الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق(1)
الانفصال والطلاق
كما ذكرّت سابقاً، ليست كل الزيجات المضطربة تقود إلى الانفصال أو الطلاق، فبعض الزيجات التي قد يبدو مختلة للخارج تبقى فعالة حتى نهاية العمر. ولن آخذ بعين الاعتبار هنا التخلي أو الهجر لأنها لا تشكل طريقة ثالثة بنفس معنى الكلمتين السابقتين. وعندما يحدث الهجر فليس هناك أية فرصة للمفاوضة والتقرير بين الزوجين، والبلدان في العالم ذات قوانين الطلاق الضيقة، تسمح بمرحلة من الهجر، حتى يصبح الطلاق الشرعي أو القانوني ممكناً.
إن الانفصال قد يخدم عدة أهداف فهو يسمح ببعض الوقت للمحالة واستكشاف ما لم يقرر. وهو بالنسبة لهؤلاء الذين لا يستطيعون العودة للحالة الفردية، فإنه يقدم إحساساً بالأمان، ومن أجل الأناس النزقين فإنها تحميهم من حدوث إجراء زواجي خلال مرحلة من عدم التأكد وإعادة التلاؤم. والانفصال قد يكون الشكل الوحيد للحل المتوفر أو المقبول في ظروف محددة حيث الضغوط الدينية أو الثقافية أو العائلية ضد الطلاق قوية تماماً.
إن المعلومات المطبوعة عن الانفصال والطلاق بلغت بضعة آلاف من الكتب والأبحاث والدراسات في العالم الغربي عدا عن المنشورة على الشبكة العنكبوتية شبكة الإنترنت، متناولة جميع جوانبها، أما في عالمنا العربي ورغم الجهود التي يبذلها بعض الباحثين والعلماء إلا أنها جهود تكاد تكون فردية في معظمها ولم تزل قليلة وفي مراحلها الأولى خاصة على صعيد المجال النفسي.
وعموماً تشير كل المعطيات المتوفرة إلى ازدياد واضح في عدد حالات الطلاق وتسجل أعلى نسبة في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة.
وفيما يلي أعرض لبعض نتائج الدراسات والإحصائيات المعاصرة في المجتمع الأمريكي، إذ يلاحظ أن معدلات نسب الطلاق إلى الزواج تعطينا معلومات هامة فالمعطيات المعاصرة تشير إلى حدوث الطلاق في 33% على الأقل من الزواج الأول، و40 % من حالات الزواج الثاني، وأكثر من 50 % من كل حالات الزواج المتكررة..
وتشير الإحصاءات المعاصرة في أميركا إلى تضاعف معدل الطلاق خلال السنوات 1960 ـ 1970 وتضاعفها مرة ثانية خلال السنوات 1970 ـ 1980، وتضاعفها مرتين بين 1980 – 1990، وتضاعفها أكثر من مرتين ونصف بين 1990 – 2000..
كما أن عدد الأطفال الذين انفصل آباؤهم بالطلاق قد تضاعف قرابة الأربع مرات في الـ 50 سنة الأخيرة. وحالياً قرابة المليون ونصف المليون طفل كل عام يعاني من تحطم عائلته في الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
كما ازدادت نسبة معدلات الطلاق أيضاً بين الزوجين المتقدمين في السن بعد نمو أطفالهم، فتشير الإحصاءات بين الزوجين اللذين مضى على زواجهما 15 ـ 19 عاماً ازدادت نسب الطلاق 100% منذ 1960، واللذين مضى على زواجهما أكثر من 20 عاماً بنسبة 55% منذ 1960.
مما سبق يلاحظ إن معدلات الطلاق مرتفعة في الولايات المتحدة أكثر من غيرها، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يوجد فيها اضطراب زواجي أكثر من غيرها. لأن قوانين الطلاق والتقاليد الاجتماعية تختلف كثيراً.
ففي بعض البلدان ـخاصة في جنوبي أمريكاـ على سبيل المثال، من الصعب جداً الحصول على الطلاق إلا إذا كان الشخص شديد الثراء، أما في إيطاليا مثلاً فخلال الربع الأخير من القرن الماضي فقط وضع نظام طلاق محافظ بعد سنوات طويلة جداً من النقاشات الحادة والمباحثات والجدال.
وحتى في البلاد التي يسهل فيها الحصول على الطلاق، قد يجلب ذلك وصمة عار وفقدان للميزات وهذا واقع نلاحظه في الكثير من المناطق في العالم كالبلاد العربية والهند واليابان.
بالنظر إلى إحصائيات أخرى فإننا نلاحظ أن الطلاق حالياً أعلى منه سابقاً بين الطبقات الاقتصادية الاجتماعية المتدنية في أميركا، إذ أن الطلاق فيها على الأقل ليس امتيازاً بين الأغنياء. ويبدو أن الطلاق فيها أكثر بين الأفراد الذين آباؤهم قد تطلقوا أو انفصلوا، والمعدل أعلى بين الزوجين اللذين تزوجا بين سن الخامسة عشر والتاسعة عشر وفق أحدث الإحصاءات المنشورة.
على كل حال، فكلا الحقائق الإحصائية والملاحظات السريرية تدل على أن معظم الأفراد المطلقين يدخلون في زواجات ثانية وثالثة.
وقد نتساءل كيف يتم التعامل مع معدل الطلاق المتزايد وما هي الحوافز التي تجعل الأفراد يعودون للزواج ثانية، وماذا يؤثر هذا التصرف على الزواج كمظهر اجتماعي؟. ويبدو أن هناك القليل من المنطق لنشك بأن الأساطير والأوهام لها علاقة في الطلاق كما لها علاقة بالزواج، ونجد أن حالات الطلاق تحدث في كل فئات الأعمار، وإذا كانت الصراعات النفاسية لا تزال تعمل فعندها في كل الاحتمالات ستتداخل في إنشاء علاقة جيدة في الزواج الثاني كما فعلت في الأول.
وعلى كل حال فبعض هذه الحاجات النفاسية قد تتغير مع الزمن والنضوج, كما لاحظ بعض الأخصائيين النفسيين ومنهم سيغموند فرويد Sigmund Freud منذ قرابة القرن من الزمن في كتاباتهم العديدة عن إعانات إلى سيكولوجيا الحب، ففي حال استعمال الحنق والغضب في الماضي ضد الشريك الزوجي الأول، فإن الزواج الثاني قد يكون أفضل.
وهناك لحظات مؤكدة يصبح فيها الطلاق خطوة بناءة منمية، والبقاء على علاقة مهدمة دون أمل منها هو دلالة على حديثة مرضية لا عن صحة نفسـية وعقلية. ولكن حتى هناك، فإن كلمة تحذير يجب أن تقال لأن الشخص المطلق لا بد أن يظل مواجهاً لقلق الاستقلال، وفقدان العمل المنظم مع الأصدقاء المتزوجين، الاكتئاب،... وحتى أحياناً الشعور بالوحدة والتناقض الشديد نحو الزوج السابق، والإحساس بالفشل والخجل والذنب الموافق لإحداث الألم بالنسبة للأبناء.
ومازال الحديث مستمراً......... الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق(3)
واقرأ أيضًا:
أسباب فشل الحياة الزوجية / التراكمات في الحياة الزوجية(2) / الطلاق المتحضر (تسريح بإحسان) / آداب الطلاق في الإسلام