دخلت علي وأنا في عيادتي سيدةٌ في الأربعين من عمرها محتفظةٌ بكثير من جمالها ما تزال، وجلست أمامي فسألتها الأسئلة المعتادة.... لم تتكلم كثيرا وإنما مدت يدها ببعض أشرطة الدواء وحاولت أن أثنيها عن ذلك لأنني أود سماع الشكوى لكنها قالت:
هيَ المشكلة أصلا في الدواء، وشدني أنا أن شريط الدواء الموجود في يدها لا أعرفه أنا فأمسكت به لأقرأ اسمه العلمي فإذا به أحد مضادات الاكتئاب القديمة ولا يوجد في السوق المصري بهذا الاسم ولكن له بديل، المهم أنها قالت لي هذا العقار وعقار آخر اسمه كذا....، فقلت لها قصدك كذا فقالت نعم، لقد تركت الأدوية منذ شهر، لأنني أستخدمها من زمن والمشكلة لا تحل! قلت لها إذن رجعنا أريد أنا الأعراض، وإذا الأعراض "شعورا دائما بأنها معها أحد في الغرفة، رجل، وله يدٌ سوداء يضغط بها عليها محيطا بجنبها الأيسر، ولا أحد غيرها يراه ولكنها لا تسمعه، لكن هو يسمعها بدليل أنها طلبت منه أن يغلق الشباك فإذا به يصفعه صفعا، وتساءلت يا ترى تصدقني يا دكتور؟؟، قلت لها أصدق أنك رأيت طبعا وشعرت بما تصفين، قالت لا قصدي تصدق بوجود الجن قلت لها أنا مسلم فكيف لا أصدق بوجود الجن! قالت إذن لن نختلف، أحد الأطباء في الخارج أعطاني عقارا للجنون ولكن أنا لست مجنونة بهدلني ذلك العقار، قلت لها كلامك يشخصه من لا يتفحص فيه على أنه بدايات ذهان، ولكن عفا الله عما سلف وعودي بي إلى الموضوع.
الموضوع يا دكتور شرخ كبير ألم بي في حياتي من خمس سنوات، ومن بعده وأنا اختل كل شيء في حياتي وعرفت الطب النفسي ولزمت العقاقير التي سمنتني كما ترى، والمشكلة أنني الآن لا أستطيع أن آخذ نفس العقاقير صحيح أنها تجعلني أهدأ لكنني أنام كثيرا، ولست بكامل نشاطي عندي أربعة من الأولاد والبنات وأبي الآن مريض، وأنا أعرف أن مشكلتي ليس لها حل، أو لن يحلها الدواء، والشيوخ أيضًا مع الأسف لم يقدموا لي حل وبعضهم نصحني بالطبيب النفسي، وأنا أعرف أنه لا حل.
قلت لها يهمني جدا أن أعرف أنا عن علاقتك بزوجك وما دوره في كل ما سبق، فقالت هو زوجي ولكن بدون تفاصيل فأنا لم أقل التفاصيل لأحد ولن أستطيع، قلت لها مع الأسف لذلك لم يستطع أحد أن يساعدك في حل المشكلة، قالت لا أنا لن أقول، واضطررت لاستخدام طريقتي في تيسير البوح معها، وكنت أحسب أني سأسمع عن زوج خائن أو ظالم برأيها، أو يشاهد مواقع جنسية أو.... أو.... وكانت بداية بوحها تعضد جدا توقعاتي، فقد تغير زوجها فجأة من ناحية علاقته معها وبدأ ينتقدها أثناء العلاقة الحميمة ولا يطلبها أصلا لشهور، وهي لا تعرف لماذا، وكنت أنتظر أن تبين كيف اكتشفت زوجة أخرى أو حتى عشيقة، أو ربما ميولا مثلية كانت مكبوتة، لكنني لم أتوقع سماع ما قالته في النهاية: وظللت غبية لا أفهم حتى كبر بطن البنت.....، قفزت إلى ذهني صورة الخادمة المسكينة، ولكنها صدمتني قائلة بنته يا دكتور حامل من أبوها!، وبقالهم سنين وأنا لا أدري، أخد البنت بمجرد ما بلغت وأنا لا أدري!؛
وعندما أفقت من صدمتي، كان السؤال عن البنت المسكينة أقرب إلى لساني من غيره فقالت عملنا لها قيصرية، أبوها دكتور........ يا نهار أسود: دكتور، قالت نعم لهذا السبب كانت البنت حامل وهي بكر، ولهذا رأى جراح النساء أن يجري عملية قيصرية ليحافظ على البكارة.... البنت الآن أفضل كثيرا، ولكنني أصبحت أنا المشكلة.... حتى هو تاب وما زال يحاول إصلاح ما بيني وبينه لكنني أفكر ما زلت في الطلاق لكن بعدما ينهي أولادي دراستهم، أنا المشكلة الآن، لا أستطيع أن أسامح؟!
والمشكلة الأكبر أنني لا أستطيع أن أقول لأحد من أهلي أو أهله سبب إصراري على الطلاق بعد هذه العشرة كلها 22 سنة يا دكتور كان تزوجني وأنا 18 سنة ولم أكن أعرف غيره ولا أتخيل أن يعرف غيري، أنت أول من يعرف بعدي وبعد البنت وأبيها، هنا قلت لها آه... أنت تحتاجين علاجا معرفيا يا سيدتي وهذا أمرٌ سيغير كثيرا من رد فعلك إن وفقنا الله، ولكن أنبهك فقط إلى أهمية أنه تاب وبذنبه أناب ويحاول أن يصلح وأنه عندما آذاك كان يؤذي ابنته في نفس الوقت لم يكن يخونك أنت بقدر ما كان يخون رجولته كرجل...... لمعت عيناها وبكت وناولتها المنديل، واتفقنا على لقاء آخر على الشيزلونج.