هناك اتفاق في جميع الأديان وفي الغالبية الساحقة للقوانين والثقافات على تحريم وتجريم زنا المحارم وما دونه من تحرشات جنسية أو هتك للعرض وذلك لأسباب كثيرة من أهمها أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في الحياة الاجتماعية, وفيها ومن خلالها تتم كل عمليات التربية للإنسان (أكرم المخلوقات), ولكي تقوم الأسرة بوظيفتها التربوية الهامة لابد من وجود أدوار محددة وواضحة كالأب والأم والأبناء والبنات والعم والخال والجد.....الخ في إطار منظومة قيمية وأخلاقية وعملية تضمن القيام بهذه الأدوار على خير وجه بما يؤدي إلى نمو صحي ومتناغم لكل أفراد الأسرة على المستويات الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية.
وزنا المحارم يؤدي إلى تداخل الأدوار وتشوهها وإلى اختلال منظومة الأسرة وإلى سقوط وانهيار الميزان القيمي والأخلاقي وتصدع الرموز الوالدية, فتصبح الابنة بمثابة زوجة لأبيها وضرة لأمها وزوجة أب لإخوتها, أو يصبح الابن زوجا لأمه وندا لأبيه وزوجا لأم إخوته, وتحدث استقطابات حادة في العلاقات داخل الأسرة حيث تستحوذ الابنة المتورطة على الأب أو يستحوذ الابن على الأم دون بقية الإخوة والأخوات, وهكذا تضطرب الأدوار والعلاقات وتغيب معها كل معاني الحب والإيثار والتراحم والمودة ويحل محلها الغيرة والتصارع والاستحواذ والكراهية والحقد والرفض والاشمئزاز والحيرة والغضب والتشوش والتناقض.
وإذا حدث هذا وسقط النظام داخل الأسرة وامتد ذلك الأمر إلى مزيد من الأسر فإن ذلك إيذان بانهيار المجتمع الذي تشكل الأسر لبناته الأساسية. يضاف إلى ذلك ما ينشأ من تلوث بيولوجي (اضطراب الجينات وتداخل الأنساب) وتلوث نفسي وأخلاقي واجتماعي وانهيار روحي.
ولا يقلل من كل هذا ادعاءات البعض بأن زنا المحارم كان مقبولا في بعض الثقافات والمجتمعات البدائية, بل إننا نقول لهم أن هذا الأمر كان أحد أهم الأسباب لانهيار ثقافات وحضارات استشرى فيها هذا الوباء وغيره, وأن وجوده في مجتمعات بدائية لا يغرى بتقبله بل يدفع لاستهجانه.
تعريفات هامة:
هناك الكثير من أشكال العلاقات الجسدية والجنسية تحدث بين ذوى المحارم, لذلك وجب التفرقة بينها من خلال تعريفات محددة كالتالي:
* الزنا: هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في فرج امرأة عمدا بلا شبهة, سواء أنزل أو لم ينزل.
* هتك العرض: كل فعل يكون فيه مساس بجسم المجني عليها (أو عليه) يدخل في معنى هتك العرض ويعاقب عليه بعقوبات تقل عن عقوبات الزنا.
* زنا المحارم: هو علاقة زنا بذوي (أو ذوات) المحارم.
وكلمة ذوى المحارم ترد في المراجع العلمية بمعنى من تربطهم بالشخص قرابة دم, وتترك لكل ثقافة تحددها حسب معتقداته وتوجهاتها. وفى تعريف أكثر شمولا يوصف زنا المحارم بأنه أي علاقة جنسية كاملة (أي تشمل الإيلاج) بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقا لمعايير ثقافية أو دينية, وعلى هذا تعتبر العلاقة بين زوج الأم وابنة زوجته علاقة محرمة على الرغم من عدم وجود رابطة دم بينهما. وفى الثقافة العربية والإسلامية تحدد ذوى المحارم في آيات واضحات في القرآن الكريم (نترك للقارئ مراجعتها في مواضعها في سورة النور وغيرها).
أنماط زنا المحارم:
الآباء أو أزواج الأمهات أو الأخوال أو الأعمام أو الإخوة الأكبر ينتهكون عرض الأطفال في الأسرة. الأم السلبية أو المريضة نفسيا أو مضطربة الوعي أو الشخصية, أو الابنة التي تأخذ الدور الأمومي في الأسرة, أو الأب المدمن, كل هؤلاء معرضون للتورط في زنا المحارم.
وبما أن علاقة الأم بالابن هي أكثر العلاقات احتراما وتحريما في كل الثقافات لذا نجد أن زنا الابن بالأم (أو العكس) هي أكثر حالات زنا المحارم ندرة على مستوى العالم. وعلى وجه العموم تشير أغلب الدراسات إلى أن الفتيات أكثر تعرضا للتحرشات الجنسية من الفتيان.
وأكثر الأنماط شيوعا هو علاقة الأب بابنته حيث تشكل 75% من الحالات التي تم الإبلاغ عنها, وفى هذه العلاقة يلاحظ أن الابنة تكون قريبة جدا من أبيها منذ طفولتها المبكرة وهي تسعد بالاستحواذ عليه وتبعده عن أمها وبقية إخوتها وبالتالي تحدث غيرة شديدة من الجميع تجاهها وبغض لها وللأب الذي يصبح متحيزا لها ضد بقية أفراد الأسرة, وأحيانا تتورط هذه الابنة في علاقة أخرى بأحد الإخوة الأكبر لضمان السيطرة على ذكور الأسرة أو تمتد بعلاقاتها خارج نطاق الأسرة مطمئنة إلى أن رموز الضبط والربط (الوالد والأخ الأكبر متورطين معها فيما يجب أن يمنعانها منه).
وغالبا ما تبدأ العلاقة بين الأب وابنته في سن العاشرة من عمرها بتحرشات جسدية تشبه المداعبة ثم تزداد شيئا فشيئا حتى تصل إلى العلاقة الكاملة, وهنا تصاب البنت بحالة من التشوش والارتباك والحيرة خاصة حين تصل إلى سن المراهقة فهي لا تعرف إن كانت ابنة أو زوجة, وهي أحيانا تسعد بتلك العلاقة الخاصة وتستعلي بها على أمها وإخوتها وأحيانا أخرى تشعر بالخوف والاشمئزاز من نفسها ومن أبيها.
أما الأم فتحاول إنكار ما تراه من شواهد أو تكون غير مصدقة لما يحدث, أو تحاول التستر لكي لا تنهار الأسرة, أو تخرج عدوانها تجاه ابنتها والتي تلعب في هذه الحالة دور غريمتها وفى كل الحالات تتصدع الروابط الأسرية وتضطرب الأدوار.
ونرى أن الابنة –في حالة رغبتها في الإفصاح أو الشكوى– تخشى من بطش والدها أو عدم تصديق أفراد الأسرة لها أو اتهامها بالجنون, ولذلك تتكتم الأمر وتعانى في صمت, أما الأب فإنه يصر على الاستحواذ على الابنة فيعطل نموها النفسي ويعطل زواجها وتعليمها وعملها لكي يستبقيها داخل إطار البيت قريبة منه.
ويلي هذه العلاقة ما يحدث بين الإخوة والأخوات, ويلاحظ وجود أعداد غير قليلة من العلاقات بين الإخوة والأخوات ولكن الآباء يقومون بالتستر عليها أو إنكارها والتعامل معها من خلال السلطة الوالدية بعيدا عن القانون.
وقد وجد أن ثلث من وقع عليهم اعتداءات جنسية كانوا تحت سن التاسعة من عمرهم, وأن أكثر الحالات قد تم رصدها كانت في الأماكن الأكثر ازدحاما والأكثر فقرا والأدنى في المستويات الاجتماعية, وهذه الزيادة ربما تكون حقيقية بسبب التلاصق الجسدي في هذه البيئات المزدحمة أو تكون بسبب وجود هذه الفئات تحت مجهر الهيئات الاجتماعية والبحثية أكثر من البيئات الأغنى أو الطبقات الاجتماعية الأعلى والتي يمكن أن يحدث فيها زنا محارم في صمت وبعيدا عن رصد الجهات القانونية والبحثية.
المهم أن هناك عوامل اجتماعية وعوامل نفسية وعوامل بيولوجية تلعب دورا في كسر حاجز التحريم الجنسي فينفلت هذا النشاط ويتجه اتجاهات غير مقبولة دينيا أو ثقافيا. فزنا المحارم يرتبط بشكل واضح بإدمان الكحول والمخدرات, والتكدس السكاني, والأسر المعزولة عن المجتمع (أو ذات العلاقات الداخلية بشكل واضح), والأشخاص المضطربين نفسيا أو المتخلفين عقليا.
والمبادرة غالبا ما تأتى من ذكور أكبر سنا تجاه أطفال (ذكور أو إناث) ومن هنا يحدث تداخل بين زنا المحارم وبين الاغتصاب (المواقعة الجنسية ضد رغبة الضحية), وإن كان هذا لا يمنع من وجود إغواء من الإناث أو الأطفال أحيانا. ويمكن رصد ثلاث أنماط أساسية في حالات زنا المحارم بناءا على المشاعر الناتجة عن هذا السلوك كما يلي:
1– النمط الغاضب: حيث تكون هناك مشاعر غضب من الضحية تجاه الجاني, وهذا يحدث حين تكون الضحية قد أجبرت تماما على هذا الفعل دون أن يكون لديها أي قدرة على الاختيار أو المقاومة أو الرفض, ومن هنا تحمل الضحية مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام من الجاني. وربما يعمم الغضب تجاه كل أفراد جنس الجاني, ولذلك تفشل في علاقتها بزوجها وتنفر من العلاقة الجنسية ومن كل ما يحيط بها, وتصاب بحالة من البرود الجنسي ربما تحاول تجاوزها أو الخروج منها بالانغماس في علاقات جنسية متعددة, أو أنها تتعلم أن السيطرة على الرجال تتم من خلال هذا الأمر فتصبح العلاقة الجنسية برجل نوع من سلبه قوته وقدرته, بل والسيطرة عليه وسلب أمواله. وقد تبين من الدراسات أن 37% من البغايا كنّ فريسة لزنا المحارم, وهذا يوضح العلاقة بين هذا وذاك.
2– النمط الحزين: وفي هذه الحالة نجد أن الضحية تشعر بأنها مسئولة عما حدث, إما بتهيئتها له أو عدم رفضها, أو عدم إبداء المقاومة المطلوبة, أو أنها حاولت الاستفادة من هذا الوضع بالحصول على الهدايا والأموال أو بأن تتبوأ مكانة خاصة في الأسرة باستحواذها على الأب أو الأخ الأكبر, وهنا تشعر بالذنب ويتوجه عدوانها نحو ذاتها, وربما تقوم بمحاولات لإيذاء الذات كأن تحدث جروحا أو خدوشا في أماكن مختلفة من جسدها, أو تحاول الانتحار من وقت لآخر أو تتمنى الموت على الأقل, وتكون لديها كراهية شديدة لنفسها.
3– النمط المختلط : وفيه تختلط مشاعر الحزن بالغضب.
حجم الظاهرة:
ورد في أحد التقارير المنشورة في لندن منذ سنوات قليلة أنه في مصر كما في الولايات المتحدة وإسرائيل والهند يوجد ما يزيد على أسرة واحدة من بين كل أربع أسر يقع فيها زنا بالمحارم.
ويشكك الدكتور أحمد المجدوب في هذه النسبة في المجتمع المصري ويرى أنها مع وجودها كظاهرة إلا أنها أقل من ذلك حسب ما يراه كباحث اجتماعي موضوعي, فمما لا شك فيه أن هناك اختلافات جوهرية بين المجتمعات المذكورة تجعل توحيد النسبة أمرا مجافيا للحقيقة العلمية.
وقد تبين هذا بشكل أكثر دقة في البحث الذي أجراه معهد Unicri, ومقره في روما عن ضحايا الجريمة وشمل 36دولة منها مصر والذي نشر ملخص له في التقرير الدولي الذي أصدره المعهد عام 1991, حيث تم إجراء مقابلات مع500 أنثى من المقيمات في القاهرة تمثل كل منهن أسرة, تبين من الإجابات أن 10% من العينة الكلية تعرضن لزنا المحارم (أحمد المجدوب 2003, زنا المحارم, مكتبة مدبولي, ص 169,170).
ونستطيع القول بأن هذه النسبة ربما تقل عن ذلك إذا كانت العينة تشمل مفحوصين من خارج مدينة القاهرة حيث يتوقع أن تقل النسبة في البيئات الريفية, وإن كان هذا يستحق بحثا علميا مدققا. وربما يقول قائل بأن النسبة ربما تزيد عن ذلك حيث أن كثير من الحالات تتردد في الإفصاح عما حدث, وهذا صحيح, ولذلك يستلزم الأمر الحذر حين نتحدث عن نسب وأرقام تخص مسألة مثل زنا المحارم في مجتمعاتنا على وجه الخصوص, ومع هذا تبقى النسب التقديرية مفيدة لتقريب حجم الظاهرة من أذهاننا بشكل نسبى يجعلنا نتعامل معها بما تستحقه من اهتمام.
العوامل المساعدة:
1- عوامل أخلاقية: ضعف النظام الأخلاقي داخل الأسرة, أو بلغة علم النفس ضعف الأنا الأعلى (الضمير) لدى بعض أفراد الأسرة أو كلهم. وفى هذه الأسرة نجد بعض الظواهر ومنها اعتياد أفرادها خاصة النساء والفتيات على ارتداء ملابس كاشفة أو خليعة أمام بقية أفراد الأسرة, إضافة إلى اعتيادهم التفاعل الجسدي في معاملاتهم اليومية بشكل زائد عن المعتاد, مع غياب الحدود والحواجز بين الجنسين, وغياب الخصوصيات واقتحام الغرف المغلقة بلا استئذان. وفى هذه الأسر نجد أن هناك ضعفا في السلطة الوالدية لدى الأب أو الأم أو كليهم, وهذا يؤدى إلى انهيار سلطة الضبط والربط وانهيار القانون الأسرى بشكل عام.
2- عوامل اقتصادية: مثل الفقر وتكدس الأسرة في غرفة واحدة أو في مساحة ضيقة مما يجعل العلاقات الجنسية بين الوالدين تتم على مسمع وأحيانا على مرأى من الأبناء والبنات, إضافة إلى ما يشيعه الفقر من حرمان من الكثير من الاحتياجات الأساسية والتي ربما يتم تعويضها جنسيا داخل إطار الأسرة. ويصاحب الفقر حالة من البطالة وتأخر سن الزواج, والشعور بالتعاسة والشقاء مما يجعل التمسك بالقوانين الأخلاقية في أضعف الحالات.
وإذا عرفنا – من خلال تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – أن 30% من الأسر في مصر تقيم في غرفة واحدة بمتوسط عدد أفراد سبعة, فإن لنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث بين هؤلاء الأفراد والذين يوجد فيهم الذكور كما توجد الإناث (دكتور / أحمد المجدوب 2003, زنا المحارم, مكتبة مدبولي ص 168)
3- عوامل نفسية: كأن يكون أحد أفراد الأسرة يعانى من مرض نفسي مثل الفصام أو الهوس أو اضطراب الشخصية, أو التخلف العقلي, أو إصابة عضوية بالمخ.
4- الإعلام: وما يبثه ليل نهار من مواد تشعل الإثارة الجنسية في مجتمع يعانى من الحرمان على مستويات متعددة.
5- الإدمان: يعد تعاطي الكحوليات والمخدرات من أقوى العوامل المؤدية إلى زنا المحارم حيث تؤدى هذه المواد إلى حالة من اضطراب الوعي واضطراب الميزان القيمي والأخلاقي لدرجة يسهل معها انتهاك كل الحرمات.
الآثار النفسية والاجتماعية لزنا المحارم:
1- تداخل الأدوار واضطرابها كما ذكرنا آنفا مع ما ينتج عن ذلك من مشاعر سلبية مدمرة لكل العلاقات الأسرية كالغيرة والصراع والكراهية والاحتقار والغضب.. ولنا أن نتخيل فتاة صغيرة تتوقع الحب البريء والمداعبة الرقيقة الصافية من الأب أو الأخ الأكبر أو العم أو الخال أو غيرهم, فحين تحدث الممارسات الجنسية فإنها تواجه أمرا غير مألوف يصيبها بالخوف والشك والحيرة والارتباك, ويهز في نفسها الثوابت ويجعلها تنظر إلى نفسها وإلى غيرها نظرة شك وكراهية, ويساورها نحو الجاني مشاعر متناقضة تجعلها تتمزق من داخلها, فهي من ناحية تحبه كأب أو أخ أو خال أو عم, وهذا حب فطرى نشأت عليه, ومن ناحية أخرى تكتشف إن آجلا أو عاجلا أنه يفعل شيئا غريبا أو مخجلا أو مشينا خاصة إذا طلب منها عدم الإفصاح عما حدث أو هددها بالضرب أو القتل إن هي تكلمت.
وهذه المشاعر كثيرا ما تتطور إلى حالة من الكآبة والعزلة والعدوان تجاه الذات وتجاه الآخر (الجاني وغيره من الرجال) وربما تحاول الضحية أن تخفف من إحساسها بالخجل والعار باستخدام المخدرات أو الانغماس في ممارسات جنسية مشاعية مبالغة في الانتقام من نفسها ومن الجاني (وذلك بتلويث سمعته خاصة إذا كان أبا أو أخا أكبر).
2- اهتزاز الثوابت: بمعنى اهتزاز معاني الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤلة, تلك المعاني التي تشكل الوعي الإنساني السليم وتشكل الوجدان الصحيح.
3- صعوبة إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية:حيث تظل ذكرى العلاقة غير السوية وامتداداتها مؤثرة على إدراك المثيرات العاطفية والجنسية, بمعنى أنه يكون لدى الضحية (بالذات) مشاعر سلبية (في الأغلب) أو متناقضة (في بعض الأحيان) تجاه الموضوعات العاطفية والجنسية, وهذا يجعل أمر إقامة علاقة بآخر خارج دائرة التحريم أمرا محوطا بالشكوك والصعوبات. أو يظل طرفا العلاقة المحرمة أسرى لتلك العلاقة فلا يفكرا أصلا في علاقات صحية بديلة.
الوقاية:
إذا كانت الوقاية مهمة فئ كل المشكلات والأمراض فإنها هنا تحظى بأهمية استثنائية, حيث أن وقوع زنا المحارم سوف يترك آثارا ربما يصعب تماما معالجتها, لذلك يصبح من الضروري بمكان وضع الوسائل الوقائية التالية في الاعتبار:
1 – الاهتمام بالمجموعات الهشة: مثل الأماكن المزدحمة والفقيرة والمحرومة, خاصة في حالة وجود تكدس سكاني, أو أشخاص مضطربين نفسيا أو مدمني خمر أو مخدرات. والاهتمام هنا يعنى اكتشاف عوامل الخطورة والعمل على معالجتها بشكل فعّال.
2- إشباع الاحتياجات: خاصة الاحتياجات الأساسية من مسكن ومأكل وملبس واحتياجات جنسية مشروعة, حيث أن المحرومون من إشباع احتياجاتهم (خاصة الجنسية) يشكلون مصادر خطر في الأسرة والمجتمع, وهذا يجعلنا نأخذ خطوات جادة لتشجيع الزواج على كل المستويات بحيث نقلل –قدر الإمكان– عدد الرجال والنساء الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان لسنوات طويلة كما هو الحال الآن.
وطبقا للبيان الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن حوالي تسعة ملايين مواطن تجاوزوا الخامسة والثلاثين دون أن يتزوجوا منهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون أنثى والباقي ذكور, فلنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث نتيجة لهذا الوضع غير الطبيعي حيث أنهم قضوا نيفا وعشرين عاما منذ أن دخلوا مرحلة البلوغ التي يبدأ فيها إحساس الإنسان بحاجة جديدة هي الجنس دون أن تتاح لهم الفرصة للحصول على الإشباع المشروع أي عن طريق الزواج (دكتور/ أحمد المجدوب 2003, زنا المحارم, مكتبة مدبولي ص 171). والمشكلة تتضاعف إذا عرفنا أن في مصر خمسة ملايين شخص يعانون من البطالة, وهؤلاء العاطلون المحرومون من الزواج يتعرضون ليل نهار لمثيرات جنسية عنيفة في البيت والشارع ووسائل الإعلام, وهم في نفس الوقت يفتقدون الحاجز الأخلاقي الذى يمنعهم من تجاوز الحدود الدينية والأخلاقية.
3– مراعاة الآداب العامة داخل الأسرة: مثل الاستئذان قبل الدخول, ومراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة, والتفرقة بين الأولاد والبنات في النوم, وعدم ظهور الأم أو البنات بملابس كاشفة أو خليعة تظهر مفاتن الجسد أمام المحارم, والتزام قدر معقول من التعامل المحترم بعيدا عن الابتذال والتساهل. كما يجب تجنب المداعبات الجسدية بين الذكور والإناث في الأسرة, وعدم نوم الأبناء أو البنات في أحضان أمهاتم أو أبائهن خاصة بعد البلوغ.
وهذا يجعلنا نعود إلى الوصايا القرآنية في قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (النور:58 )
وقوله تعالى :"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..." (النور30،31)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, فرقوا بينهم في المضاجع".
4– تقليل عوامل الإثارة: من تبرج في البيوت أو الشوارع, ومن مواد إعلامية على الفضائيات أو قنوات أو مواقع إباحية تثير الغرائز وتخفض حاجز الحياء وتغتال حدود التحريم.
العلاج:
• الإفصاح: إن أول وأهم خطوة في علاج زنا المحارم هي تشجيع الضحية على الإفصاح وذلك من خلال علاقة علاجية مطمئنة ومدعمة من طبيب نفسي أو أخصائي نفسي أو اجتماعي. وقد وجد أن الإفصاح عن تلك العلاقة يؤدى في أغلب الحالات إلى توقفها تماما لأن الشخص المعتدى يرتدع خوفا من الفضيحة أو العقاب, إضافة إلى ما يتيحه الإفصاح من إجراءات حماية للضحية على مستويات أسرية ومهنية وقانونية.
وعلى الرغم من أهمية الإفصاح إلا أن هناك صعوبات تحول دون حدوثه أو تؤخره ومنها الخوف من العقاب أو الفضيحة, أو الإنكار على مستوى أفراد الأسرة, ولذلك يجب على المعالج أن يفتح الطريق وأن يساعد على هذه الخطوة دون أن يوحى للضحية بأشياء من تخيلاته أو توقعاته الشخصية, وربما يستدعى الأمر (بل غالبا ما يستدعى) تقديم أسئلة مباشرة ومتدرجة تكشف مدى العلاقة بين الضحية والمعتدى في حالة وجود شبهات أو قرائن على ذلك.
وتتفاقم المشاكل النفسية التي تصيب الضحية بسبب عدم قدرتها على البوح بهذا الأمر, فتكتم كل الأفكار والمشاعر بداخلها وتنكمش على نفسها, ومن هنا يكون العلاج بإعطاء الفرصة لها للحديث عن كل ما بداخلها مع تدعيمها ومساندتها وطمأنتها أثناء استعادة تلك الخبرات الصادمة ثم محاولة إعادة البناء النفسي من جديد بعد تجاوز هذه الأزمة.
• الحماية للضحية: بمجرد إفصاح الضحية بموضوع زنا المحارم أو انتهاك العرض يصبح على المعالج تهيئة جو آمن لها لحمايتها من تكرار الاعتداءات الجنسية أو الجسدية أو النفسية, ويمكن أن يتم هذا بالتعاون مع بعض أفراد الأسرة الأسوياء وإن لم يكن هذا متاحا فيكون من خلال الجهات الحكومية المتاحة.
وقد يستدعى الأمر عزل الضحية في مكان آمن (دار رعاية أو مؤسسة صحية أو اجتماعية) لحين بحث أحوال الأسرة ومعالجة ما بها من خلل ومراجعة قدرة الوالدين على حماية أبنائهما, وفى حالة استحالة تحقيق هذه الأهداف يحتاج الضحية لتهيئة مكان إقامة آمن لدى أحد الأقارب أو لدى أي مؤسسة حكومية أو خيرية.
وفى حالات أخرى يعزل الجاني بعيدا عن الأسرة خاصة عند الخوف من تكرار اعتداءاته على أفراد آخرين داخل الأسرة, أو إذا كان مصابا بمرض يستدعى العلاج. وبعد الاطمئنان على سلامة وأمن الضحية علينا بذل الجهد في محاولة معرفة ما إذا كان بعض أفراد الأسرة الآخرين قد تعرضوا لأي تحرشات أو ممارسات جنسية.
• العلاج النفسي الفردي: ويقدم للضحية لمداواة المشاكل والجراح التي لحقت بها من جراء الاعتداءات الجنسية التي حدثت. ويبدأ العلاج بالتنفيس ثم الاستبصار ثم القرار بالتغيير ثم التنفيذ, وكل هذا يحدث في وجود دعم من المعالج وفي وجود علاقة صحية تعيد فيها الضحية رؤيتها لنفسها ثم للآخرين (خاصة الكبار) من منظور أكثر صحة تعدل من خلاله رؤيتها المشوهة التي تشكلت إبان علاقتها بالمعتدى.
والمعالج يحتاج لأن يساعد الضحية في التعبير عن مشاعرها السلبية مثل الغضب وكراهية الذات والاكتئاب والشعور بالذنب وغيرها من المشاعر المتراكمة كخطوة للتخلص منها أو إعادة النظر فيها برؤية أكثر إيجابية. وكثير من الضحايا يصبحن غير قادرين على إقامة علاقات عاطفية أو جنسية سوية فيما بعد نظرا لإحاطة تلك الموضوعات بذكريات أليمة أو مشاعر متناقضة أو محرمة فيصلون في النهاية إلى حالة من كراهية العلاقات الجنسية مما يؤدى إلى فشلهن المتكرر في الزواج, وهذا كله يحتاج للمناقشة والتعامل معه أثناء الجلسات العلاجية. وربما يحتاج المعتدى أيضا إلى مثل هذا العلاج خاصة إذا كان لديه اضطراب نفسي أو اضطراب في الشخصية أو احتياجات غير مشبعة أو كان ضحية للإغواء من جانب الضحية.
• الوالدين: يتم تقييم حالة الوالدين نفسيا واجتماعيا بواسطة فريق متخصص وذلك للوقوف على مدى قدرتهم على القيام بمهامهم الوالدية, وفي حالة وجود خلل في هذا الأمر يتم إخضاعهم لبرنامج تأهيلي حتى يكونوا قادرين على القيام بواجباتهم نحو أطفالهم, وفى حالة تعذر الوصول إلى هذا الهدف يقوم طرف ثالث بدور الرعاية للأطفال حتى لا يكونوا ضحايا لاضطرابات والديهم.
• العلاج الأسرى: بما أن زنا المحارم يؤدى إلى اضطراب الأدوار والعلاقات داخل الأسرة لذلك يستوجب الأمر إعادة جو الأمان والطمأنينة وإعادة ترسيم الحدود وترتيب الأدوار والعلاقات مع مداواة الجراح التي نشأت جراء تلك العلاقة المحرمة, وهذا يستدعى جلسات علاج عائلي متكررة يساعد فيها المعالج أفراد الأسرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وصراعاتهم وصعوباتهم, ثم يساعدهم على محاولة إعادة التكيف مرة أخرى على مستويات أفضل.
وربما يحتاج المعالج لأن يقوم بدور الأنا الأعلى (الضمير) لهذه الأسرة خاصة إذا كانت القيم مهتزة أو غامضة أو ضعيفة لدى هذه الأسرة, ويستمر هذا الدور إلى أن ينمو الجهاز القيمي داخل الأسرة من خلال توحدهم مع المعالج وقيمه, ويكون المعالج هنا رمزا للأبوة الصالحة أو الأمومة الرشيدة إلى أن يتعافى أحد أفراد الأسرة ويأخذ هذا الدور من المعالج ليحمى بقية الأسرة من السقوط.
• العلاج الدوائي: ويقدم للحالات المصابة باضطرابات نفسية كالقلق أو الاكتئاب أو الإدمان أو الفصام أو الهوس. وهذا العلاج يمكن أن يوجه نحو الضحية أو نحو المعتدى حسب حاجة كل منهما.
• النظر في احتياجات أفراد الأسرة وكيفية إشباعها بطرق صحيحة: فوجود أفراد في الأسرة يعانون من حرمان جنسي لفترات طويلة وليست لديهم علاقات أو نشاطات كافية تستوعب طاقتهم يعتبر عامل خطورة يمكن أن يؤدى إلى مشكلات جنسية داخل الأسرة, ومن هنا يأتي التشجيع على الزواج لأفراد الأسرة غير المتزوجين, أو إصلاح العلاقة بين الزوجين المبتعدين عن بعضهما لسنوات (حيث لوحظ زيادة احتمالات تورط الزوج المحروم جنسيا من زوجته في علاقات زنا المحارم), أو فتح آفاق لعلاقات اجتماعية ناجحة وممتدة خارج نطاق الأسرة, أو توجيه الطاقة نحو نجاحات عملية أو هوايات مشبعة.
ويجب الانتباه إلى أن الاحتياجات غير المشبعة تستوفى من أي احتياجات متاحة, فمثلا الأشخاص المحرومون من الشعور بالأمان أو الحب أو فاقدي التقدير الاجتماعي أو الفاشلين في تحقيق ذواتهم يمكن أن يعوضوا كل ذلك أو بعضه بالانغماس في إشباع جنسي محرم, لذلك يجب مراجعة إشباع الاحتياجات المختلفة وطرق إشباعها ودرجة ذلك الإشباع ونوعيته, وفى هذا الصدد نلفت النظر إلى هرم الاحتياجات للعالم النفسي "أبراهام ماسلو" والذي يبدأ من أسفل إلى أعلى كالتالي:
1) الاحتياجات البيولوجية ( المأكل والملبس والمسكن والجنس ).
2) الاحتياج للأمان.
3) الاحتياج للانتماء.
4) الاحتياج للحب.
5) الاحتياج للتقدير الاجتماعي.
6) الاحتياج لتحقيق الذات.
7) الاحتياج للتواصل الروحي.
25/06/2006
واقرأ أيضاً:
زنا المحارم في ساقية الصاوي / مجانين على الشيزلونج:ماما.. أنا حامل من بابا! / أنا وأختي في الحرام: صفحتنا وآثارها -استدراك-/ نفسجنسي PsychoSexual: زنا محارم Incest