسية التعبيرات الإنشائية الرنانة والمصطلحات المبالغ فيها والأقوال المأثورة التي تحث على الكراهية والضغينة مثل"أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق"
وقد أجرى مركز تقييم تأثير السلام منذ عام 2000 دراسات مستفيضة عن المناهج الدراسية في كل من إسرائيل والمناهج الجديدة التي وضعتها السلطة الفلسطينية وكذلك دراسة عن المناهج المصرية والمناهج الأردنية والمناهج السورية للوقوف على مدى تطبيقها لمعايير اليونسكو ومعايير المركز لإقرار تربية السلام في هذه الدول، وجاءت نتائج هذه الدراسات في غير صالح تلك الدول جميعا ولا يتسع المجال هنا لتقييم هذه النتائج فهي تحتاج لبحث آخر ودراسة أخرى ولكن ما لفت نظرنا هو الخلاصة التي توصل إليها هذا المركز في تقريره بعنوان" اليهود والصهيونية وإسرائيل في المناهج السورية"جاء فيه" أن المناهج السورية تستخدم تعبيرات سلبية للتعريف بالصهيونية وبإسرائيل فتصفها بأنها" السرطان الصهيوني" أو العدو الصهيوني والصهيونية حركة سياسية عنصرية إمبريالية، استعمارية، عدوانية، امتدادية تستخدم الدين اليهودي للتوصل إلى أهدافها لإنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين وفي البلاد المجاورة (كتاب التربية القومية الاجتماعية) (الجمهورية السورية) ( ص89) والمناهج السورية لا تخفي أن تحرير فلسطين الكامل هو تعبير مواز لتصفية إسرائيل ويتم ذكر ذلك على أنه واجب أساسي لحزب البعث الحاكم. وأن هذا العمل إنما هو عمل للتطهير، تطهير فلسطين من الصهيونية والطريقة الوحيدة لاستعادة الكرامة العربية والإسلامية، وغنى عن القول بان هذا العرض للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يندرج تحت بند تربية السلام التي تود اليونسكو والهيئات الدولية الأخرى التعايش السلمي بين شعوب هذه المنطقة.
الخلاصة:
لقد أن الأوان لتصحيح صورة الآخر أي المسلم المشوهة في المناهج الدراسية في الدول الأوربية وكذلك صورة الآخر اليهودي أو المسيحي المشوهة أيضا في كتب التاريخ المدرسية في الدول العربية والإسلامية، إن مؤلفي كتب التاريخ المدرسية والأوربيين يصدرون أحكاما خاطئة وهم يعرضون الأحداث التاريخية الخاصة بالإسلام وغالبا ما يكون شرحهم لهذه الأحداث عبارة عن أحكام تقديرية مسبقة تعكس وجهة نظرهم وموقفهم المسبق المتعنت تجاه الإسلام ومدى تحيزهم وفقدانهم لروح الموضوعية والأمانة العلمية.
أما مؤلفو كتب التاريخ في مدراس الدول العربية والإسلامية فإنهم يقدمون عرضا للثقافة وللحضارة المسيحية الأوربية مطابقاً للمفاهيم الإسلامية عن اليهود والنصارى مثلما جاء في القران، كذلك تستخدم هذه المناهج أساليب إنشائية ومصطلحات وتعبيرات فيها مبالغة شديدة وتفخيم وتعظيم الإسلام والمسلمين وتقديم صورة للمسلمين وكأنهم سادة العالم وأفضل بكثير من الأوربيين والأمريكان الذين يعيشون في فراغ روحي وتمزق أسرى واجتماعي.
الاقتراحات:
ونقدم فيما يلي بعض الاقتراحات التي قد تساعد على تصحيح صورة الآخر العدو وتقديمه على انه الآخر الصديق للقضاء على الصورة القديمة المشوهة والتي رسخت في أذهان التلاميذ الصغار سواء الأوربيين أو المسلمين منذ تواجدهم على مقاعد المدرسة الابتدائية وقراءاتهم لكتب التاريخ المدرسية وحفظ المعلومات الخاطئة المذكورة في تلك الكتب عن الآخر سواء المسلم من ناحية أو الأوروبي من ناحية أخرى، فقد تم نقش هذه الصورة المشوهة عن "الآخر" سواء المسلم من ناحية أو الأوربي من ناحية أخرى، فقد تم نقش هذه الصورة المشوهة عن الآخر في أذهانهم منذ الصغر وعلينا أن نتجنب ذلك مع الأجيال الصاعدة، ونعمل على انتشار التربية المرتكزة على روح السلام والتعايش السلمي مع الآخر وقبوله كما هو وليس كما نريد أن يكون.
1- تكثيف التعاون الوثيق من الهيئات الدولية العاملة في مجال التربية والتعليم والثقافة فنحن نؤمن إيماناً شديداً بان هذه الهيئات الدولية هي خير من يقوم بمهمة تصحيح صورة الآخر المشوهة في المناهج الدراسية في الدول الأوربية والدول العربية والإسلامية لأنها متخصصة في قضايا التربية والتعليم في العالم.
2- تشجيع مبادرة اليونسكو ومشروعها الذي يتبناه" المجلس المتوسطي لثقافة اليونسكو" والذي يحمل عنوان مراجعة المناهج الدراسية في دول البحر الأبيض المتوسط، ونحن ننادى هنا بمساندة هذا المشروع ليس فقط مساندة معنوية وايجابية ولكن مساعدة مادية أيضا لتمويل هذا المشروع ليس فقط مساندة معنوية وايجابية ولكن مساعدة مادية أيضا لتمويل هذا المشروع لتمويل هذا المشروع ولتوفير الموارد المالية اللازمة للبدء فيه وتكليف الباحثين بالتفرغ لإعداده.
3- تكثيف الاتصالات والعلاقات المتينة مع القوى السياسية وأصحاب القرار في الدول الأوربية وكذلك مع المجتمع Society Civile أي المنظمات الأهلية غير الحكومية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وذلك لحثها على تصحيح الصورة المشوهة عن الآخر في المناهج الدراسية في الدول الأوربية والمناهج الدراسية في الدول العربية والإسلامية.
ولقد أخذت منظمة اليونسكو، بالتعاون مع بعض الهيئات والمنظمات الدولية العاملة في مجال التربية والثقافة مثل معهد جورج ايكرت في مدينة براينشفيك بألمانيا وكذلك المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أيسيسكو والمجلس الأوربي، على عاتقها منذ عدة سنوات مهمة تنقية الكتب الدراسية من الشوائب والأنماط المشوهة عن الآخر خاصة في دول البحر الأبيض المتوسط، وذلك عن طريق تكليف بعض الخبراء والدارسين بإجراء دراسات عن المناهج الدراسية في تلك الدول، لذا يجب تشجيع هذه المبادرات البناءة والمساعدة في توفير الموارد المالية لها لأنها ستعود على المسلمين وعلى الأوروبيين في تلك الدول بنتائج ايجابية وتجعلهم يعيشون في مناخ أكثر ملائمة للحوار وللتعايش السلمي.
د. فوزية العشماوي أستاذة اللغة العربية – قسم الدراسات العربية والإسلامية
كلية الآداب جامعة جنيف سويسرا
اقرأ أيضاً على مجانين :
في مناهج التاريخ الأوربية.. العرب يدرسون / أوربا والإسلام في العصور الوسطي / صفحات مشرقة من التاريخ العربي
د.فوزية العشماوى
اقرأ أيضاً على مجانين :
صورة العرب والمسلمين في الكتب الدراسية في بريطانيا / صورة الإسلام في كتب التاريخ المدرسية بفرنسا / صورة الإسلام في كتب التاريخ المدرسية ببولونيا / ورة الإسلام في كتب التاريخ في مدارس إيطاليا / صورة الإسلام في الكتب المدرسية في النمسا / الثقافة الإسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية / الإسلام في المدارس السويدية / في مناهج التاريخ الأوربية.. العرب يدرسون / أوربا والإسلام في العصور الوسطي / صفحات مشرقة من التاريخ العرب