دائما أسأل نفسي... هل اللغة العربية مهددة بالانقراض؟؟؟ وأتوجه بنفس السؤال إليكم.. طبعا هي لغتنا الأم ولكن اللغات الأجنبية باتت تهددها, ولا تنسى بأن اللغة الانجليزية لغة العالم ولغة التفاهم في العالم أجمع... ولست ضد أن تكون هناك لغة عامة بين العالم, ولكن ما الداعي أن ندخل نحن مفردات أجنبية إلى كلامنا للاختصار أو عدم معرفة كلمة بديلة لها بلغتنا أو أحيانا لمجرد التملق, ما هي العوامل التي أدت لهذا؟ دعونا نناقشها سويا...
أهم عامل من وجهة نظري وهو أن مجموعة كبيرة من العرب يسافرون للمهجر لظروفهم الحياتية أو الاجتماعية أو السياسية فيضطرون إلى تعلم لغة تلك البلدة وأيضا تكون عوائلهم معهم فتصبح لأولادهم لكنة عربية وطبعا هذا ليس بيدهم تغييره. وأيضا للقنوات الفضائية دور فاعل.. تقدم المذيعة برنامجها مستخدمة اللغة العربية بلهجة بلدها العامية وتستعين باللغة الإنجليزية في بعض كلماتها... بينما اللغة العربية الفصحى لا يتقنها أحد سوى مذيعي الأخبار أو رجال الدين وقلة قليلة أخرى.
فعلا أشعر بالخوف على لغتنا لأني أرى من خلالها تاريخنا وديننا وحضارتنا ووو... فهل هناك حل؟
إنني رغم كل شيء أعتقد أن اللغة العربية لا يمكن أن تنقرض أو تقل مكانتها رغم كل المحاولات لمحاربتها, فنزول القرآن الكريم, باللغة العربية أكبر دليل على أن لغتنا لا يمكن حتى التلاعب في قواعدها... فقوله تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر: 9) لا يشمل فقط حفظ المعنى ولكن حفظ للحرفية في الكتابة والنطق والقواعد, ولم تعرف بلاغة أشد من بلاغة وقوة لغة القرآن الكريم, وطالما الإسلام بخير لغتنا بخير..
بالنسبة للذين كتبت عليهم الغربة في بلد أجنبي استطيع أن أقول من تجربتي في غربة تجاوز24 سنة أن لغتنا تعاني كثيرا مما يسمى"عقدة الخواجة" وهي للأسف منتشرة بشكل ملحوظ مؤخرا وساعد على ذالك بقدر كبير ظاهرة المربيات السريلانكيات والفيليبينيات وهي منتشرة بشكل كبير ومثيرة للقلق في دول الخليج والسعودية ومؤخرا للأسف الشديد بدأت الانتشار في سوريا وبدأت تحبو في مصر, يعنى لا يكفى غياب دور الأم وتعلم اللغة بشكل رقيق، لكن أيضا العادات الوثنية! صدقا شيء محزن.....
وأعتقد أن الحل لا يكمن فقط في التوعية والتثقيف بل يبدأ بالاعتداد والاعتزاز بأصولنا، وهذا يحتاج إلى عمل جدي ومنهجية يراعى فيها كل العوامل من دينية وثقافية واجتماعية بأسلوب حضاري (وأشدد على عبارة أسلوب حضاري) بشكل يجعل الغرب هو الذى يتطلع إلينا وليس العكس.... والإنجليز عندهم تعبير يدل على طريقة تفكيرهم فهم يقولون: أنه لا يكفى أن تقوم بالعمل بشكل صحيح إنما مهم جدا أن تتمكن من جعل الآخرين يرون ذلك It is not enough to be good as it is more important to be seen as "good by others" ولكني أقف هنا وقفة لأنبه أنني لا أريد القول بأن نهمل الثقافات الأخرى, فأنا ممن يتحدثون الإنجليزية بل وأدرسها باستفاضة, إنني فقط أنبه لضرورة ألا نهتم بلغات أخرى على حساب لغتنا الجميلة, فلندرس اللغات والثقافات الأخرى لنثري بها لغتنا وليس العكس فبالثقافة والتوعية يمكننا أن نتجاوز كل التهديدات من باقي ثقافات العالم ونرتقي بلغتنا أكثر فأكثر.
تعالوا نتصفح التاريخ ككل متكامل لنعرف المراحل التي مرت بها الأمم, سنلاحظ الدولة القوية من خلال أمرين:
* انتشار لغة هذه الدولة أو الحضارة خارج حدودها الإقليمية لتتغلغل ضمن الثقافات الأخرى.
* انتشار التعامل بعملة أو نقد هذه الدولة في معظم المعاملات التجارية.
وهذا ما كان يوم كانت حضارة العرب والإسلام تنير ظهر البسيطة, حيث نجد الكثير من الناس وخاصة التجار المتعاملين مع تجار عرب وإسلام يتعلمون اللغة العربية حتى يتمكنوا بسهولة من التعامل والتعاطي مع العرب تجارا ومشترين, هذا الأمر حمل اللغة العربية خارج حدود دولة العرب (التي امتدت آنذاك لتشمل رقعة كبيرة من العالم).
إضافة إلى أن العرب كانوا منارة للعلم والمعرفة آنذاك, وفي كافة المجالات من طب وهندسة ورياضيات وفلسفة واجتماع ومنطق و... الخ, فكان كل باحث (حتى غير العربي) يجد في المكتبة العربية مقصده, مما دعا الباحثين والعلماء إلى تعلم العربية حتى يتمكنوا من فهم ما جاء في كتب العرب, وما قام العرب بترجمته من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية.
أما عن انتشار العملة العربية في المعاملات التجارية فهو ليس موضوع بحثنا ولكن ما يهمنا هو أن سبب ذلك هو الثقة الكبيرة بالعملة العربية كنتيجة للوضع المزدهر للدولة الإسلامية, وهذا ما نجده اليوم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية: لغة العلم هي اللغة الإنجليزية, وهي لغة العلم والاقتصاد والسياسة والثقافة والفن فنجد المصطلحات الإنجليزية في كل المراجع والبحوث ونجد الإنجليزية في الأفلام والمسرحيات ونجد الانجليزية حتى على أغلفة الأطعمة وأبسط ما نستخدمه من حاجات يومية.
أما عن الدولار الأمريكي، ومن لا يفضل الدولار على أية عملة أخرى (مع العلم بالدور الحديث للاتحاد الأوروبي وعملته اليورو)؟
هناك عدد من العوامل التي ساهمت وتساهم في نشر اللغة العربية الفصحى وعوامل تحد من انتشارها وتهددها في بعض الأحيان....
أولا: العوامل المساعدة: وهي: الإسلام والقرآن الكريم: طبيعة اللغة العربية المتسمة بالمرونة وقدرتها الذاتية على مجاراة التغيرات الحضارية والثقافية, وهذا يكذب من يتهم اللغة العربية بعدم قدرتها على مواكبة التطورات خاصة عدم فاعلية هذه اللغة في وضع التعابير المعربة للمصطلحات. في جوهر هذه اللغة تاريخ كامل, يمثل حضارة ساهمت في إثراء الثقافات الأخرى, وما حضارة اليوم إلا نتاج حضارة تساهم العرب والعروبة في بنائها.... ولا يمكن تفسير الحاضر وتصور المستقبل دون فهم التاريخ بعيدا عن اللغة العربية التي كان لها الدور الحضاري الكبير في ذالك.
ثانيا: العوامل المعيقة: وهي: اللهجات المحلية والتي طغت على معظم حديثنا وفي معظم مجالسنا حتى السمية منها (في التلفاز والصحافة والإذاعة....) الإهمال الواضح في العمل على تطوير هذه اللغة وحتى الحفاظ على معالمها. العولمة وطغيان الثقافات الداخلية على الثقافة العربية والتي لا تتلاءم وواقعنا.
الدور الذي قام به الاستعمار عبر الزمن البعيد من مغول وتتار, مرورا بالعثمانيين وحتى الفرنسيين والبريطانيين, هذا الدور المعادي للعربية لغة وجوهرا, الحرب المسلطة على الإسلام للحد من انتشاره... فعلى اعتبار أن الإسلام من العوامل المساهمة في نشر العربية فإن هذه الهجمة على الإسلام هي هجمة على العربية أيضا.
وألخص بأن أقول أني أعارض من يقول أن تهدد لغة لغة أخرى بالزوال فأنا أعتقد أن في جوهر كل لغة تفاعلا ومزيحا من لغات وحضارات وثقافات أخرى. وكل لغة لابد لها من أن تكون منهلا للغات أخرى وأن تنهل من اللغات الأخرى. لذالك جوهر أي لغة لا يتعارض وجوهر اللغات الأخرى. وما يهدد اللغة العربية ليست لغات بل بعض ممن يتكلمون بغير اللغة العربية بل حتى بعض المتحدثين بها! علينا الآن أن نحارب الفكر القائم على وصف من يتكلم اللغة العربية الصحيحة بإنسان متخلف و"دقة قديمة" ساعدوني أن نعيد فحرنا بلغتنا الجميلة, ساعدوني أن نستعيد حبنا لها لنعيد لها رونقها الذي يعودنا للأسف "فعدناه".
واقرأ أيضًا:
يوميات مجانين: عربية المصريين