تحظي الحضارة العربية والإسلامية بصورة إيجابية في كتب التاريخ المدرسية الفرنسية، تقدم تلك الحضارة العربية والإسلامية على أنها حضارة ساطعة دامت لعدة سنوات، فهي لم تستطع فقط أن تحتفظ بالتراث الثقافي والعلمي اليوناني والفارسي وإنما قامت أيضا بتطويره، وتذكر هذه الكتب أن كثيرا من المصطلحات مأخوذة من العرب والمسلمين كالجبر، صفر، أميرال، شيك، سكر، طانبورة، زعفران... الخ
وإذا كانت صورة الحضارة إيجابية فإن صورة الإسلام تظل سلبية ففي جميع كتب التاريخ المدرسية الفرنسية، نجد أن الكثير من الأخطاء والتفسيرات سلبية مستندة بصفة خاصة على آيات قرآنية مترجمة خاطئة أو مقتضبة أو ملغاة ولكن يعتبرونها لا تزال سارية.
تقدم الكتب الدراسية الفرنسية للطالب تاريخ ظهور القرآن من خلال مجموعة من الأساطير غير منطقية مستوحاة من صور من نفس الطبيعة (كصورة النبي محمد بين أجنحة سيدنا جبريل، كتاب هاتيه للصف الخامس، عام 2001 الصفحة رقم 31).
أما عن النبي محمد فهو مقدم في تلك الكتب على أنه محارب وليس رجل سلام متناسين أن النبي وكافة المسلمين لم يلجئوا إلى الحرب إلا للدفاع عن النفس "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" سورة 2 آية 90، وهكذا يعطي الكتاب للإسلام سورة متطرفة بينما الإسلام يدين العنف ويعتبر من يقتل بشرا كأنما قتل الناس جميعا "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" سورة المائدة آية 32 .
وفيما يتعلق بالخلافة تصور الكتب أن الخليفة هو القائد السياسي والديني للمسلمين بينما نجد أن الإسلام لا يعترف بأي سلطة دينية أو وساطة بين المسلمين وبين الله عز وجل.
أما الشريعة فهي مقدمة على أن مصدرها الوحيد هو الإسلام والسنة فهي تعتبر إذن كقانون جاهلي قديم فالكتاب يتجاهلون المصادر الأخرى: كإجماع الفقهاء والقياس والاستحسان والعرف والرأي والاصطلاح في القرن الثامن الميلادي ذكر الإمام مالك أحد رواد المذاهب الفقهية الأربعة أن الآيات القرآنية والأحاديث لا تمثل سوى العشر من قواعد الفقه أما التسع الباقي فمصدره العقل والحكمة.
أما الجهاد يصورونه على أنه يعني فقط الحرب المقدسة عند المسلمين للدفاع عن الإسلام أو نشره، ويبدو أن مؤلفي هذه الكتب المدرسية قد نسوا أو تجاهلوا أن الجهاد في اللغة العربية وفي الإسلام هو في الأصل نضال داخلي ضد الذاتية بهدف أن يصبح الإنسان نافعا لوطنه الإسلامي أو غير الإسلامي بالإضافة إلى ذلك تحرم الآيات القرآنية العنف وتحلل الدفاع ضد المعتدين بصفة فردية أو على مستوى المجتمع وذلك باستخدام الوسائل الملائمة "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" سورة 2 آية 190
تقدم المناهج الدراسية آيات قرآنية محرفة أو آيات مرتبطة تحديدا بالقرن السابع في هذا الإطار يذكر الكتاب المدرسي – طبعة ناتون الثانية – لعدد 2001 ص 86 الآية القرآنية التالية (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، لم يذكر المؤلف أن الآية القرآنية السابقة موجهة بصفة خاصة إلى كفار مكة الذين كانوا يعتدون على المسلمون ولم يذكر أنها تتعلق أيضا بيهود المدينة الذين نقضوا عهدهم مع المسلمين في غزوة الأحزاب في القرن السابع....
هذه الآية وغيرها من الآيات المشابهة لا تنطبق على غير المؤمنين اليهود أو المسيحيين الموجودين في عصرنا هذا يجب أن نذكر أيضا أن المسلمون لا يعرفون الحرب المقدسة وهو المصلح الذي درج المسيحيون على استخدامه أثناء الحروب الصليبية فالكتب المدرسية تعرف الجهاد بشكل خاطئ على أنه الحرب المقدسة .
ويساعدنا التعريف العربي لكلمة إسلام على فهم معناه الصحيح يرجع أصل كلمة إسلام إلى الجذور العربية السامية – سلم – والتي تعني بكل اللغات السامية سلام وأمن أيضا كلمة سلام هو اسم من أسماء الله الحسنى كما أن الليلة التي نزلت فيها الآيات القرآنية تعرف في القرآن بليلة السلام "سلام هي حتى مطلع الفجر" سورة 97 آية 5، هذا بالإضافة إلى أن أحد مسميات الجنة هي "دار السلام" ويوضح الإسلام أن مبدأ العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين يستند على السلام وليس على الحرب كما يحرم القرآن العنف خاصة فيما يتعلق بالدين "لا إكراه في الدين" سورة 2 آية 256 .
أما وضع المرأة فيصوره أيضا بطريقة سلبية إذ يستند الكتاب على الآية القرآنية الخاصة بالميراث "وللذكر مثل حظ الأنثيين" سورة رقم 4 آية 3 دون الأخذ في الاعتبار وضع المرأة قبل ظهور الإسلام إذ لم يكن للإناث أي حق في الحصول على الميراث وكان الأب له الحق في بيع بناته أو قتلهن أو يزوجهن رغما عنهن، إذن الإسلام هو الذي حرر المرأة بمنحها حقوق مثل ما فرض عليها واجبات" سورة 2 228
كذلك مصطلح تعدد الزوجات فهو أيضا يفسر بطريقة خاطئة فالكتب تعرض آية قرآنية مقتضبة ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء:3)
كل كلمة في هذه الآية تحمل شرطا فمصطلح العدل (هو أحد أسماء الله الحسنى) تكرر ثلاث مرات والحديث عن الأيتام يشير إلى المناخ الاجتماعي الذي نزلت فيه الآية فبعد معركة اليهود ترملت أكثر من 10 % من المسلمات وأصبحن بأبنائهن دون مصدر رزق وهكذا نجد أن الكتب المدرسية تتعرض لجزء من الآية وليس الآية كاملة إذ تتجاهل الظروف التاريخية والجغرافية والاجتماعية والثقافية والدينية التي نزلت فيها الآية كما قاموا بحذف كل تعليق عن وضع المرأة قبل وبعد الإسلام.
إن الإسلام نفسه وبالتالي النبي محمد والقانون والسلطة ووضع المرأة وغيرها من المبادئ الأساسية الخاصة بالحضارة العربية والإسلامية لا تزال تفسر في الكتب المدرسية الحالية بطريقة خاطئة وسلبية لذا أصبح هناك حاجة ملحة لتصحيح تلك الأخطاء في إطار من الاحترام المتبادل والحوار المشترك من أجل تصحيح هذا المفهوم والفكر الخاطئ الذي يخرج به الطلاب الفرنسيون، ويسيء إلى الطلاب العرب والمسلمين المهاجرين.
بقلم الدكتور/ مصطفى الحلوجي
أستاذ بكلية الألسن والترجمة – جامعة الأزهر
اقرأ أيضاً على مجانين:
الثقافة الإسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية/ الإسلام في المدارس السويدية/ في مناهج التاريخ الأوربية.. العرب يدرسون/ أوربا والإسلام في العصور الوسطى/ صفحات مشرقة من التاريخ العرب