مراحل التطور الاستعرافي1
دعيت السنة الأولى من العمر بالمرحلة الفموية Oral Stage أما السنة الثانية فقد سميت بالمرحلة الشرجية Anal Stage أما المرحلة التي يحدث فيها التطور النفسي والتي سأناقشها الآن فقد دعيت بالمرحلة القضيبية Phallic Stage حسب تسمية Freud إلا أن هذه التسمية مغلوطة ذلك أن القضيب Phallus بالتعريف هو مصطلح ذكري. وكان Freud مدركاً لذلك وكان استعماله لتلك العبارة يعكس الطريقة التي ظن بها أن الأطفال يكتشفون أنفسهم مهتمين وبشكل أساس هل يملكون قضيباً أم لا وبناءً على ذلك يصنفون الناس.
إن عبارة المرحلة القضيبية عبارة مغلوطة ولكنها تشير إلى زيادة الاهتمام بالنسبة للأطفال من كلا الجنسين في هذا العمر بأعضائهم التناسلية ونحن لا نعرف لماذا يحدث هذا، ولكنها أثبتت من خلال مراقبة الأطفال الصغار، وهناك دراسات أشارت إلى زيادة في إفراز الهرمونات الجنسية حوالي السنة الثالثة من العمر وهذا المستوى العالي من الهرمونات يستمر حتى السنة السادسة من العمر ولا يرتفع مستوى الهرمونات ثانية حتى سن البلوغ.
إن هذه الدراسات في نظر بعض العلماء لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل لأنها قليلة العدد نسبياً لكنها على الأقل موجهة فقط. وعلى كل حال سواء بسبب الزيادة الهرمونية أو لا فإننا نشاهد ازدياداً في الاهتمام بالأعضاء التناسلية حوالي السنة الثالثة من العمر. وبشكل عام يلاحظ أن الأطفال يبدلون اهتمامهم العام بأجسادهم إلى اهتمام خاص بأعضائهم التناسلية.
فالرضيع يكتشف أعضائه التناسلية خلال الأشهر الأولى من حياته وذلك من خلال اكتشاف عشوائي لجسده ككل. وبالرغم من حدوث انتصاب القضيب عند الرضيع في هذه الفترة فإن الطفل لا يشعر بأي متعة خاصة بالانتصاب الذي يحدث.
والانتصاب مجرد ظاهرة عرضية وكذلك فإن البنت تكتشف أعضائها التناسلية كجزء من جسدها فقط. أما خلال السنة الثالثة فيصبح الأطفال مهتمين بشكل خاص بأعضائهم التناسلية بشكل أكبر، وهكذا نجد من خلال المراقبة أن الأعضاء التناسلية تصبح مصدراً للاهتمام أكثر من السابق فالأطفال في هذا السن وكأنهم يمارسون نوعاً من المداعبة الذاتية إذا صح التعبير أكثر وكأنهم يجدون شيئاً من المتعة عند قيامهم بهذا الفعل.
ومع هذا الاهتمام الجديد بأجسادهم نجد هناك نوعاً آخر من الاهتمام، حيث نلاحظ أن الأطفال يهتمون كثيراً في فقدان وإعادة أجزاء الجسد، فإذا ما وجد الطفل دودة فسوف يفتن بفكرة أنه إذا ما قطعها إلى نصفين فإن هذين النصفين سوف ينموان من جديد. كذلك قنديل البحر الذي يثير الاهتمام كثيراً، ذلك أن الأطفال يسألون هل صحيح أن قنديل البحر يستطيع أن ينمي أرجله المفقودة؟. وهل هذا يعني أنهم إذا ما فقدوا ذراعهم أو ساقهم فستنمو من جديد؟. فالخوف من الأذى الجسمي أو البتر هو ذلك الاهتمام الذي يعبرون عنه بطرق مختلفة.
إن التواصل مع الأطفال في هذا السن يجعلنا مدركين بأنهم يشكلون المستهلك الرئيس للاصق الطبي في معظم دول العالم المتمدن. فهم يلجئون إلى أمهاتهم عندما يصابون بجروح أو خدوش أو بلدغات بعوضة أو بإصابات وهمية، وعلى الأم أن تفحص كل إصابة بعناية إذ تكون هذه الإصابة بالنسبة للطفل مرعبة وهي بحاجة لشيء ما مثل أن تقوم الأم بتقبيل الإصابة ثم تضع عليها اللاصق الطبي، عندها يقتنع الطفل بأنه شفي. وربما نجد أن هذا التصرف مضحك أو مزعج ولكنه ينبع من خوف كبير من أن جسده ليس على ما يرام.
إن كلاً من الجنسين يمران بنفس المرحلة ولكن بشكل مختلف. إن جميع الأطفال يظنون أن بنية كل فرد في هذا العالم تشبههم تمتماً، ولكن عندما يكتشفون أن هذا ليس صحيحاً فإنهم يرتكسون بطرق مختلفة كل حسب جنسه. نحن لا نعرف لماذا يحدث هذا حتى أننا لا نعرف بأن هذه الظاهرة علمية أم لا ولكننا متأكدون من ملاحظتنا الناشئة عن دراسة لكثير من الأطفال في هذا المجتمع.
لنحاول أن ندرس الآن ارتكاسات الأطفال الذكور أولاً.
قلق الخصاء عند الصبية
إن الطفل في سن الثالثة يكون منغمساً جداً في اللذة التي يجنيها من ملامسة قضيبه ومن اكتشافه لذلك الجزء من جسده، كما انه بنفس الوقت يعتبر قضيبه كجزء يعتز به، فكثيراً ما نرى طفلاً صغيراً يحرَّجُ أهله حيث يدخل غرفة الجلوس المكتظة بالضيوف وهو عاري ذلك لأنه يريد منهم أن يشاركوه فخره. أو انه يقف ليبول أو يتبجح أمام والده بفخر ويقول له (أبي انظر إلى هذا، أنا كبير) فهو ينسب إلى قضيبه خصائص الفخامة -الأهمية- القوة. وإن لهذا وبلا شك علاقة بنظرة الطفل لوالده لأن الأب ينظر له بشكل عام على انه كبير وقوي جداً. إن الطفل خلال تماثله المتزايد مع بقية الذكور في العالم يريد أن يكون أكبر وأقوى، وهذا يتضمن استعراضه متباهياً بأعضائه التناسلية.
إنه لا يريد أن يقوم بأي عمل خاص بقضيبه لكنه يريد أن يؤثر بكل إنسان. فالصبية في هذا العمر يهتمون كثيراً بالتأثير على العالم حيث يقولون لبقية الأطفال أن آبائهم -إخوتهم- سياراتهم هم الأكبر والأقوى.
لذلك فإن الصبية خلال هذه المرحلة من التطور يهتمون كثيراً بالحجم والاستعراض، ومن هذا الوقت يكون الطفل فخوراً وتنافسياً ويهتم بأعضائه التناسلية.
إن اعتقاد الطفل بأن الآخرين لهم نفس بنيته سيتحطم عندما يكتشف أن هذا ليس صحيحاً، وهذا يحدث عندما يولد لهذا الصبي أخت، أو عندما يسترق النظر إلى بنت اكبر. أو عندما يستحم مع طفلة. إن معظم الأطفال تسنح لهم الفرص ليراقبوا بعضهم بعضاً قبل أن يصبحوا في سن الثالثة ولكن الطفل عندما يصبح في الثالثة من العمر ويشاهد الأعضاء التناسلية لبنت يصل إلى نتيجة واضحة ومحددة.
فطريقة التفكير ما قبل الإجرائية 2-7 سنوات والإجرائية العيانية من 7-11 سنة من عمر الطفل (وفق تقسيم العالم jean piaget لمراحل التطور الإدراكي عند الطفل) في هذه المرحلة تدفعه عندما يلاحظ الاختلاف إلى استنتاج انه قد حصل لها شيء مؤذي وإن ما حدث لها يمكن أن يحدث له. لذلك يصبح قلقاً وخائفاً على أعضائه التناسلية وهذا ما يدعى قلق الخصاء وفي هذا الوقت من الحياة يصبح قلق الخصاء هو الموقف الخطر الثاني الذي يتعرض له الطفل في حياته إنه خوف قادم على ملاحظة الاختلاف بين الذكورة والأنوثة.
لقد ناقشت سابقاً موقف الخطر الأول وهو القلق من الانفصال والخوف من فقدان الحب. وهنا يظهر الخوف من الأذى للأعضاء التناسلية عند كلا الجنسين ويضاف إلى التسلسل الهرمي للحالات الخطرة. عند الصبية يأخذ هذا الخوف شكل الخوف من الخصي بينما عند البنات يأخذ شكل الخوف من الإيلاج والتشويه التناسلي، وكما في مواقف الخطر الأولى فإن الطفل يتعامل مع خطر حقيقي.
فهو حقيقي جداً ومخيف جداً حتى أن بعض الأطفال ينكرون ما شاهدوا ويؤكدون أن البنات شبيهات بهم تماماً، فهن يملكن الأعضاء الذكرية لكنها مخبئة داخلهن، ولهذا السبب نجد الأطفال الذكور يمزقون الدمى لكي يكتشفوا التشريح الداخلي لها، إن الأطفال في هذا السن لديهم فكرة محددة عن محتويات الجسد، فالجسد بالنسبة لهم مجرد دائرة كبيرة فالأشياء تدخل من إحدى النهايات للجسد لتخرج من النهاية الأخرى، ولا يعرف ماذا يجري بين هاتين النهايتين، فلذلك يستنتج الطفل أن كل الأجساد متشابهة. فالبنات لديهم قضيب داخل أجسادهن ولذلك لا حاجة للقلق، وهذه إحدى الطرق للتغلب على الخوف من الخصي.
وهناك أطفال آخرون يستنتجون أن قضيب البنت قد فقد ليعود ويظهر ثانية. إن الطفل متأكد من ذلك، لذلك نجده مستمتعاً بفكرة إعادة النشوء لذلك نجد الأطفال يلعبون لعباً تشير إلى تخيلاتهم حول الأشياء التي تفقد ثم تظهر ثانية. فالطفل يخبئ قضيبه بين فخذيه ثم يتركه يندفع خارجاً ويصرخ بفرح عندما يندفع خارجاً لأن ذلك يثبت نظريته أن ما لا يستطيع مشاهدته لا يعني أنه غير موجود لكنه مجرد نوع من خداع الحواس بالفقدان.
هناك اختبار آخر للطفل، فهو يخاف عندما يشاهد الأعضاء التناسلية للبنات وهذا الخوف يمتد، مما يجعل البنت مخيفة وعليه أن يتجنبها ويحتقرها وإن نشاطاتها يجب أن تراقب بشدة. إن الدافع لهذا السلوك هو القلق الحاصل عند الأطفال الصغار. ومن هنا حاول Freud زرع فكرة تحليلية مفادها أن معظم المجتمعات التي تميل إلى الانتقاص من قدر المرأة تتخذ هذا السلوك كاستجابة للخوف من الخصي عند الذكور.
وهكذا وقبل أن يصبح الطفل راشداً وقابلاً على الأخذ بقوانين المجتمع، يريد أن يتجنب البنات لنفس الأسباب لذلك فهو يسخر منهن ويغيظهن ويناديهن بأسماء مختلفة. إنها استجابة لذلك الخوف من الخصي الذي يظهر عبر إدراكه لذلك الاختلاف القائم في الأعضاء التناسلية بين الذكور والإناث. إن نفس الخوف يمكن أن يبدل مكانه إلى أماكن أخرى من جسد الطفل لذلك فهو يضطرب بشكل كبير عند حدوث أي خدش أو جرح.
كذلك فإن الطفل الذي لم يبد أي مشكلة عند قص شعره يبدأ فجأة بإحداث معركة مزعجة عندما يريد أحدهم أن يأخذه إلى الحلاق ليقص شعره. نلاحظ الكثير من التهديدات التي يستخدمها الطفل أثناء السنة الثالثة من العمر مثل "سوف اقطع رقبتك وسوف اقطع رجلك. وسوف أقطعك إلى أجزاء صغيرة جداً" وبهذه الطريقة نجد الأطفال يتعاملون مع خوفهم من الأذية عن طريق تهديداتهم بأذية الآخرين. كما أنهم يعيدون طمأنة أنفسهم من خلال السلوك الاستعراضي ومن خلال ملامستهم لأجسادهم بشكل دائم.
فإذا ما راقبنا طفلاً في هذا العمر سنجد انه يقضي نصف يومه ممسكاً بأعضائه التناسلية، وذلك ليس لمجرد الأحاسيس السارة بل لأنه أيضاً يشعر باضطراب وقلق وخوف وهو بحاجة لهذه الطمأنة.
إن كل هذه الارتكاسات لدى الطفل طبيعية في هذا السن. وأذكر انه من خلال هذه الارتكاسات فإن المرأة هي مصدر الخطر. والطفل حتى هذا الوقت قد تمثل أمه وهذا التمثل Identification الأنثوي بحد ذاته خطر بالنسبة له وأي نشاط أنثوي سينظر له الطفل على انه خطر على نموه الذكري Masculinity .
إن بعض هذه الارتكاسات يمكن أن تستمر حتى سن الرشد، فبعض الرجال يتجنبون أي نشاط معرّف على أنه أنثوي، لذلك يظهرون ذكورتهم بشكل كاريكاتوري. فمثلاً إذا ما نظرنا إلى الحنان والعواطف على أنها أنثوية سيكونون عاجزين عن التعبير عن مشاعرهم كما أنهم عاجزين عن غسل الأطباق أو تحضير طعامهم.
إن كثيراً من الرجال تكون خبرتهم مشوشة حول النساء بشكل عام، فهناك اصطلاحات أدبية وشعرية واجتماعية حول غموض ولا منطقية النساء. فقد قيل أن الرجال لا يمكن أن يفهموا النساء أبداً كما لا يمكن لهم أن يعرفوا ماذا تريد النساء لأنهن محيرات وغامضات.
وبشكل عام لا يوجد أي أساس منطقي لهذه الفكرة كما لا يوجد أي سبب يجعل فهم الرجال للنساء أشد صعوبة من فهم الرجال الآخرين. وهكذا نجد عبر التاريخ إشارات لتلك الفكرة التي تقول أن من الصعوبة بمكان أن تفهم النساء. ويمكنني القول بشكل أدق أن الصعوبة التي يواجهها الرجال هي في فهم وتخيل قلقهم من النساء.
الخوف من الإيلاج والتشويه التناسلي عند البنات
كان Freud من ضمن الذين يجدون المرأة لغزاً ولكنه اعترف بارتباكه. وفي الحقيقة أن بعض صيغه حول علم نفس المرأة قد بدت لمعظم المراقبين المعاصرين أنها متميزة وأنها تعكس النظرة الاجتماعية للمرأة في وقته حيث نجد أن بعض أفكاره مجرد تعميمات دون أن تكون مثبتة بواسطة مراقبة مباشرة للأطفال. إن العمل اللاحق الذي قامت به عدد من المحللات الإناث ومنهم ابنته آنا Anna، وميلاني كلاين Melanie Kleinقد أضاف الكثير لمعلوماتنا حول معرفة تطور البنات أثناء ذلك السن الذي نتناقش حوله وفي الحقيقة فبمجال الطب النفسي الذي قيل عنه أنه يحمل نظرة غير موضوعية للمرأة، هو المجال الذي كانت مساهمة النساء فيه أكثر من مساهمتها في أي مجال طبي وقد لاقت إسهاماتهن القبول كما أنها لم يرقَ إليها الشك منذ البداية. ويعود لهم الدور الأساس في تغيير الكثير من نظرتنا حول تطور البنات والعائدة إلى الأفكار التي طرحها Freud وأصبح بإمكاننا اليوم عرض أفكار أدق من خلال منظور أفضل.
وفي البدايات فإن فهم التطور النفسي كان يعتمد على الدراسة السريرية للمرضى الراشدين والذين يعانون من صراعات مختلفة إلى عوائق مؤدية وعقبات من عملهم وعلى غرار المألوف في الطب فإن علم الأمراض Pathology قادنا لاحقاً إلى البحث عن الوظيفة الطبيعية. وفيما بعد تمت دراسة التطور من خلال المراقبة المباشرة للرضع والأطفال بدراسات طولانية (زمنية - تاريخية أي متابعة للأطفال بشكل مستمر مع تقدمهم في السن) ووجد الكثير من الصيغ القديمة صحيحة وبعضها عدد بشكل طفيف كما وجد أن بعضها غير صحيح وبعضها عُدل بشكل كبير. هذه هي الطريقة التي نتابع بها بناء النظرية كعملية غير منتهية وترك المجال مفتوحاً لتغيرات مستمرة.
إن الدراسة السريرية للمرضى الإناث الراشدات أشارت إلى أهمية تجارب الطفولة المبكرة في تحديد التطور تماماً مثل أهمية الطفولة المبكرة بالنسبة للمرضى الذكور. إن طبيعة تجربة ارتكاس البنات عند إدراكهن للاختلافات الجنسية يعتبر تجربة هامة وسوف نشاهد ارتكاسات متشابهة وأخرى مختلفة عند البنات عما نشاهده من ارتكاسات عند الصبية، والآن لندرس استجابة البنات عندما يكتشفن أنهم لا يملكن أعضاء مرئية كتلك الأعضاء التي يملكها الصبية إن الارتكاس المشابه لارتكاس الصبي هو الخوف من الأعضاء التناسلية فيمكن للبنت أن تشعر أنها قد أذيت أو أصيبت بسوء وهذا ما أدى إلى افتقاد شيء ما. أو أنها ستشعر أنها في أي نوع من الارتباط الجنسي وخصوصاً مع وجود قضيب كبير شاهدته أثناء استراقها النظر لوالدها أو لصبي كبير، ستشعر أنها سوف تؤذى وأن أعضائها التناسلية ستتمزق وتشوه.
ففكرة حسد القضيب وهو أن البنت تريد أن تملك ما شاهدته ولكنها لا تملكه، وهذا ليس بغريب بالنسبة لطريقة تفكير الطفل بدءاً من حسد الصبي من قدرة أمه على إنجاب الأولاد. وهذا الحسد يقمع من قبل الأهل في المجتمع، فالصبي لا يسمح له بأن يرغب أن يصبح بنتاً. أما البنت التي ترغب في أن تكون صبياً يُنظَر إلى رغباتها بشكل مختلف تماماً. فهناك بعض البنات اللواتي يتخيلن أن لديهن قضيباً وأنه مختفي داخلهن تماماً كما يتخيل الصبي. وهناك أخريات يعلقن بندقية مكان القضيب ويلعبن أو يضعن عصا بين الفخذين في مكان القضيب ويقدن الحصان أو الحمار.
والأهل الذين يهتمون أكثر بالصبي يرتكسون إلى تصرف هذه البنت على أنه محبب أو على الأقل لا يتصرفون بشكل سلبي كما يفعلون مع الصبي الذي يعبر عن رغباته في أن يكون بنتاً وأن يملك أثداء وأطفال. وبذلك فإن هؤلاء الأهالي يشجعون استمرارية تخيل القضيب المختبئ عند البنت، هذا التخيل الذي كان يمكن التخلص منه بسهولة أكثر بطريقة أخرى.
إن حسد القضيب موجود عند معظم البنات في هذا العمر وهو طبيعي تماماً مثل حسد الثدي Breast envy وحسد الرحم Womb envy الموجود عند الذكور. إن استمرار هذه التخيلات حتى سن متأخر من الحياة يعتبر موضوعاً مختلفاً تماماً فهناك عدة عوامل تساهم في سبك النتيجة النهائية.
لقد ذكرت أن معظم الأهالي يعبرون عن تفضيلهم للصبي وهذا ما يؤثر في البنت الصغيرة حيث تشعر أنها أقل سروراً بنفسها كما أنها ستتوحد مع أمها التي ربما تعتبر نفسها أنها دون قيمة. ووالدها يمكن أن يكون اقل حناناً معها، وإذا كان لهذه البنت أخوة مفضلين عليها، عندها سيتعزز شعورها بالغيرة والحسد. ومن جهة أخرى فإن علاقة الدفء والحنان والمحبة مع والدها يمكن أن تساعد البنت في التغلب على حسدها وغيرتها من إخوتها الصبية كما تساعدها في تصحيح (تسوية) تماثلها مع أمها التي تملك تصور سلبي حول نفسها كامرأة.
والنقطة الأساس هي معرفة أن هذه الارتكاسات في هذا العمر مؤقتة إذا لم تعزز من قبل العائلة والمجتمع، أو من قبل الصراعات والصدمات التي تواجهها الفتاة أثناء حياتها ولكن مع الأسف فإن هذا التعزيز يوجد بكثرة في وقتنا الحاضر بالرغم من تعديل نظرتنا للمرأة. ونأمل أن هذا سيتغير عندما تصبح الفرصة متاحة أمام المرأة بشكل حقيقي.
ما هي الطرق الأخرى التي تتصرف من خلالها البنات عند إدراكهن للاختلافات بين الجنسين؟ بعض البنات يمتعضن ويستنكرن ويتخذن موقف مشاكس حيث تعلن "أنا لا املكه ولكن من يريده على أية حال" وبعضهن الآخر ينكرن ما شاهدته ثم يصدمون من منظر القضيب بعد عدة سنوات.
كثير من البنات يرتكسن كما لو أن التخيل الذي كان قد أذاهم أو أصابهم بسوء هو حقيقة واقعة، فهن يشعرن بالدونية وأنهن غير كفء ويتقبلن ذلك على انه حقيقة واقعية، ويمكن لهن أن يمارسن حياتهم مع ذلك التصور الراسخ في أذهانهن حول أنفسهم، لذلك فإنهن يشعرن بأنهن كاملات Complete إن أي من هذه الارتكاسات يمكن أن تظهر خلال مرحلة من مراحل التطور الطبيعي دون أن يستمر بالضرورة ليشكل عاملاً من العوامل الهامة المؤثرة على الشخصية فيما بعد، ومن جهة أخرى فإنه يمكن لبعض الارتكاسات أن تستمر طوال الحياة تاركة أثراً لا يمحى على الشخصية.
إن طبيعة هذه التخيلات الطفولية قد تمنع المرأة مستقبلاً من أن تحصل على قبول واستمتاع كامل بنفسها كامرأة وهذا ما يؤدي إلى استنفاذ كل مواهبها ومؤهلاتها، ويمكنني القول في هذا السياق أن Freud لم يكن محقاً تماماً حول فكرة حسد القضيب على أنها فكرة عالمية ومستمرة ولكنها يمكن أن تشكل عائق بوجه التطور السليم وهذا شائع. كما أخطأ Freud من خلال اعتقاده أن رغبة البنت في أن تملك طفلاً نابعة من رغبتها في امتلاك قضيب، فنحن نعلم اليوم أن البنات يظهرن مثل هذه الرغبات بشكل أبكر من هذا السن وذلك كجزء من تمثلهن تماماً كما يفعل الصبية.
وشرحت (في كتابي - كيف نفهم الطفل والمراهق - الصادر عن دار شعاع للنشر والعلوم 2007) أن البنت الطبيعية لديها إحساس جيد بنفسها لذلك فلا تعتبر نفسها على أنها صبي، تماماً مثل الصبي الطبيعي الذي لديه مثل هذه الرغبات والتي يعبرون عنها بطرق مختلفة بسبب الدور الذي يأخذوه وإن مثل هذه التخيلات طبيعية وتعتبر تجارب غريزية. والحقيقة إن زيادة دور هذه التخيلات وتغير طبيعتها يعتبر مركز المرحلة الأوديبية.
المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية
ويتبع >>>>>>: المرحلة الأوديبية(1)
اقرأ أيضاً:
المثابرة مقابل الدونية / التدريب على المرحاض