من أهم الموضوعات التي انفتح حولها الكلام مع اتساع هامش حريته بوجود الإنترنت والفضائيات ما يمكن تسميته ملف الجنس، فالحديث عن هذا النشاط الإنساني زاد بصورة ملحوظة، وأصبح كل من هب ودب يتكلم في الموضوع بعلم أو بغيره أحيانا، ومن صفحات هذا الملف، "الشذوذ الجنسي" أو "المثلية" الجنسية، والتسمية الأولي كانت هي الشائعة والسائدة في العلم كله حتى عقود قليلة ماضية حين طرحت بعض الآراء والمدارس العلمية الغربية فكرة أن العلاقة الجنسية بين شخصين من نفس الجنس هي من قبيل التنوع لا الانحراف أو المرض؟!!
وأجريت الأبحاث لدعم هذه الفكرة فمنها ما يربطه بالجينات الوراثية بل وحتى الدراسات الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي تقول بان هذا كان موجودا طوال الوقت، وفي كل المجتمعات، ثم أقرت برلمانات بعض الدول مثل كندا، ومؤخرا أسبانيا، الزواج بين شخصين من نفس الجنس بوصفه زواجا قانونيا تترتب عليه كافة الحقوق والواجبات المترتبة على زواج شخصين مختلفين جنسيا!!!
وترافق في هذا اتساع فيما يسمى بدراسات النوع الاجتماعي "الجندر"، وهي حركة واسعة جاءت متولدة بشكل طبيعي من قلب الحركات النسوية، ومنظمات حقوق المرأة... الخ، ووجود "دوائر الاهتمام" بالجندر غالبا ما يدعم الحديث عن التعامل مع الشذوذ بوصفه تنوعا لا انحرافا.
وفاجئني أن أجد تفسيرا مدهشا لتغيير الموقف الغربي تاريخيا من المسألة، والتفسير يقول إنه مع تصاعد انتشار الاتجاه لإقامة علاقة جنسية مع شخص من نفس الجنس فإن الحكومات وجدت نفسها في مأزق، فإذا اعتبرت الأمر مرضا ستكون ملزمة بوضع الخطط، ورصد الميزانيات، وتحمل تكاليف العلاج، ولكن إن وافقت على وجهة النظر القائلة بأنه تنوع ستعفي نفسها من هذا كله، وهو ما حصل عندنا!!!
ما زال الأمر في إطار التعامل على" كله موجود ويعمل، ولكن تحت الأرض" ولكن من سنوات بدأت المسائل تخرج من تحت الأرض غلى فوقها، وأسباب هذا الخروج متوقعة، وأصبح متوقعا أيضا أن تحتك بأحدهم أو إحداهن، وهو يجاهر أو هي تصرح، بالشذوذ الجنسي، وطبعا هي حرية شخصية... والذي منه!!!
وممكن أيضا أن تجد عشرات وربما مئات المواقع ومجموعات الاهتمام النشيطة جدا على الإنترنت، والتي تهتم بالتواصل بين أصحاب هذا الهوى أو الاهتمام، وربما يفاجئك أنهم في غاية الجرأة وأحيانا الاستماتة في التكتل والدفاع عن أنفسهم وحقوقهم، وخاصة أن المجتمع برفضهم والأجهزة الأمنية تلاحقهم كما حدث في القضية المصرية الشهيرة المسماة باسم الباخرة النيلية التي كبست عليها المباحث لتسوق الجلساء فيها، وتحولهم إلى المحاكمة بعد ذلك، رغم خلو القانون المصري – والقوانين العربية كلها، فيما يبدو – من أي نص تجريم مباشر لهذا الفعل، ومنذ أيام قرأت عن زواج بين رجلين في أحد فنادق القاهرة!!
الشكوى
ومفهوم بالتالي هنا أن ما لا يقل 20 – 30% من المشكلات التي تصل إلى أي باب مشكلات نفسية أو جنسية على الإنترنت يتعلق يتعلق بالشذوذ، وإذا أخذنا عينة عشوائية من المشكلات التي تصلنا على أي موقع من المواقع التي نقدم الاستشارات النفسية من خلالها، نجد مثلا من بينها:" أنا شاذ جنسيا من طفولتي المبكرة، ماذا افعل أرجوكم؟!، واخرى" أنا بنت عمري 23لما كبرت بقيت أحس إن البنات بيثروني أكثر من الأولاد والشباب. ومثل هذه الأسئلة تتكرر من الجنسين، ومن كل الأعمار، فما هي الحكاية؟!
الحكاية
في التطور الجنسي النفسي للإنسان تحدث مرحلة "لخبطة" عادية حول البلوغ، وهذه اللخبطة مفهومة على خلفية ما يحصل لنا وقتها من تغييرات نفسية وبيولوجية واجتماعية، وأيضا فإن تجاربا جنسية نفسية مثل التحرش الجنسي، ومثل اللعب الجنسي، وكلاهما منتشر جدا في كل الأوساط والمجتمعات، هذه التجارب قد تساهم في زيادة تلك اللخبطة العادية حين تحدث، أو تعجل بحصولها قبل البلوغ بسنوات ربما.
وقد تساهم ظروف النشأة الأسرية في مضاعفة الالتباس والمعاناة، وبخاصة في غياب المصارحة، وأحيانا شيوع التواطؤ على التعتيم في كثير من الحالات، وبالتدريج والتراكم نجد أنفسنا أمام شخص يعاني جدا، ولا يجد من يتحدث معه عن هذا الذي يحرجه ويجرحه ويضايقه، وقد يدخل في علاقات إليكترونية على النت أو في الواقع، ويكون فيها عرضة للمزيد من المخاطر والمفاجآت لأنه من البداية لم تكن لديه المعلومة الصحيحة ولا وجد من يصغى له، ويتفاهم معه لتحديد موقفه أو حالته!!!
إضافة غلى الإغراء الهائل الذي يحدث في مجتمعاتنا المحافظة جدا في مسالة العلاقات بين الجنسين، ففي حين تمنع بدرجات أية علاقة أو أي تواصل طبيعي وعام وإنساني ومطلوب بينهما، نجدها تتوسع بالمقابل في استباحة الحدود المطلوب مراعاتها في العلاقة بين الأشخاص من الجنس الواحد، مما يخلق بيئة مواتية جدا لتحويل الشذوذ من مجرد نزوة أو فكرة أو روشنة مؤقتة إلى ممارسة متكررة واختبار مستمر!!!
والخلاصة
الكثيرون ممن يعتبرون أنفسهم شواذا هم ليسوا كذلك، وبخاصة في ظل غياب التوجيه السليم، والمعلومات الواضحة، والحوار المفتوح، ولا يعدو الأمر بالنسبة لهم كونه ميلا طارئا، أو مشكلة عابرة بسبب خلل في الطفولة، أو ممارسة في المراهقة، أو كبت في البيئة الاجتماعية المحيطة، وكلما كان السن أصغر فنحن نكون أبعد عن التشخيص بأنه أو أنها تعاني من الشذوذ.
وحتى وجود ميول جارفة تجاه جنس دون آخر يمكن تفسيره من خلال معرفة الملابسات المحيطة بالنمو النفسي الجنسي للشاب أو الفتاة، وفي حالة وجود علاقات شاذة فإن الأمر سيحتاج إلى وقت وجهد وتغيير أكبر من حالة الأفكار العارضة أو الميول الطارئة، ولكن في كل الأحوال فإن كل مشكلة ولها حل، ولا يوجد سبب واحد للرعب من هذا الأمر طالما نحن معا: نتصارح ونتعلم ونتغير......... ومساء الفل.
اقرأ أيضا:
الشذوذ.. سجن صنعته بيديك ..قصة نجاح / إذا كان الشذوذ عادة فالخلاص ممكن مشاركة / صحفي ويعشق الليل والشذوذ / الشذوذ الجنسي كلاكيت للمرة المليون م