بحكم عملي في مركز الطب النفسي للدكتور وائل أبو هندي فأنا أمر يوميا على مديرية الأمن بالزقازيق، ولفت نظري منظرٌ أكاد أجزم أنني أراه يوميا. وهو سيارات نقل تحمل جهاز عروس تم طلاقها وتتسلم العفش والمنقولات الزوجية عن طريق قسم الشرطة، وأكثر ما لفت نظري هو أن الفرش في الغالب ما يكون جديدا جدا، والمعنى أن الطلاق جاء سريعا جدا أيضا، وتساءلت لماذا هذا الكم الهائل من الطلاق.
وتيقنت أن الزوج والزوجة أقصد "العريس والعروسة" لم يكد يهنأ كل منها بالآخر وسرعان ما تم الطلاق، ودفعني هذا الإعداد خطبة الجمعة {حيث عملي الرسمي إمام مسجد وخطيب بالأوقاف} عن موضوع الطلاق وقد حدث فعلا.
فقد تحدثت عن الطلاق فوجدتني لم أقل شيئا عن أسباب الطلاق ولم أعالج شيئا مما يحدث فموضوع الطلاق موضوع فقهي بحت، فقلت أتكلم عن أسباب الطلاق، وحتى أتحدث بموضوعية في هذا الموضوع كان لزاما علي أن أبحث في المجتمع من حولي عن الأسباب التي تدفع الزوج إلى الطلاق والمرأة إلى الخلع، وبدأت البحث فوجدت الآتي:ـ
أولا: سوء اختيار كلا من الزوجين للآخر. وتذكرت أن الإسلام اهتم اهتماما كبيرا باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين وكذلك حث الإسلام أهل الزوجة على انتقاء الرجل لذات الدين وقال النبي الكريم "إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وأنا بحكم أني خطيب لن أزيد في الناحية الدينية لأن القنوات الفضائية مليئة بمثل هذا الكلام، وما أود أن أشير إليه في حسن الاختيار يكون بالمفهوم الواقعي الذي نعيشه.
في ظل الظروف الحالية يكاد يختنق حسن الاختيار في الزواج حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحيط به من كل الجوانب، فالرجل إذا بلغ الباءة "وهي تكاليف الزواج" فإنه يتعجل الزواج خوفا من تغير الظروف والأحوال ودون تفكير في شريكة حياته وأغلب الرجال يقولون: "هي امرأة والسلام". وكذلك أهل الزوجة في ظل قلة الإمكانيات وصعوبة الزواج بالنسبة للشاب وخوفهم من أن البنت ستصبح عانس فإنهم أيضا يتعجلون الزواج للبنت من أول عريس يطرق الباب ويقولون نستر البنت. والنتيجة معروفة طبعا.
ثانيا: وهو أمر في غاية الأهمية وهو ثقافة الاختلاف في الرأي، إن عدم وجود ثقافة الاختلاف في الرأي يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. على الرغم أنهم قديما قالوا الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لكننا نحن العرب نعيش زمن الاختلاف في الرأي يفسد جميع قضايا الود كله وهذا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية بل والرياضية وهي مناط الاختلاف.
وعلى فكرة هذا شأن كل العرب إذا اختلفوا أعلنوا العداء والحرب، فالزوج والزوجة إذا اختلفا في الرأي والحوار تجدهما اختلفا في كل شيء ويصبح التفاهم بينهما صعبا إلا من رحم ربي،
فالنفس البشرية متقلبة الأهواء والأمزجة وعلى الزوج والزوجة أن يعلما ذلك، فالزوج قد يكون سعيدا فرحا مسرورا والزوجة قد تكون في نفس الوقت تعيسة مهمومة حزينة هذا هو الاختلاف يلتقي الحزن والفرح معا في وقت واحد داخل البيت.
والسؤال هل يستطيع كل منهما معالجة الآخر دون تجريح للأحاسيس والمشاعر، هل تستطيع أن تعامل المسرور وأنت مهموم هل تستطيع أن تعامل المهموم وأنت مسرور وتتقبل الآخر بوضعه الذي هو عليه، الجواب: أشك في ذلك.
هل تستطيع أن تعامل زوجتك وفيها خصال وطباع لا توافق طباعك وخصالك، وهل تستطيعين أنت أن تعاملي زوجك وفيه بعض الخصال والطباع التي لا توافق هواك ولا تروق لك. لو استطاع الزوج والزوجة فعل ذلك لتغير الحال للأحسن طبعا، فالرجل لا يكون سويا كاملا وكذلك المرأة لذلك أوصى رسول الله الرجل بوصفه له القوامة فقال للرجال في شأن النساء "فاستمتعوا بهن على عوج" والعكس صحيح.
أمر آخر في الاختلاف وهو في غاية الأهمية وهو التلاقي الجنسي بين الزوجين، والأكثرية لا يعيرونه أي اهتماما فالواحد منهم يراه إشباعا لرغبته فقط تاركا الآخر خلف ظهره دون شعور أو أحاسيس، فالحياة الزوجية تكون في قمة السعادة حينما يوفق الزوج والزوجة في هذه الغريزة وقمة المتعة تكون في تلاقي الرغبة معا وسويا، أما إهمال طرف للآخر فهو يؤدي إلى كارثة عدم التوافق والاختلاف فهل لدى الزوجين ثقافة المعايشة الجنسية وماذا يفعلان عند اختلاف الرغبة.
بدلا من أن يمل الزوج زوجته أو أن تقول الزوجة للزوج أنت ما بتعرفش وتكون النتيجة الطلاق وفي بعض الأحيان القتل والعياذ بالله وقد قرأت في إحدى الصحف أن الزوج قتل زوجته لأنه فشل في إشباع رغبتها فقالت له العبارة الشهيرة أنت ما بتعر فش، وأذكر هنا في هذا المقام أن السنة بينت للرجل أن يهيئ المرأة قبل الجماع للجماع وأذكر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا يركبن أحدكم على امرأته كالبهيمة قالوا فماذا إذن يا رسول الله قال وليكن بينهما رسول قالوا وما الرسول يا رسول الله قال: القبلة والكلام. صدق الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: من الأمور المتداخلة والمتشابكة موقف الأهل عند اختلاف الزوجين. أهل الزوجة يناصرون ابنتهم سواء كانت على صواب أو مخطئة، كذلك أهل الزوج يؤيدون ابنهم في الحق والباطل، والاثنان على السواء، فلو أن أهل البنت أسدوا إليها النصيحة وأرشدوها إلى الصواب وصححوا لها مفاهيمها الخاطئة لاشتاقت لحياتها وكان ذلك خيرا لهم ولها، ولو أن أهل الزوج فعلوا ذلك ووقفوا مع الزوجة إذا كانت محقة وصاحبة حق لشعرت بالأمان وعلما أنها بين أهلها فعلا، ولكن أهل الولد يحرضونه على البنت وكذلك أهل البنت يحرضونها على الولد وسبحان الله، فالنتيجة الخلاف والشقاق البعيد.
أيضا هناك أمر مهم في ظل الظروف الاقتصادية المتعسرة يجد الرجل نفسه لا يستطيع أن يفي بما وعد من وعود براقة لقد قال لي أحد من سألتهم عن أسباب الطلاق قال لي بصراحة السبب الرئيسي في الطلاق هو المال . فيه مال مفيش طلاق مفيش مال فيه طلاق.
قلت له المال مش كل حاجة فهذا منظور اقتصادي يجب ألا يعمم قال لي لا المال هو كل حاجة من أين يأتي الشاب بالشقة والشبكة والجهاز ولا يوجد وظيفة وإن وجدت لا تسمن ولا تغني من جوع، وأكمل يقول: اسمع يا ابني كان زمان أهل البنت حين تذهب إلى بيت أهلها غاضبة يأخذها أبوها إلى بيت زوجها ثانية والزوج يحملها له جميلة ولا يغضبها مرة ثانية. اليوم اختلف الحال فالأب لو فعلها في هذا الزمان فإنه يخشى أن يحسبها الزوج ضعفا منه.
فقلت له حالات خاصة، كما أن المال ليس كل شيء بدليل أن الطلاق في بلدان الخليج -وهي أكثر أموالا واستقرارا- تعدى النسب المعقولة، فمثلا في الإمارات نسبة 34% وكذلك في السعودية والكويت بنسب فوق 30 %. أما في مصر فقد ارتفعت نسبة الطلاق، في سنة 2001 كان 238718 حالة طلاق إلى 364361 حالة طلاق في عام 2002 وقد زادت في العام المنقضي ب140 ألف حالة، وهذه الإحصائية أخذتها من التلفزيون المصري من برنامج صفصافة على القناة الثانية وهي المسئولة عنها ولست أنا.
قال لي الرجل الكبير المسن وهو يحاورني: ماذا تقول في العناد بين الزوجين فقلت له موضوع خطير فقال لي: ذا موضوع نفسي في المقام الأول فقلت له ما دام موضوع نفسي فقد وجدت الحل فرد علي مسرعا وقال لي: الحقني به قلت نسأل الدكتور وائل أبو هندي أستاذ الطب النفسي، ولكن...... تأخر الدكتور عن ميعاده فانصرفت دون أن أكمل الحوار مع الرجل.
واقرأ أيضًا:
الطلاق ذلك أبغض الحلال مشاركة مستشار / الطلاق ذلك أبغض الحلال مشاركة مستشار2