أسهل ما يمكن أن يفعله إنسان هو الفشل؛ فعليه في هذه الحالة ألا يفعل شيئا!! وتقريبا نحن نميل إلى فعل ذلك حين نصادف الخطأ، وحين نجتهد نكتفي بوصف فاعله إما بالشرير أو الغبي، بينما الأوفق أن نحاول فهم العلاقة بين تفكير الإنسان وسلوكه من ناحية، والظروف المحيطة به من ناحية أخرى. ولوم المخطئ فعل عقيم لا يصل إلى شيء تقريبا، بينما الفهم والتفسير قد يصل بنا إلى خلفيات الخطأ، وبالتالي محاولة علاج أسبابه.
وفي هذا الإطار نتناول قضية الخيانة الإلكترونية، والفاعل هنا هي المرأة المتزوجة.
الخيانة تاريخيًا
أتحدث عن الخيانة هنا بمعنى إقامة علاقة خارج إطار الزواج، وقد "كانت" فرصة الرجل أوسع لإقامة علاقات متعددة بحكم دوائر حركته المتنوعة، وكانت فرصة المرأة بالخيانة تقتصر غالبا على الدائرة الاجتماعية المحيطة بها (الأقارب، والزملاء، وأصدقاء الأسرة، والجيران... وهكذا).
حاليا اختلف الأمر تماما؛ حيث اتسعت أيضا دوائر حركة الزوجة ومساحات تعاملها مع الرجال، واتصالها بالعالم عبر الوسائط الإلكترونية؛ من هواتف وإنترنت، كما تضخمت مساحة الخصوصية والسرية، وأدوات بناء صورة للذات هي أبهى من الصورة الواقعية، وأشد جذبا وتأثيرًا، وأصبحت الزوجة تملك الفرصة -إذا امتلكت الأدوات- في أن تقيم علاقة أو أكثر خارج إطار الزواج، وتتنوع صور هذه العلاقات بحسب رغبتها، وبقدر وازع ضميرها، وبقدر علمها بعواقب ما تفعله في الدنيا والآخرة، وبحجم ما تستشعر هي الحاجة إلى مثل هذه العلاقات الإلكترونية كما سنشرح توًا.
أقول: التحديات التي تواجه أمتنا فرادى وجماعات تحتاج منا إلى استنهاض الهمم، وفتح الحوارات العميقة والمستمرة لنصل إلى تكوين مواقف، وبناء قناعات، ووضع برامج وقائية وعلاجية نحن في أمسّ الحاجة إليها على كل المستويات، وأرى أن الحوار حول هذا كله لم يأخذ حظه من الجدية والإصرار والمكاشفة.
ولقد حاولنا -وما زلنا نحاول- الوصول إلى رصد وتفسير لمثل هذه الظواهر المجهولة من خلال رسائل ومشكلات القراء على صفحة مشاكل وحلول للشباب وردودنا عليها، كما حاولنا هذا عبر بعض التحقيقات الميدانية على "حواء وآدم"، وما زلنا نطمح إلى المزيد من الكشف والرصد والتحليل والتشخيص والتعميق في الفهم والعلاج.
دوافع وأنماط نفسية
تتعدد الدوافع والأنماط النفسية والذهنية وراء الخيانة الإلكترونية حين تقع من زوجة ما:
سنجد مثلا: الهروب، والهاربة من شيء ما.. أو عدة أشياء: إحباطات الحياة، وإحباطات الزواج من فشل عاطفي أو ضغوط في المنزل أو العمل أو الملل من هذا أو ذاك، والفراغ والفتور، وغياب الأنشطة المشبعة للعواطف، وتكون الخيانة هنا لمحاولة تعويض النقص أو الخلل، وعادة ما تبرر الخائنة (الهاربة) لنفسها، وأحيانا تكون المبررات حقيقية، وبعضها غير دقيق ولا عادل، لكنها محاولة لتبرئة الذات، أو إلقاء التبعة على الغير!!.
ولتسكين صوت الضمير فإن تسمية هذه العلاقات بأسماء مثل: الصداقة أو التعارف تأتي لتمرير خطوات ووقائع إقامة العلاقات خارج إطار الزواج، وغالبا ما تتمسك الخائنة الهاربة بعلاقة الزواج؛ فهي تريد الاحتفاظ بكل الأشكال، متصورة أن هذا ممكن.
نمط الخائنة الجاهلة شائع أيضًا، وفيه نجد أن الخائنة تبدو قاصرة في معرفتها بطبيعة الإنترنت، وما يمكن أن يصاحب استخدامها من انزلاق ومخاطرة، وهي في جهلها أو بسببه تتخبط، وأحيانًا ما تجد نفسها متورطة ولا تستطيع، وربما لا تريد التراجع.
والجاهلة جريئة مثل أي أحمق، وتعتقد أنها قادرة على السيطرة والتحكم في أدوات الاتصال وحجمه وأبعاده وإيقاع تصاعده، وكل هذه أوهام تنكشف لها إذا صدقت مع نفسها، أو اصطدمت بحجر عثرة كبيرة أو عرف زوجها بأمرها.
والجهل بالإنترنت مثلا شائع بيننا كأفراد وجماعات؛ فالأداة لم تزل جديدة على الجميع، ونحن لا يرشدنا أحد إلى فهم ومعرفة أبعاد هذا العالم الجديد والفريد، ولا يبدو هذا الوضع مرشحا للتغيير في ظل غياب المعلومات والحوارات الجادة حوله.
الانتقام والمنتقمة.. دافع ونمط ثالث، وفيه تخون المرأة ردًا على ما يفعله زوجها بها من إهمال وفتور، أو ردًا على علاقاته التي يقيمها وتعلم هي بها أو تتوقعها!!. وهي تتغافل أن خيانتها هي انتقام أو إضرار بنفسها قبل كل شيء، وأنها وهي تقيم علاقة بآخر إنما تخون نفسها، وتهين كرامتها، وهي غالبا ما تكون من نوعية الشخصيات العاجزة عن المواجهة، أو فشلت في إنجاز الحصول على احترام زوجها ومحبته واهتمامه، ويئست من المحاولات معه فقررت أن تنتقم على هذا النحو البائس.
والمنتقمة فاقدة للتمييز غالبا بين الصواب والخطأ، أو هي تدرك الحدود بين هذا وذاك، ولكنها تندفع للوقوع في الخطأ -متعمدة أحيانا- لتثبت لنفسها أنها ليست أقل من الرجل/ زوجها؛ فهو يتصل، ويقيم علاقات، ويضعها في الهامش، وهي أيضًا تفعل!!.
الرغبة والراغبة.. نمط ودافع وراء الخيانة التي تسعى إلى إشباع دافع جنسي أو عاطفي غير مشبع، وقد تكون الحاجة المطلوبة مادية، وقد تكون معنوية، وقد تكون خليطا من هذا وذاك، ويكون استمرار الخيانة هنا مشروطا بتحقق أو إشباع الرغبة أو الأمل فيه.
أما اختيار الطرف الآخر فيخضع عادة إلى التدقيق الذي يقصد منه الانتقاء بغرض عدم تبديد الوقت فيما لا يعود بالنفع أو بإشباع المطلوب إشباعه.
وربما تكون العلاقة واحدة، وربما تتعدد العلاقات والخيانات بحسب عوامل متنوعة، وبحسب اختلاف الحاجات.
وقد يكون المحرك الأساسي للخيانة هو الانحراف النفسي الموجود في شخصية الزوجة بسبب خلل في النشأة الأسرية، أو انحراف أو اضطراب المزاج، أو بعض الأمراض النفسجنسية مثل: "الغلمة النسائية"، أو "إدمان الجنس".
وأنا قرأت بعض الحالات الواردة إلى أبواب البريد في بعض الجرائد العربية، وأستطيع الجزم أن السبب وراءها هو مرض نفسي، وليس مجرد انحلال أخلاقي، ولكن هذا يحتاج إلى تمييز وتشخيص من متخصص، وغالبا ما يقترن هذا النمط من الخيانة الإلكترونية بإقامة أو تطوير العلاقة لتصبح واقعية، ولا تكتفي صاحبتها عندئذ بمجرد الشات وتبادل الرسائل الإلكترونية والصور، وعلاج هذه الحالات من أصعب ما يكون، ولكنه ليس مستحيلا.
وأخيرًا فإن مجرد المغامرة وحب الاستطلاع يمكن أن تكون هي الدوافع الأساسية التي توصل إلى الخيانة الإلكترونية، وفي هذه الحالة غالبا ما تقتصر العلاقة على مساحة الفضاء الافتراضي دون تطويره إلى علاقة حقيقية، وغالبا ما تتعدد العلاقات هنا، ويتم تغيير صورة الذات بحيث تأخذ أشكالا متنوعة؛
فمرة تقيم الزوجة علاقة بوصفها امرأة في الأربعينيات، ومرة تقيم علاقة بوصفها شابا في العشرينيات، وقد تقيم علاقات شاذة، واضعة لنفسها صورة رجل لوطي أو فتاة سحاقية، وأحيانا تتقمص المرأة شخصية فتيات في عمر أصغر.
والهدف من المغامرة غالبا ما يكون تبديد الوقت أو كسر الملل أو اللعب الذي يشبه ألعاب الديجيتال التي ينكب عليها الأطفال بالساعات بين الواقع والخيال الافتراضي.
بهدف الفهم
هذا التفصيل السابق هو محاولة للتصنيف والتقسيم لغرض البحث والتحليل. أما الواقع فيدلنا على أن الدوافع والأنماط غالبا ما تتداخل في الحالة الواحدة، ولدينا على مستوى الواقع ما نراه من نوع يبحث عن علاقة ليقيمها بهدف أو أكثر بشيء من الإصرار والترصد منذ البداية؛ فالهدف واضح ومحدد، والسعي مساره معروف، والتصعيد محسوب غالبا، وهناك نوع من النساء يتورطن خطوة خطوة، حاملات خليطا من الجهل والهواجس والرغبات والكوابح والتفاعلات والتناقضات النفسية، ويظهر هذا في التردد والتذبذب في محاولة التصعيد ثم التراجع ثم العودة إلى التصعيد... وهكذا.
وهناك خائنات الصدفة، وهو نوع تتصاعد فيه خطوات الخيانة بشكل متسارع لتقلب المرأة وحياتها رأسًا على عقب في زمن قياسي.
وهناك العشرات من الحكايات عن خيانات الديجيتال وخائناته، ولأن الهدف من هذا المقال ليس تسليتكم بتلك الحكايات، ولا إثارة فزعكم بذكر أمثلة على فساد الزمان والأمة؛ بل إثارة التفكير وفتح باب الحوار فإنني أكتفي بالتحليل، ووضع الروابط، وأعدكم كالعادة بالتفاعل والتعميق أكثر إذا تفاعلتم وشاركتم بخبراتكم وآرائكم، والله من وراء القصد.
للحديث بقية.......... هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي ؟!!
اقرأ أيضا:
على باب الله:في الخيانة / الدردشة الالكترونية وحوار الأعماق