الخوف من الموت وجهة نظر نفسية ونصيحة شرعية
منذ أن تبين للإنسان أن الموت هو المواجهة الأخيرة مع المجهول لم يكن مفاجئاً له المعاناة الدائمة من الخوف منه خصوصاً من يعاني من القلق والتوتر والهلع، وإذا كان الموت أمر حتمي فإنه من المستحيل الهروب من حقيقة الخوف منه... خصوصاً إذا علمت أن الخوف من الموت يحدث لكثير من الناس رغم اختلاف ثقافاتهم، فمعظم الناس ينفرون من الحديث عن الموت لأنه ينهي أي فرصة لهم للاستمرار في متع ومباهج الحياة.
أما بالنسبة للإنسان المؤمن فالموت لا يمثل له ذلك المجهول الذي يرهبه ويرعبه ولكنه قضاء الله وحكمته وكما أن للحياة حكمة كذلك فإن للموت حكمة وغاية.
إن اتجاهنا نحو الموت اتجاه متناقض ذلك لأننا نسلم به ولا ننكره ولكننا نكرهه ونتوقعه ونود أن يتأخر. نعترف به ولكن ننساه.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أننا جميعاً نخشى الموت ولكن بدرجات متفاوتة فالخوف من الموت بدرجة منخفضة أمر سوي وعادي على حين أن الخوف من الموت بدرجة مرتفعة والتفكير في ذلك ليل نهار، بدون القدرة على وقف هذا التفكير أمر غير سوي أي أنه علامة مرضية تدل على اضطراب انفعالي شديد.
علاج الخوف من الموت، أو كيفية التحكم في الخوف من الموت
الخطوة الأولى:
معرفة السبب الحقيقي للخوف. وفي هذا السياق يجب معرفة المراحل الثلاثة للموت:
المرحلة الأولى:
وهي مرحلة الاحتضار وحتى الدخول في الغيبوبة، وفيها يخاف الإنسان من الموت أثناء النوم أو تحت المخدر أو الموت المفاجيء أو الموت في حادث.
المرحلة الثانية:
وهي لحظة الانسلال أو الدخول الفعلي في الغيبوبة وهي لحظة الموت الفعلية.
المرحلة الثالثة:
مرحلة ما بعد الموت وترتبط بالخوف من المحق _ ومصير الأسرة وفناء الفرد والتوقف عن الإنجاز.
دعنا الآن نتأمل كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث لكي تعرف السبب الحقيقي للخوف:
1- إذا كان خوفك منصباً على المرحلة الأولى، أو إذا كنت مهتماً بالمرحلة الأولى وهي مرحلة الاحتضار، فأنت في الحقيقة تخاف من الحياة وليس من الموت لأنك في مرحلة الاحتضار مازلت حياً.
٠ فلماذا أنت خائف؟
* هل تخاف من الألم...
* هل تخاف من المعاناة...
* اسأل نفسك...
* ألم تعاني من أي مرض قبل ذلك... ألم تشعر بعدم الراحة يوماً ما؟
* هل تمكنت من التغلب على هذا المرض أو تلك المعاناة؟
٠ إذا كانت الإجابة بنعم؛
أي أنك قد شعرت بالألم وأصبت بالمرض وتمكنت بفضل الله من الشفاء والتغلب على المرض والألم والمعاناة فأنت بفضل الله وعونه ورحمته سوف تتغلب على المرض والألم والمعاناة في أي فترة من فترات حياتك وسوف تتعامل بصبر وقوة وشجاعة مع عملية الاحتضار والموت... خصوصاً إذا علمت أن مرحلة الاحتضار والموت يسيرة وسهلة على من يسرها وسهلها الله عليه كسهولة خروج قطرة الماء من فَيِّ السقاء...؛
روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقفال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان _ قال _ فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فَيّ السقاء فيأخذها...... (الحديث).
٠ الآن اسأل نفسك مرة أخرى ألم تعاني يوماً ما من نوبة أنفلونزا أو برد شديد وارتفاع في درجة الحرارة حتى 40 درجة مئوية هل تغلبت على الحرارة بفضل الله ثم بالأسبرين والكمادات ألم تصاب أنت أو عزيز عليك بكسر في الساق أو الذراع وذهبت للمستشفى وقمت بعلاج الكسر وذهب الألم.
إذن فالأمر سهل ويسير والعلاج موجود ومقبول ومقدور عليه لمن يتألم أو يعاني من مرض ما قبل الموت بل وبصورة إنسانية محترمة.
٠ هل تأكدت الآن أن المشكلة الحقيقية هي ليست الخوف من الموت بل من الحياة.. بل لعلي لا أبالغ إذا قلت لك أن الموت أحياناً يكون نعمة من الله ومهربا من الألم والكرب المستمر والجروح والقروح والاعتماد على الناس والشكوى لهم بلا حول ولا قوة.
واجه همومك وخوفك من الموت بتغيير اهتماماتك وتوجهاتك في الحياة
ربما كان لديك أفكار سلبية بأن الموت سوف يعوق تحقيق كل أحلامك وطموحاتك في الحياة وربما كان لديك أشياء كثيرة أردت تحقيقها وتأكدت الآن أنك لم تحقق إلا القليل منه، وبمجرد تعرفك على فكرة سلبية كهذه اكتبها وحدد بعد ذلك... أي نوع من التشويه أو التحريف أو الخطأ المعرفي قد وقعت فيه أو ابحث في الجدول المرفق عن نوع الخطأ المعرفي الذي وقعت فيه.
بعد أن عرفت هذه الأخطاء المعرفية هل تستطيع النظر إلى مخاوفك والرد عليها بصورة عقلانية ومنطقية.
قال لي صديق يخاف الموت:
لا أحد في هذا الكون يمكن له تحقيق كل أحلامه ولكن أشياء كثيرة في الحياة استطعت أن أحققها، لقد تمنيت أن أكون مدرساً وبالفعل عملت مدرساً فترة طويلة من حياتي، تمنيت الزواج وتكوين عائلة وبفضل الله تزوجت وأنجبت وكان لي عائلة جميلة وبيت وسيارة، بالتأكيد لم أفعل كل ما أريد ولم أحقق كل أحلامي ولكن أناس قليلون جداً هم من فعلوا ذلك، ولكن عندما تحين لحظة موتي لابد أن يكون هناك توافق بين أحلامي كطفل وقدراتي كإنسان بالغ، بمعنى أنني أستطيع أن أفكر بالإنجازات التي تحققت في حياتي خصوصاً تلك التي ساعدتُ فيها الأخوة والأبناء والأصدقاء وكانت خالصة لوجه الله وأن أستمتع بعد ذلك بالرضا عن نفسي وأحمد الله على ذلك...
والبديل هو التفكير في الأشياء التي لم تتحقق والشعور باليأس وعدم الرضا. والاختيار الأخير كم هو قاس ومحبط.
بمجرد أن فكر صديقنا بهذه الطريقة بدأ في الشعور بالتحسن لأنه لم يعد يشعر أن الموت هو نوع من الهزيمة والإحباط، خصوصاً بعد أن علم أن هناك حياة أبدية أخرى أجمل وأمتع بلا ألم أو معاناة..... إذن الرغبة في الكمال والإتقان والدقة والخلود هي سبب الإحباط وليس الخوف من الموت.
2- المرحلة الثانية من مراحل الموت:
٠ وهي لحظة الموت الحقيقية أو مرحلة الانسلال إلى الغيبوبة والنهاية.
٠ مرحلة لا يعلمها إلا الله وكل ما يقال عنها إجتهادات ولم يراها عالم كي يصفها.
٠ ويصفها كثير من المرضى أنها لحظة رعب رهيب وأنها تمثل فقد السيطرة على النفس.
٠ هل هي كذلك؟
لا أعتقد، لأنك بالفعل تعيش هذه اللحظة يومياً مرة أو مرتين عند لحظة دخولك في النوم، يقول الله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الزمر:42)، حيث تُقبَض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}، التي قد ماتت {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى....} أي إلى بقية أجلها وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
٠ ولذلك لا يوجد شيء عليك فعله تجاه هذه المرحلة.
3- المرحلة الثالثة من مراحل الموت:
٠ وهي الفترة ما بعد الموت الفعلي.
٠ مرة أخرى اسأل نفسك عن سبب خوفك؟؟
٠ حدد الأفكار السلبية التي تَعبُر وتقتحم عقلك أثناء تفكيرك في الموت.
٠ يقول مريض، ماذا أفعل لو أفقت من غيبوبتي ووجدت نفسي، وقد دفنوني حياً!
٠ لو كان هذا هو سبب خوفك فأنت مرة أخرى تخاف وتفكر في الحياة وليس الموت، لأنك ما زلت حياً.
٠ ولو حدث هذا فبدلاً من الخوف والحزن والإحباط.
٠ ركز في حفر طريقك من القبر إلى الخارج ووصي من حولك بوضع قليل من التراب على غطاء القبر لسهولة الخروج.
٠ وعليك بحمد الله أولاً ثم الفرح والسرور وعمل احتفال بمناسبة عودتك لأهلك وأحبابك وحياتك.
٠ ومع أن معظم الناس لا يبدون أي مخاوف تجاه إمكانية الدفن وهم أحياء لأنها فكرة خيالية ولكن كثيراً منهم يخاف مما سوف يحدث أثناء فترة فقدان الوعي.
٠ فإذا كنت أنت من هؤلاء الناس، فتذكر أن الجراحين يقومون بتخدير مرضاهم أثناء العمليات الجراحية حتى لا يشعروا بأي ألم أو معاناة.
٠ أتذكر أن أحد المرضى كان يرتعد خوفاً من أنه بعد الموت سوف يكون هناك العدم وهو لن يتحمل ذلك، ولكنه بعد أن كتب هذه الفكرة في مذكراته اليومية استبدلها بفكرة منطقية أخرى وهي:-
٠ بما أنه بعد الموت سوف يكون هناك عدم فمن المؤكد أنه ليس هناك شيء أبكي عليه.
٠ ومع أنه ارتاح لهذه الفكرة التي جعلت مخاوفه تذهب، ولكني أقول له لا ليس هناك عدم!!
- ارجع إلى الله...
- أد الصلاة على وقتها
- بر والديك
- أحسِن إلى الخلق... تعيش في روضة من رياض الجنة، حتى تقوم الساعة.
* الجدول التالي يشمل عدة أفكار سلبية وغير منطقية عن الموت ربما عانيت من إحداها يوماً ما. فند هذه الأفكار وحاول التغلب عليها بمساعدة المعلومات والأفكار التي حصلت عليها بعد قراءتك لهذه الدراسة:
الخطوة الأولى:
وصف الحدث أو الفكرة التي سببت القلق أو المعاناة:
- فكرة أن أكون فعلياً من الأموات
- أو فكرة الموت
- أو فكرة موتي
الخطوة الثانية:
أكتب مشاعرك السلبية تجاه هذه الأفكار، وحدد درجة لكل من هذه المشاعر على مقياس يبدأ من صفر ـــ 10، اختار من الكلمات الآتية:
- حزين
- قَلِق
- غاضب
- مذنب
- وحيد
- يائس
- محبط.... الخ
المشاعر | الدرجة | |
1 | خوف | 9 |
2 | محبط | 7 |
3 | ............ | |
4 | ............ | |
5 | ............ | |
6 | ............ |
الخطوة الثالثة:
طريقة الأعمدة:
الأفكار الذاتية السلبية اللاواعية ودرجة الاعتقاد فيها (صفر ــــــ 10) | (الرد المنطقي) الردود العقلانية وذلك بتبديل تلك التحريفات والتشوهات المعرفية بأخرى عقلانية وحدد درجة اعتقادك في هذه الردود ( صفر ـــــ 10 ) |
1- 2- 3- 0 0 0 |
الخطوة الرابعة:
أعد تقييم أفكارك الذاتية على نفس المقياس السابق من (صفر ـــ 10)، وقارن بين درجتها الآن والدرجات السابقة، سوف تلاحظ مدى تحسن حالتك وهكذا أعد المحاولة مرات ومرات حتى تصل درجة المعاناة (2) أو أقل، ثم ضع علامة ( √) على الجملة التي تنطبق عليك:
- لا يوجد تحسن ( )
- تحسن بسيط ( )
- تحسن ملحوظ ( )
- تحسن كبير ( )
مفهوم الموت عند المصريين
كما ذكرها العلامة الدكتور أحمد محمد عبد الخالق في كتابه قلق الموت: إن إلقاء الضوء على بعض الجذور التاريخية التي أثرت في عادات الموت وطقوسه والحداد عند المصريين ومن ثم يمكن أن تتفاعل مع الخوف من الموت لديهم وتزيد من حدة هذا الخوف. إن معظم جوانب حياة المصري القديم كانت تدور حول فكرة الموت وما يرتبط به من بعث وخلود وحياة أخرى وحساب وعقاب والاستعداد المادي والمعنوي لكل ذلك.
كان المصريون يفكرون في موتاهم بغير انقطاع ولا يدخرون وسعاً في العناية بهم والاهتمام بسعادتهم، كما كانوا يودون ألا تفنى ذكراهم وقد ظل المصريون يتمسكون بعادة دفن موتاهم بعناية ونفقات كثيرة لأنهم ينسبون إلى سائر عادات الدفن هذه أهمية كبيرة لسعادة الميت، فالرجال من أهل الميت يهملون زينتهم ويتركون لحاهم ورؤوسهم حتى تنتهي أيام الحداد وقد كانت تبلغ أربعين يوماً وكانت المرأة المصرية تتجرد من زينتها إذا مات زوجها فتحلق شعر رأسها ولا ترسله إلا بعد مرور عام من وفاته.
إن لطم الخدود وشق الجيوب وتلطيخ الوجوه والثياب بالوحل كان ولا يزال معروفاً كله أو بعضه في الشرق عامة وفي مصر خاصة. وإذا كان الإسلام قد قبح ذلك ونهى عنه فإن الناس في مصر لم ينتهوا عن ذلك.
ولقد انحدرت إلينا عادة ذكرى أربعين الميت من أسطورة (أوزوريس) الذي يقال أن أخاه (ست) قد حقد عليه وقتله وفرق جثته إلى أربعين جزءاً وطرح أشلاءها في أقاليم الوادي وكان عددها في ذلك الوقت أربعين مقاطعة، ومنذ ذلك الحين والمصريون يحنطون جثث موتاهم ويبقونها أربعين يوماً ثم يشيعونها بعد ذلك إلى مثواها الأخير باحتفال مهيب، والناس اليوم في مصر يزورون موتاهم ويَذكُرُونهم في جميع أعياد العام ويحملون على قبورهم كثيراً من ألوان الطعام والشراب.
أما الآن فلعلك ترى انتشار أفكار بعض الدعاة الذين غلبوا جانب الترهيب على الترغيب وانظر إلى دروسهم وعظاتهم تجدها مليئة بالتهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور مع التركيز على النصوص المتصلة بالنار والعذاب.
العلاقة بين الخوف من الموت والتدين:
1- إن الملحد الذي لا يؤمن بأن هناك جحيماً يخشاه لا يؤمن كذلك بأن هناك نعيماً يتوقعه ويأمل فيه ولذلك نجد أن خوفه يكون من التحلل والفناء والغياب وفقد متع الدنيا والتوقف عن الإنجاز.
2- أما في المتدين فإنه يحاول التحكم في قلقه بالتفكير في الموت على أنه بشير بحياة جديدة وبالشعور أن الله رؤوف رحيم ويعقد آمالاً عراضاً على كرمه يوم القيامة.
* وتتضمن طرق الاستعداد للموت: التوبة، الاستغفار، ذكر الله، العمل الصالح، بما يوفر القناعة الانفعالية والصفاء والهدوء والسكينة والتحرر من الخوف من الموت.
والإيمان بالموت يتناول أموراً منها تحتمه على من كان في الدنيا من أهل السموات والأرض من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من المخلوقات، قال الله تعالى (..... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:88)، وقال تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن:27)، وقال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185).
ومنها أن كلاً له أجل محدود وأمد ممدود ينتهي إليه لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، قال الله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف:34)، وقال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42).
ومنها الإيمان بأن ذلك الأجل المحتوم والحد المرسوم لانتهاء كل عمر إليه لا إطلاع لنا عليه ولا علم لنا به، وأن ذلك من مفاتح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها عن جميع خلقه فلا يعلمها إلا هو كما قال تعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ....) (الأنعام:59)، وقال تعالى (.... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34).
ومنها ذكر العبد الموت وجعله على باله، قال البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الرقاق من صحيحه: باب قول النبيصلى الله علية وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
ومنها -وهو المقصود الأعظم- التأهب له قبل نزوله، والاستعداد لما بعده قبل حصوله، والمبادرة بالعمل الصالح والسعي النافع قبل دهوم البلاء وحلوله.
الأسباب والعلاج
بعد قراءة ما سبق وفهمه وتنفيذه هل ما زلت تعاني من الخوف من الموت؟
هل سبب لك هذا الخوف تعطيل أعمالك أو إهمال دراستك أو اعتزال الناس؟
إذن... أنت في حاجة لاستشارة طبيبك النفسي فربما تعاني من أحد الاضطرابات الآتية:
1- القلق Generalized Anxiety Disorder:
عندما يصاحب الخوف من الموت انشغال البال والتوتر والعصبية وسرعة الانفعال وصعوبة التركيز والارتباك والأرق والأحلام المزعجة والإرهاق وسرعة دقات القلب وصعوبة البلع وسوء الهضم والانتفاخ والشعور بالألم في الجسد والتنميل وضيق الصدر وصعوبة التنفس والإحساس بالاختناق، هذه الأعراض هي أعراض القلق النفسي.
اطلب الحل من طبيبك النفسي، ثم....
- ممارسة الرياضة
- تجنب ما يثير الأعصاب
- تقليل المنبهات وعدم التدخين
- الاستجمام في أيام الأجازات
- التفكير بواقعية، بدون انفعالات
- السيطرة على ردود الأفعال
- التدريب على الاسترخاء
2- الاكتئاب Major Depression:
عندما يصاحب الخوف من الموت الحزن والتشاؤم وفقدان اللذة والأمل والطموح وضيق الصدر والقلق وعدم الاهتمام وفقد الشهية والوزن وضعف الطاقة العامة والتعب وبطء الحركة والتردد والنسيان والأرق والألم، هذه الأعراض هي أعراض الاكتئاب.
أطلب الحل من طبيبك النفسي، ثم...
- اجعل أهدافك في حدود إمكانياتك
- حدد ما هو مطلوب منك واعمل ما تستطيعه
- تجنب الوحدة
- مارس الرياضة
- أخرج مع الأصدقاء للحدائق والمتنـزهات
- لا تتخذ قرارات مهمة حول مستقبلك وحياتك مثل الزواج والطلاق أو الاستقالة من العمل أو ترك الدراسة دون استشارة من حولك من الأحباب والأصدقاء وانتظر حتى تذهب أعراض المرض.
واقرأ من على مجانين:
تخيلات الموت والعزاء
أحلام اليقظة الاكتئابية
3- الوسواس القهري OCD:
عندما تكون فكرة الخوف من الموت متواصلة ومتسلطة ومستمرة ليل نهار تقتحم العقل وتلازمه مع العجز عن دفعها أو طردها أو التخلص منها وتسببها في كثير من القلق والإزعاج مع التأكد أنها فكرة خيالية غير حقيقية ولا منطقية، فهي إذن فكرة وسواسية، أطلب الحل من طبيبك النفسي.
واقرأ على مجانين:
هلع واكتئاب وسواس الموت
وسواس المرض: التطير وخوف الموت متابعة
4- رهاب أو "فوبيا " الموت Death Phobia:
عندما يكون الخوف من الموت متعلق برؤية الميت أو الكفن أو الجنازة أو القبر أو عظام الميت أو متعلقات الميت أو لمس هذه الأشياء أو ذكر الموت وطريقة الدفن، وبعيدا عن ذلك لا يوجد أي قلق أو خوف، هذه الأعراض هي أعراض رهاب أو فوبيا الموت، أطلب الحل من طبيبك النفسي.
5- الهلع Panic Attacks:
عندما يصاحب الخوف من الموت شعور قوي بالرعب يأتي بشكل مفاجيء ويرافق هذا الشعور أعراض جسدية مثل خفقان القلب بقوة، التنفس بسرعة، الرجفة، ارتعاش القدمين وغالباً ما يراودك أفكار مخيفة وتعتقد أن أمراً مرعباً وفظيعا سوف يحدث لك وتحاول تجنب ذلك أو الهروب منه، هذه الأعراض هي أعراض الهلع، أطلب الحل من طبيبك النفسي.
واقرأ على مجانين:
الهلع من الموت: ولا موت من الهلع
نوبات الهلع: الشعور بالموت
6- أسباب أخرى سوف يذكرها لك طبيبك النفسي وسوف يقدم لك الحل المناسب.
الخلاصة
الخوف من الموت هو عرض مصاحب لعديد من الاضطرابات النفسية القابلة للشفاء تماماً بفضل الله أولاً إن شاء الله ثم مساعدة الطبيب النفسي حتى يستعيد الإنسان توازنه وتقبله لمسؤوليات ومتاعب الحياة.
الخاتــــــمة
ولا يسعني هنا إلا أن أُذَكِرك أخي أن المنهمك في الدنيا، المكب على شهواتها، يغفل قلبه عن ذكر الموت، وإذا ذُكِّر به كرهه ونفر منه أولئك هم الذين قال الله فيهم: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة:8)،ثم الناس إما منهمك، وإما تائب مبتدئ، وإما عارف منته:
- أما المنهمك فلا يَذكُر الموت وإن ذَكَرُه فيَذكُره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده -ذكر الموت- من الله بعداً.
- أما التائب فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فبقى بتمام التوبة.
- أما العارف فإنه يذكر الموت دائماً لأنه موعد للقائه بحبيبه، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب.
ثم إن أنجح طريق في ذكر الموت أن يكثر ذكر أشكاله وأقرانه الذين مضوا قبله فيتذكر موتهم وصورهم وأحوالهم وكيف خلت منهم مساجدهم ومجالسهم وانقطعت آثارهم وأنه مثلهم وستكون عاقبته كعاقبتهم، فملازمة هذه الأفكار مع دخول المقابر ومشاهدة المرضى هو الذي يجدد ذكر الموت في القلب فيستعد له ويتجافى عن دار الغرور ولا يجد في قلبه خوف من الموت أو المرض أو الجنائز أو المقابر بكثرة التعرض لهذه الأشياء، ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا ينبغي أن يتذكر في الحال أنه لابد من مفارقته.
ولذلك لابد من المبادرة بالعمل الصالح، عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال: "أغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". نسأل الله تعالى أن لا يجعل لنا بعد الموت حسرة إنه سميع الدعاء.
واقرأ أيضًا:
خوف الموت المرضي
رهاب الموت
المراجع:
1- تفسير القرآن العظيم _ الحافظ ابن كثير
2- معارج القبول _ الشيخ حافظ ابن أحمد حكمي
3- تهذيب موعظة المؤمنين _ الشيخ محمد جمال الدين القاسمي
4- قلق الموت _ الدكتور أحمد محمد عبد الخالق
5- عقيدة البعث والآخرة في الفكر الإسلامي _ الدكتور محمد أحمد عبد القادر
6- تعليق للدكتور أحمد بدوي على كتاب "هيرودوت يتحدث عن مصر" نقلاً عن كتاب قلق الموت للدكتور أحمد محمد عبد الخالق
7- في موكب الشمس _ الدكتور أحمد بدوي
8 – Feeling Good ,David Burns
9 – Understanding & coping with anxiety , Isaac Marks