نقصد بالأطر المرجعية، أنها المعتقدات والقيم والعادات الخاصة والعامة، والأعراف السائدة والتي نتصرف بناءً على كون هذه الأطر هي معايير لطبيعة السلوك وتصنيفه من حيث كونه مقبولاً أم لا بشكل عام.
هذا الموضوع من المواضيع الشائكة جداً ولسنا بصدد المراجعة التامة وتغطيته تحديداً، لكن ما نهدف إليه هو الإشارة بسرعة إلى بعض جوانب هذا الموضوع بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة المواضيع الأخرى المطروحة في هذا الكتاب، بحيث نوفر الفهم الأفضل والأشمل لبقية مواضيع الكتاب، لذا سنتطرق لأهم الأمور التي تعتبر من أساسيات بناء الأطر المرجعية لدى كل منّا.
يتعرض الإنسان منذ مولده للكثير من المثيرات البيئية المختلفة، والتي يكون تأثيرها محدد بشكل كبير بطبيعة البنية الأساسية لتكوينه وهي الجينات، فنحن نرى من بداية ميلاد الأطفال أن الطفل نشط أو خامل، عصبي أو هادئ... إلخ، فنكون بذلك وكأننا ننظر للأساسيات التي سيكتمل البناء عليها من خلال الظروف التربوية وطبيعة التنشئة الأسرية والاجتماعية للطفل.
وبمرور السنوات الأولى من عمر الطفل ننظر إلى كون الطفل قد تحددت لديه أطباع وصفات أساسية وخاصة لكنها تبقى قابلة للتعديل بشكل كبير، فنرى طفلنا يخطئ بوجود ضيوف لدينا فنصرخ عليه مثلاً أو نطرده أمامهم، وقد نقول له أن ذلك معيباً، وقد تختلف ردود أفعالنا نحو تصرفه ذلك لكن طبيعة المحصلة أن الطفل يعتاد على أحد الأساليب التربوية، ويبدأ بتكوين مفاهيم سلسة وبسيطة من مثل عيب أو لا يجوز عمل كذا في وجود الضيوف.
ومع تطور الطفل وتكوّن المفاهيم المجردة، يصبح الطفل أكثر ميلاً لتكوين الأطر المرجعية ذات الأساس العقائدي؛ فنراه يواظب على الصلاة، ويتحدث عن أهمية الصبر، وتتطور المفاهيم المجردة من البسيطة إلى المفاهيم الأكثر تعقيداً، حيث يصبح الطفل شخصاً راشداً، يحكم على الأمور بناءً على التوازن، وبناءً على خصوصية المواقف رغم التمسك بالأطر المرجعية، لكن نصبح أكثر ميلاً للمرونة والواقعية بالحكم؛
خاصة إذا رافق نضجنا في هذه المرحلة خبرات اجتماعية وبيئية متعددة، فنرى أن تبني الأفكار والمعتقدات والأطر المرجعية يمر من خلال الأهل بداية، ثم الأتراب، ثم بعض الأقارب والرفاق الصغار، ثم المدرسة ورفاق المدرسة، ثم المجتمع، ثم المجتمع الأكثر انفتاحاً ووسائل الإعلام والمنشورات أو المرئيات والوسائل السمعية، ثم الحياة والخبرات الواقعية والمباشرة والتي تشمل في كيانها معظم ما ذكرناه سابقاً، لكن المهم في الأطر المرجعية كون الواحد منا يستطيع أن يحكم على الأمور بصورة واقعية وموضوعية من خلال الأطر المرجعية؛
وهذا يحتاج إلى ذهنية متفتحة ومتقبلة للتغيير، مع الثقة بالرأي الذاتي، وبذلك تكون القدرة على الحكم بالشكل المنطقي عالية، مع العلم أن من يسعون أحياناً للحكم أو الحلول المثالية قاصرون جداً، كون الحلول والأحكام يجب أن تكون منطقية وواقعية فلا وجود للشيء الكامل أو المثالي في الواقع؟
ولو افترضنا أن هناك ثلاثة أصدقاء من الأشخاص الذين يميلون للكمالية طلبنا منهم القيام بعمل ما، ترتيب مكتب على سبيل المثال، فسيقوم كل شخص بترتيب هذا المكتب بطريقتة الخاصة ويحرص على الكمالية أثناء ترتيبه، لكن بمقارنة عمل ثلاثتهم سنجد أن كلاً منهم قد رتب المكتب بطريقته الخاصة وإدعى أنها الأنسب والأكثر مثالية! وإذا قمنا بالطلب منهم تقييم الترتيب الذي قام به الآخرون فسنجد أنهم سينتقدون ترتيب بعضهم بعضاً مدعين أن هناك نقصاً في الترتيب أو إشكالية، رغم أن من رتب المكتب كان من الكماليين الذين يدعون أنهم يقومون بالأشياء بالطريقة الكاملة المثالية، ولكن ذلك سيكون باعتقادهم هم فقط.
وعلى كل حال، فإن تغيير الأطر المرجعية أو التغيير بشكل عام هو علم، لذا من المهم دائماً أن نكون على دراية بعدة أشياء قبل أن نقوم بالتغيير:
0 تحديد ما الذي نود تغييره؟
0 خلال أي فترة زمنية؟
0 لماذا نريد تغييره؟
0 كيف نريد تغييره؟
والأسئلة السابقة من الممكن أن نطبقها أيضاً قبل أن نقوم باتخاذ قرار مهم أيضاً (ماذا نريد، الزمن، لماذا، وكيف)، فالتغيير مهم في كثير من الأحيان لكن من الضرورة بمكان أن نكون واقعيون جداً في التغيير الذي نريده، لذا من المهم أن تتوفر لدينا سياسة أو خطة للتغيير، وهذا ما سنسميه (فن الممكن).
فحتى نحقق شيءً ما يجب أن يكون ذلك من خلال الممكن لدينا، فنحن على سبيل المثال لا نستطيع بناء بيت دون المواد الخام! والممكن يكون من الأشياء المتوفرة لدينا، فمثلاً أريد شراء سيارة تسهل عليّ التنقل، ولكن لا يتوفر لديّ ثمن سيارة حديثة، فأستطيع أن أحقق ذلك من خلال شراء سيارة مقبولة يتناسب سعرها والنقود المتوفرة لديّ رغم أنها قد لا تكون من النوع أو الطراز الذي أريده لكنه ما يمكنني توفيره حالياً بحيث أحقق جزءاً من غايتي، على أن أقوم بتوفير القليل من النقود بعد ذلك بحيث أتمكن من بيع السيارة وأضيف ما وفرته على سعرها؛
وبالتالي أشتري سيارة أكثر حداثة وأفضل، رغم أن السيارة الجديدة أيضاً قد لا تكون من الطراز الذي أرغب بشرائه، لكنها أفضل من السيارة الأولى التي بعتها. أو قد أبيع السيارة الأولى التي كنت اشتريتها وأدفع ثمنها كدفعه أولى للسيارة التي أريد شراءها إذا كان ذلك ممكناً، وبعد ذلك أقسّط بقية المبلغ من خلال المعاملات البنكية.
كما رأينا، فمن الممكن تحقيق هدف أو تغيير ما لكن بالتدريج، فنحن نريد تغييراً لكن من المهم توفير الممكن لتحقيق هذا التغيير (فن الممكن)، ويكون الممكن متوفراً من خلال توفير (مهارات التوظيف)، ففي المثال السابق كان الممكن توفير مبلغ (1000) دينار على سبيل المثال، لكن مهارات التوظيف تكون من خلال توظيف العلاقات الاجتماعية، للحصول على قرض من شخص، أو توظيف العلاقات الوظيفية والتجارية، للحصول على قرض بنكي، أو شراء السيارة بالتقسيط، فمهارات التوظيف تشمل مهارات توظيف العلاقات الاجتماعية، والمهارات العقلية، والقدرات الخاصة بحيث نحقق الممكن لصناعة التغيير، ومن الممكن أن تنطبق النظرية السابقة على كثير من نواحي الحياة، ولنعود لتذكر تسلسل عناصر النظرية السابق:
مهارات التوظيف فن الممكن التغيير
يريد قصي أن يكون أستاذاً محاضراً في أحد كليات المجتمع، ولتحقيق هذا التغيير، سأل نفسه ما الذي يريده؟ وقد كانت الإجابة أنه يريد في خلال أي فترة زمنية، فكان أنه يريد ذلك على الأكثر خلال سنتين، لماذا يريد ذلك؟ فكانت الإجابة أنها المهنة التي يحبها ويرغب بها، ثم أنها بداية الطريق ليكون محاضراً في أحد الجامعات الكبرى إذا نجح الأمر واستطاع أن يكمل للحصول على الدكتوراة، أما كيف يريد ذلك، فقد تبين أن وضع قصي كما يلي:
تخرج من مرحلة البكالوريوس بتخصص أدب لغة انجليزية، إذن التغيير الذي نريده خلال سنتين هو أن يكون قصي محاضراً في إحدى كليات المجتمع. أما بالنسبة للممكن فإن قصي يجب أن يكون قد تخرج وحصل على درجة الماجستير في أي تخصص جامعي، وحيث أنه لن ينال القبول في التخصصات الخاصة باللغة الانجليزية، فقد قرر أن يتقدم بطلب قبول في كلية الدراسات العليا في تخصص الدراسات الأمريكية حيث أن هذا التخصص حديث وأن عدد المقاعد الشاغرة كبير لقلة المتقدمين للدراسة فيه.
وكانت النتيجة أن صديقنا قصي قُبل في هذا التخصص، وقد كان اختياره سليماً، فقد كان من المستحيل أن يتم قبوله في التخصصات الخاصة بأدب اللغة الانجليزية، وبالتالي فقد كان سيضيع الوقت ويفوته موعد التسجيل في كلية الدراسات العليا؛
ورغم أن أحد البدائل كان التسجيل في تخصص اللغة الانجليزية في أحد الجامعات الخاصة إلا أن إمكانيات قصي المادية لم تكن لتسمح بأن يدفع المبالغ الكبيرة التي تطلبها الجامعات الخاصة، لذا فقد كان الممكن والمتوفر من الناحية المادية، ومن القبول في التخصصات الجامعية، هو المتاح الذي تقدم إليه قصي ونجح في تحقيقه.
وبعد ابتداء الدوام الجامعي أصبح التخرج من التخصص عبارة عن مسألة وقت وجهد روتيني، وقد اجتهد قصي من خلال (مهارات التوظيف) أولاً بأنه قام بالتسجيل الفصلي لعدد من الساعات بلغ (12) ساعة بحيث يجعل من تخرجة أسرع، لكن ذلك من مهارات التوظيف حيث أنه كان يحسن تقسيم وقته والضغط على نفسه ليزيد من ساعات دراسته، وبالتالي كان ذلك متعلق بقدراته الخاصة.
ثم أن من مهارات التوظيف هو البداية بنسج العلاقات الوظيفية والمتخصصة مع المحاضرين من أساتذة جامعيين، وأيضاً بالتعرف على مدراء وعمداء كليات المجتمع المختلفة، أو من هم في مراكز التأثير في كليات المجتمع، ونحن لا نتكلم هنا عن استغلال العلاقات الشخصية بشكل مادي أو أن الهدف من التعرف على الآخرين هو المصلحة الشخصية، بل نقول أن من المهم توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية خاصة المتخصصة منها في الوسط الذي نريد الدخول إليه أو التعامل معه في وقت لاحق، لأن ذلك يكون تهيئة وتحسين من الفرص المتاحة للدخول في وسط ما؛
أما العلاقات المبتذلة وذات الطابع المصلحي فقط فتكون واضحة، وهي مرفوضة بهذا الشكل، وأكبر درجة من الوضوح لها حين نرى أحدهم يتملق شخصاً ما ويغالي في مديحه، ويتنازل عن حقوقه الشخصية أمامه، بل حتى أنه قد يهين نفسه لأجله، فهنا نقول أنها علاقة مرفوضة هدفها مادي، وما ندعوا إليه عبارة عن علاقة عامة بها احترام وتقدير متبادل، إضافة إلى كونها بناءً على رغبة شخصية، فلو اكتشفت أنني لن أحب شخصاً ما، بل وقد لا تسوغ لي حتى فكرة التحدث إليه فلن أتقرب منه حتى ولو كان ذلك يحقق مصلحتي، فنحن مع حفظ الكيان الشخصي لنا ومع الاحتفاظ بكرامتنا وماء الوجه، لأن ذلك من أهم مهارات التوظيف فعلاً، والذي يحقق لنا أهدافنا مع الحفاظ على قيمنا الشخصية.
ونعود إلى موضوعنا الأساسي، حيث أن قصي الآن على وشك التخرج وقد استطاع من خلال علاقاته الاجتماعية وفترة الدراسة الجامعية أن يتعرف على عدد من عمداء الكليات الذين دعموا في اتجاه أن يصبح قصي محاضراً في كلية مجتمع، وهي الخطوة الأولى في اتجاه الخبرة التي يريد قصي التزود بها ليصبح محاضراً جامعياً، وقد أصبح قصي فعلاً محاضراً في كلية المجتمع حتى قبل تخرجه من دراسته في الدراسات العليا، وبعد تخرجه قدّر الله له أن يطلبه نفس القسم الذي درس به ليكون مساعد بحث وتدريس، وقد توظف بعدها بسنة كمحاضر جامعي في تخصص الدراسات الأمريكية، وبدأ بتحقيق شغفه بدراسة الدكتوراه.
أظن النص مترجماً في بعض أجزائه، أو أن الكاتب فكّر بغير العربية ثم كتب بها، فهو ركيك بدرجة معيبة. حاولت تغيير بناء بعض الجمل والحذف والإضافة لترقيع بعضاً من أسوء الأخطاء التعبيرية في اللغة العربية الفصيحة.
اقرأ أيضاً:
مناطق التفكير