تقديم
إن الحمد لله نستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. أما بعد،
إن أخطر العقود التي عرفتها البشرية منذ عرفت العلاقات بين جميع الجماعات والأفراد هو عقد الزواج، الأمر الذي جعل هذا العقد يحاط منذ نشأته بالقدسية والإجلال والتقدير، وذلك للآثار الجليلة التي تترتب على هذا العقد ولضرورته للنفس البشرية.
وصدق الله حيث قال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)
وقد وردت الآية في سياق تعداد قدرة الله ونعمته ورحمته بالخلق، وذلك أنه – وهو يعلم من خلق– فطر الإنسان على غرائز وطبائع لا يستغني فيها عن الألف جسدياً ونفسياً ثم أنه تعالى قد حد حدوداً وشرائع حرم فيها بصورة قاطعة تحقيق الائتلاف المطلوب إلا في نطاق ما شرع، فكان من الضروري أن يوجد وسيلة متيسرة لخلقه يحققون فيها متطلباتهم النفسية والجسدية التي فطرهم عليها، وإلا أوقعهم ذلك في عنت لا يقدرون على دفعه إلا بالمعصية.
ومن هنا شرع الزواج ليحقق للإنسان ثلاثة أهداف لا غنى له عنها:
إرضاء الغريزة الفطرية، والحصول على الولد على نحو مشروع، والأنس النفسي إلى الألفة والسكن إليه والتعاون على شدائد الحياة وأحداثها وصروفها.
ولذلك ضمت المكتبة الإسلامية العديد من المراجع والمصادر القيمة في هذا الصدد، وأيضا المكتبة القانونية والتي تناولنا، بإسهاب عقد الزواج من النواحي الشرعية والقانونية والاجتماعية وخاصة بعد صدور القانون رقم 49 لسنة 1977 الذي ألغيَ بعد ذلك بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية، وحل محله القانون رقم 100 لسنة 1985، المعدل للقانون رقم 25 لسنة 1929 بتقرير بعض أحكام الأحوال الشخصية، وهذا القانون الجديد قد عدل وغير كثيرا من المراكز داخل نطاق وحدود الأسرة المصرية المسلمة، وذلك بأن وضع الرجل في المركز الضعيف في العلاقة الزوجية ومنح كثيرا من المزايا للمرأة المسلمة مما جعل الخلافات الزوجية تستعر وتشتد، الأمر الذي زادت معه نسبة الطلاق.
ولم يكن ازدياد حالات الطلاق هو الأثر الوحيد الذي ترتب على صدور القانون الجديد للأحوال الشخصية، بل أيضا ضعفت نسبة الإقبال على الزواج في الفترات الأخيرة واتجه البعض إلى الزواج العرفي، وذلك للتهرب من القيود التي تم فرضها على المتزوج رسميا.
ولاشك أن موضوع (الزواج العرفي) يعد من أخطر موضوعات الأسرة والزواج على الإطلاق في الوقت الحاضر، وخاصة أن تلك الظاهرة قد زادت وانتشرت في الآونة الأخيرة، الأمر الذي تحتاج معه إلى دراسات مكثفة في هذا الشأن. ولذلك تناولت موضوع الزواج العرفي تناولاً موجزاً مختصرا من النواحي الشرعية والقانونية والاجتماعية بغرض بيان حكم الشرع فيه.
0ولعل الصعوبة التي واجهتني هي ندرة المراجع التي عالجت هذا الموضوع وخاصة من أهل الشريعة الإسلامية ولم أعثر إلا على نبذة صغيرة في فتاوى الشيخ شلتوت وفتوى لجنة الإفتاء بالأزهر، وبعض المقالات في مجلة نصف الدنيا وحواء وبعض المقالات التي نشرت في الأهرام عن ظاهرة زواج الكهول العرب من المصريات القاصرات. وأيضا ذهبت للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فكان نفس الجواب عندهم إحصائيات للزواج الرسمي فقط.
ولكنني في معرض الكتاب هذا العام ولله الحمد والمنة والفضل عثرت على كتابين في هذا الموضوع:
الأول: كتاب الزواج العرفي من النواحي القانونية والشرعية والاجتماعية للأستاذ:حامد الشريف المحامي، رئيس محكمة سابقاً (6)
والثاني: كتاب أحكام الزواج العرفي للمسلمين وغير المسلمين من الناحية الشرعية و القانونية (7) للأستاذ يوسف إبراهيم المحامي
وقد استفدت من هذين الكتابين استفادة عظيمة وإن كانت لغتهما قانونية جافة. وبعد:
فهذا جهد المقل فإن أصبت فمن الله وإن أخفقت فمن نفسي. وأسأل الله العظيم أن يغفر لي تقصيري، إنه نعم المولى ونعم النصير.
تعريف الزواج العرفي وشروطه وآثاره
العرفي:مأخوذ من عرف وعرف تدل على معنيين أحدهما: تتابع الشيء متصلا بعضه ببعض والآخر السكون والطمأنينة، وقال ابن منظور العرف: ضد النكران/ وهو كل ما تعرفه من الخير وقد وردت في القرآن (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف 199قال الزمخشري: هو الجميل المعروف من الأفعال.
معنى العرف اصطلاحاً: العرف والعادة وما استقر في النفوس من هذه جهة العقول، والزواج العرفي: كلمة مكونة من شقين الزواج، العرفي: نسبة للعرف.
الزواج هو الذي يعرفه الفقهاء بأنه عقد يفيد حل استمتاع كلا العاقدين بالآخر على الوجه المشروع.
وبالنظر للتعريف السابق فنجد أنه لم يفرق بين ما إذا كان الزواج موثقاً أو غير موثق رسميا أو عرفياً مكتوباً أو غير مكتوب فتلك ليست فروقا في تعريف الزواج لأن الفقهاء قد اتفقوا على أنه لا فرق في التعريف بين الزواج العرفي والزواج الموثق وخاصة من النواحي الشرعية، وذلك لأن الزواج هو عقد رضائي وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها توثيق، فالتوثيق غير لازم لشرعية الزواج آو بصحته آو نفاذه أو للزومه وفي القانون لم يشترط لصحة الزواج سوى الإشهار والإشهار فقط ولكن لم يستلزم التوثيق لذلك بل اشترطه في حالة الإنكار فقط والزواج العرفي في الاصطلاح الحديث:
يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية سواء أكان مكتوباً أم غير مكتوب، عكس ما كان هذا المصطلح ينطبق على الزواج الرسمي قديماً.
المراجع:
1- ذكر لي مرة الدكتور، صلاح سلطان أن نسبته وصلت إلى17% في المجتمع المصري، وخاصة بين طلبة الجامعة بعضهم البعض، ودلني على المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لمعرفة الإحصائية الصحيحة لذلك، فذهبت ولكني لم أجد أي إحصائية في ذلك الموضوع لأنه زواج سري في أغلب حالاته، ولذلك لا يمكن حصر حالاته.
2- هناك برنامج يذاع في الإذاعة المصرية (اعترافات ليلية) يعترف فيه المستمع دون ذكر اسمه، وفي هذا البرنامج سمعت كثيرا من الشباب يعترفون بأنهم متزوجون عرفياً ليس بواحدة بل بعديدات أيضا!!.
3- مجلد الفتاوى الخاص بالأزهر صـ 268 فتوى رقم 13
4- انظر الأهرام عدد الجمعة 4 أبريل ص 20 الجريدة في الملحق هدية.
5- انظر الفتاوى للإمام الأكبر محمود شلتوت – طبعة 12 – 1403 ه دار الشروق / صـ268
6- الزواج العرفي: طبع دار المطبوعات الجامعية – الإسكندرية لسنة 1992.
7- أحكام الزواج العرفي: طبع دار المطبوعات الجامعية – الإسكندرية لسنة 1995.
8- سورة الأعراف: 199.
9- انظر القاموس المحيط، لبيان العرب، مختار الصحاح، ما هم مقاييس الله
ويتبع: .......... عوامل انتشار الزواج العرفي
اقرأ ايضاً على مجانين :
محكمة الأسرة وروح القانون / نفسية المصريين : الزواج :أهم الاحتياجات العاطفية / الأبعاد النفسية للزواج ومشاكله في مصر / سر الخلافات الزوجية المتكررة