1 - هذا المرض أصبح الحديث عنه أكثر من ذي قبل لأسباب سنأتي على ذكرها فيما بعد، وربما أيضا أصبحت نسبة حصوله أعلى من أوقات كثيرة سابقة لنفس الأسباب!!
إدمان الجنس مثل أي إدمان فهو يعني ببساطة أن الجنس يتحول إلى محور حياة المدمن له، تفكيره مشغول طوال الوقت بكيفية تدبير احتياجاته الجنسية، ولو كان هذا على حساب بقية وظائف حياته،وأدواره الاجتماعية، وعلاقته الإنسانية الأخرى، وأيضا فإن ممارساته هذه يمكن أن توقعه في عدة مشكلات من السهل أن نتوقعها، ويمكن كذلك أن تخرج به عن إطار الأخلاق والقيم التي يؤمن بها، ولكنه قد يضحي ببعضها أو كلها في سبيل إشباع رغباته!!
في حالة أن يكون المدمن للجنس متزوجا فإنه سيطلب معاشرة زوجته دائما، وبشكل زائد عن احتمالها، وفي حالة الزوجة المدمنة للجنس فإنها أيضا لا تكتفي بالمعدلات الشائعة من المعاشرة، ولكن تطمع وتطمح إلى المزيد دائما.
يعتقد مدمن الجنس أنه كلما مارسه أكثر سيحل مشكلته، وهذا لا يحدث، بل أن هذا النوع من الإدمان قد يؤدي إلى مناخ من التوتر في العلاقة بين الزوجين، وما يستتبع ذلك من مشكلات. أما ممارسة المدمن أو المدمنة للجنس خارج إطار الزواج فإنه يزيد من الألم، وعذاب الضمير، والشعور بالدونية والإثم والذنب بصفة مستمرة!
وفي حالة شاب بمنتصف الثلاثينات من عمره فإنه اشتكى من أن كل تفكيره أثناء اليقظة محصورة بالجنس، ويقول أنه حتى وهو مع أصدقائه، فإن ذهنه يظل شاردا في الجنس، وكذلك أثناء الأكل أو الصلاة أو خلال وجوده في عمله!!
2- وبرغم أنه متزوج وأب، إلا أنه لم يخبر زوجته بهذا، ومن ناحية أخرى يسعى إلى التحرش بالنساء عبر التزنيق في المواصلات والأماكن المزدحمة رغم ما يمكن أن ينجم عن هذه الممارسة من مشكلات!! أما الزوجة المدمنة للجنس فقد اشتكت أنها كلما رأت شاباً طويلاً تتخيل أنه يجامعها، وأنها تتعامل مع رغبتها الجارفة في ممارسة الجنس بتكرار ممارسة العادة السرية!!
من خلال ما تتقدم يمكن تلخيص أعراض ما يسمى بإدمان الجنس كما يلي :ـ
1- تركيز تفكير المصاب واهتماماته حول ممارسة الجنس، والاعتقاد بأنه الطريق الوحيد للسعادة، والإشباع العاطفي والنفسي، وتنفيس الهموم والأحزان والضغوط.
2- قضاء وقت طويل يصل إلى أغلب ساعات اليوم بالتفكير والخيالات الجنسية، والسعي إلى ممارسته ثم تكرار هذه الممارسة كلما تيسرت فرصة وجود شريك بالزواج، أو البحث عن طرق أخرى خارج الزواج ،أو بالعادة السرية .
3- لا يستطيع الشخص المصاب "رجلاً كان أو امرأة ممارسة الحياة الطبيعية أي بتنظيم وتوزيع الوقت على الأنشطة المختلفة من دراسة أو عمل أو وقت مخصص للأسرة أو العبادة، فالجنس أولاً، والجنس دائماً هو الأهم، ومن بعده أي نشاط !!
ومن خلال الأبحاث على المصابين توصلنا إلى أن الأسباب يمكن توزيعها في اتجاهين: الأسباب البيولوجية العضوية: حيث يفرز المخ نوعية معينة من المواد تساهم في استرخاء الجسم وتقلل الضغط النفسي بمصاحبة الممارسة الجنسية، وهذه المادة تشبه المخدرات.
4- بحيث يتعود المدمن عليها، ولا يمكننا حتى الآن الجزم بأسبقية حدوث إفراز هذه المواد على حصول الإدمان أم أن الجسم يزيد من إفرازها نتيجة الإدمان في ممارسة الجنس أولاً.
وهناك تبدو نقطة هامة من أن نفس هذه المواد يفرزها الجسم مع ممارسة الرياضة، وفي بعض الأبحاث وجدنا أن أغلب مدمني الجنس لا يمارسون أية رياضة بشكل منتظم، فيقتصر لديهم إفراز الجسم لهذه المواد بمصاحبة ممارسة الجنس فقط!!
ومن ناحية ثانية هناك ألأسباب النفسية ومنها الاعتقاد الخاطئ الراسخ عند المدمنين بأن ممارسة الجنس هي الحل لكل همومه وآلامه وضغوط حياته، وزيادة توكيد هذا الاعتقاد بالحصول على المتعة مع كل ممارسة، رغم المشكلات المترتبة على هذا!!
ولكننا أيضاً يمكننا أن نضيف أسباباً أخرى يمكن وصفها بأنها اجتماعية أو عامة، وتتمثل في الانتشار الرهيب حالياً للمواد المشجعة على الجنس، والمثيرة للاهتمام به، وأيضا الدافعة لزيادة الطلب عليه، وفي أغلب حالات الإدمان الجنسي التي نراها حاليا نجد المدمن أو المدمنة مصابين بنوع آخر من إدمان مشاهدة الصور الجنسية، أو الأفلام أو المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت، وهذا من شأنه زيادة وطأة الأعراض حين يصبح الإنسان متحركاً في وسط مناخ جنسي، أو بيئة محرضة على الجنس!!
وتحمل الحياة الحديثة بما تتيحه من أوقات فراغ، وما وفرته من طاقة جسمانية نتيجة عصر الآلة، والتكنولوجيا التي حلت محل المجهود العضلي والجسماني، الأمر الذي يحصر الاسترخاء وتنفيس الضغوط، بل والممارسة الجسدية المؤدية لذلك في الجنس.
ووجدنا خلطاً متزايدا ً-وبخاصة في النساء– بين معني الحب والإشباع العاطفي، والاهتمام والتقدير، وبين التعبير عن هذا كله بممارسة الجنس، وربط تقليل معدلات الجنس بالمعاني العكسية لهذه الاحتياجات التي يتطلبها كل إنسان أصلاً!!
فعزوف الزوج عن ممارسة الجنس أو تقليل معدلات هذه الممارسة، وهو ما قد يحدث لأسباب متنوعة، يتم التعامل معه على أنه نقص في الحب أو نقصان في الاهتمام بالحب والتقدير والاحترام والرعاية للزوجة!!
ومن الملاحظات على زيادة معدلات الإدمان للجنس ما نتوقعه ونشاهده من آثار شيوع العقاقير المنشطة جنسياً، وتلك التي ترفع من قدرة الرجال علي تكرار المعاشرة بحيث انخفض جداً تأثير الضابط البيولوجي الفطري الطبيعي الذي أودعه الله "سبحانه وتعالي" في الرجل بحيث يمر في مرحلة تثبيط بعد كل معاشرة، الأمر الذي تم الالتفاف حوله بهذه العقاقير حالياَ!!
ومع زيادة القدرة بشكل غير طبيعي زادت الطموحات والتوقعات والاهتمامات من الجنسين، إضافة إلى ما سبق ذكره من شيوع المواد الإباحية المحرضة على الاهتمام بالجنس وممارسته!! من الناحية العلاجية فإن التعامل مع إدمان الجنس يكون ببرامج معرفية وسلوكية تشبه تلك المستخدمة في علاج أي إدمان، ولكن أرى أن الأمر حالياَ قد ازداد صعوبة لعدة أسباب منها:
ــ مدمن الجنس لا يعتبر نفسه مريضاً من الأصل، بل قد يرى في نفسه "فحولة" أو "ذكورة " طاغية تدعو إلى الفخر، وبالنسبة للمدمنة المتزوجة قد ترى أن العيب في زوجها، أو أنه لا يحبها، أو يعجز عن إشباع رغبتها، بينما هي مسكينة وضحية من وجهة نظرها!!
ــ إذا اقتنع المدمن بأنه مريض ويحتاج إلي علاج، ربما يخجل من مراجعة الطبيب النفساني المختص لما يحيط بالأمر من وجهة اجتماعية سواء من حيث الذهاب إلى طبيب نفساني، أو من حيث موضوع الشكوى التي سيذهب بها إليه!!
ــ إذا ذهب المدمن للطبيب فإن جزءاً هاماً من العلاج سيكمن، مثل كل إدمان، في تغيير البيئة التي يعيش فيها الإنسان المصاب، وبحيث تتغير العادات النفسية والاجتماعية، وتختفي إلى حد معقول بيئة التحريض والإشارة الجنسية من حوله، ويبدو هذا صعباً عند الكثيرين، ولكنه طبعاً ليس بمستحيل.
ــ إذا أخذنا في الاعتبار مشكلة تأخر سن الزواج، ومن ناحية أخرى ارتفاع معدلات الطلاق، وتعثر زيجات متعددة لأسباب متنوعة بحيث يصبح الإشباع الطبيعي للرجال والنساء محل تساؤل من الناحية العاطفية والجنسية!!
هذه الصعوبات إنما تدعونا إلى مزيد اهتمام بدراسة الظاهرة محلياً، ووضع خطط مواجهتها وعلاجها سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي الأوسع، والله أعلم.
ويتبع>>>>>: إدمان الجنس : الجنس القهري : توطئة وتقديم
اقرأ أيضا:
مجتمع يربينا على الإدمان ولا مجتمع الفياجرا؟ / إدمان الشراء أو التسوق أم الشراء القهري؟ مشاركتان / إدمان الإنترنت .. داءٌ له دواء / إدمان الأكل مشاركة