غادر مايك هاويس كامبريدج في انجلترا لمتابعة دراسته الجامعية في اسكتلندا مفعما بالحماسة لبدء حياة مستقلة. لكن جميع الحفلات والمخدرات في الجامعة فاقت قدرته على التحمل.
وبعد سنة عاد للعيش في المنزل والديه. وقد حاول العودة إلى الجامعة بعد بضع سنوات، لكنه اضطر إلى مغادرتها من جديد. كانت تراود هايس (ليس اسمه الحقيقي) أصوات وتشويش في الرأس وكان يمضى فترات طويلة من دون نوم أو طعام يقول في إحدى المراحل، ظننت أنني أستطيع إنقاذ العالم إن لم آكل أو أغتسل. كان لدي معتقدات غير واقعية.
أدخل هاريس إلى المستشفى مرات عدة وخضع لعلاج نفسي، لكن ما انتشله أخيرا عن شفير انفصام الشخصية هو مزيج من العلاج النفسي الجماعي والفردي والعائلي المكثف، والمساعدة لتنمية مهارته الاجتماعية. في ينغ بيبولز سيرفيس.وهي عيادة طب نفسي في كامبريدج، يتسوق المرض ويطبخون ويأكلون معا، ويساعد أحدهم الآخر على التكلم عن رهابه.
منذ وقت ليس ببعيد، كان انفصام الشخصية Schizophrenia يعتبر مرضا عضالا يلازم المريض مدى الحياة ويسببه تضافر مجموعة مشئومة من الجينات. وكان محكوما على الذين يعانون هذا المرض إمضاء حياتهم في تناول العقاقير.
والآن بدأ العلماء يكشفون أدلة تشير إلى أن العوامل البيئية تؤثر إلى حد كبير على العلاج.فالأطباء يعتقدون الآن أن المعالجة النفسية والعمل الاجتماعي هما العلاج المفضل لمعظم المصابين بانفصام الشخصية.يقول الطبيب النفسي دوغلاس توركينغتون من جامعة نيوكاسل:يجب أن يخضع المرضى للعلاج النفسي كي يتحسنوا. فالأدوية وحدها لن تنفعهم.
وتشير دراسة نشرتهما الشهر الماضي مجلة أكتا سياكياتريكا سكاندينافيكا، وهي أكثر الدراسات الحاسمة المتعلقة بانفصام الشخصية حتى الآن إلى أن الصدمات النفسية أو سوء المعاملة في مرحلة الطفولة هما عاملان يساعدان على نشوء المرض.
وفي حين أن انفصام الشخصية هو نتاج تفاعل معقد بين مجموعة من العوامل البيئية الجينات لا تسبب المرض، بل تحدد الأشخاص الذين قد يتأثرون بالعوامل التي تحيط بهم ،كما تقول الدكتورة مارى كلارك،وهى باحثة نفسية في كلية الملكية للجرحين في ايرلندا.
وقد تبين في مراجعة ل46 دراسة تناولت مصابين بانفصام الشخصية أجراها الطبيب النفسي جون ريد من الجامعة أوكلاند أن59 بالمائة من المرضى الذكور و69 بالمائة من الإناث تعرضوا في طفولتهم لاعتداءات جسدية أو جنسية. وفي دراسة منفصلة تضمنت الإهمال الجسدي والإساءة الجسدية أو النفسية، ارتفعت النسبة إلى 85 بالمائة لدى الرجال و1.. بالمائة لدى النساء.
يقول ري:في كل أنحاء العالم ملايين الأشخاص الذين يخفى تشخيص مرضهم الأسباب الاجتماعية الفعلية، وبالتالي يمنعهم من الحصول على مساعدة أكثر فعالية ورحمة.
وقد غيرت التأثيرات التراكمية لهذا الأبحاث أراء كبار الأطباء النفسيين. في المؤتمر السنوي الذي عقدته جمعية الطب النفسي الأمريكية في شهر أغسطس، قال رئيس الجمعية، ستيفن اس شارفستين ،أن مبيعات الأدوية المضادة للذهان تدر الآن 6.5 بليون دولار سنويا، وعبر عن قلقه إزاء الإفراط في معالجة الاضطرابات الذهانية بالأدوية
ويقول: في مهنتنا، سمحنا للنموذج النفسي الاجتماعي البيولوجي .في أن يصبح النموذج البيولوجي.في زمن الضيق الاقتصادي هذا، أصبحت حبة دواء وموعد عند الطبيب العلاج المفضل.
وتظهر نتائج الأبحاث أن علاج أول مؤشرات انفصام الشخصية قد تنقذ المرضى من اعتمادهم مدى الحياة على أدوية موهنة. في الوقع، فإن الانهيار العقلي –الذى يتميز عادة بتفكير مشوش وأوهام وهلوسات-في أواخر مرحلة المرهقة أو أوائل العشرينات يمكن أن يشكل فرصة للتدخل والحد من تقدم المرض .
يقول الطبيب النفسيين في كامبريدج : أن عملنا على ذلك بالشكل الملائم ،فقد يكون ذلك إنجازا مهما .إذا ساعدنا الناس في تلك المرحلة ،فسيبدءون بفهم معاناتهم. وإن لم يحظوا بالمساعدة، فمن المحتمل أن يبقوا مرضى نفسيين طوال حياتهم.
هذه الاكتشافات لا تنفى وجود عوامل جينية تساهم إلى حد كبير في الإصابة بانفصام الشخصية، ويعتقد العلماء أن سلاسل من مئات الجينات غير فعالة من دون العوامل المحيطة، كما يقول الدكتور / ديفيد تايلور، المدير الطبي في عيادة تاقيستوك وبورتمان في لندن هاريس على سبيل المثال، يقول أنه كان يميل أصلا إلى الاكتئاب لكن نتائج العلاج تؤكد أن العوامل المحيطة تلعب الدور الأكبر قليلة هي الجينات التي ثبت أن لها تأثيراً مباشراً على الصحة العقلية.
يقول الطبيب النفسي إى فولر تورى مؤلف كتاب بعنوان : Beasts of the Earth animals humans diseases (وحوش الأرض الحيوانات والبشر والأمراض) : قبل 2. عاماً كان باحثو انفصام الشخصية يقولون حالما يتم فهم المجين البشري ستنتهي مهمتنا وتبين في النهاية أن جينتين أو ثلاثاً تساهم في ذلك، من الواضح أن الأمر غير صحيح .
هذا التغير في التفكير يتعارض بشكل مباشر مع أولويات خدمات الصحة العامة تقول جمعية الطب البريطانية أن ثلث فرق الطب النفسي في البلاد تنوى تخفيف أعمالها، بما في ذلك إقفال عيادات متخصصة في اوكسفورد شاير وكامبريا وكذلك ينغ بيبولز سرفيس في كامبريدح المقرر إقفالها في يناير (تقول وزارة الصحة أن فرق تدخل تضم ممرضين نفسيين واختصاصيين اجتماعيين ستملأ هذه الثغرة).
وتبين في دراسة حديثة لإرشادات علاج انفصام الشخصية في مختلف أنحاء العالم نشرت في مجل الطب النفسي البريطانية أن جميع البلدان توصى باستعمال الأدوية لكن الإرشادات حول هاريس الذي أصبح في 35 من عمره الآن لديه صديقة ويعمل في مجال التعليم " لا يمكنني التعبير عن مدى أهمية هذا النوع من العلاجات لقد منحنى الوسائل المناسبة كي أعيش حياتي.
غالبا ما يصاب الشبان بانفصام الشخصية عندما يكونون على وشك البدء بحياة مستقلة غير أن التركيز الجديد على العلاج النفسي والاجتماعي قد يساعد عدداً أكبر منهم على تخطى تلك المرحلة.
نقلا عن نسخة النيوزويك newsweek العربية عدد 288 ديسمبر 2..5
واقرأ أيضاً:
مقالات عن الفصام والوهام / الفصام والوهام Schizophrenias & delusions