تواجه اللغة العربية مجموعة من التحديات من قبل أعدائها، سواء كانوا أبنائها الناطقين بها أو من أو من غير العرب، وقد نبّه الكثيرون إلى بعض هذه التحديات والأخطار، وناقشوا أسبابها، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه التحديات تتزايد ويستفحل خطرها، ومن هنا لابد من وقفة نراجع خلالها معاً بعضاً من هذه التحديات، محاولين الوصول إلى بعض ما نراه من إجراءات لمواجهتها، غير متناسين أن هذه القضية تهم العرب جميعاً، لأنها تمس جوهر كيانهم، وتتناول صميم وجودهم، لغتهم الأم التي اختارها الله تعالى لهم دون غيرها من اللغات.
لغتهم التي بها نزل القرآن الكريم آخر الكتب السماوية الذي تكفل الله تعالى بحفظه من كل تحريف وتبديل وتزوير، كما حدث لغيره من الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء السابقين، قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، وبالتالي حفظ هذه اللغة التي بها نزل، وهي لغة أهل الجنة، ومن هنا فإن من أول الأمور وأهمها بالنسبة للأمة العربية، الحفاظ على هذه اللغة من كل ما يشوبها في هذا العصر من شوائب بدأت تنهش أوصالها، وتصونها من عبث العابثين الذين يحاولون النيل منها.
ولنقرع معاً ناقوس الخطر أمام أولي الأمر الذين على عاتقهم يقع وضع الخطط وتنفيذها لصون اللغة، ووقف هذا التدهور الخطير في التعاطي مع الناطقين بها الذين يكادون أن يطمسوا معالمها ويحولوها إلى لغة أخرى تختلف في خصائصها عما نعرفه عنها من بلاغة الأسلوب، وعبقرية التعبير، وسحر البيان، وإيجاز اللفظ، إلى لغة لا تمت إلى عربيتنا بصلة إلا صلة الاسم، وهم يسعون من وراء ذلك -في إطار الهجمة الشرسة على الإسلام- إلى النيل منه من خلال النيل من لغته، ومحاولة القضاء عليها، وبالتالي قطع الصلة بينه وبين انتمائه العربي، ولا تقل هذه الهجمة خطورة عن وسم كل من ينتمي إلى الإسلام بسمة الإرهاب، فكأن العالم خلا تماماً من الإرهاب والإرهابيين، واقتصر هذا الأمر على المسلمين فقط دون سواهم.
إن أعداء العربية يأخذون عليها بعدها عن مواكبة هذا العصر في تطوره، ومجاراته في اكتشافاته المذهلة، وعدم استيعابها لمفردات العلوم ومصطلحاته، وأنها لا تصلح للتعبير عن الجانب العلمي من حضارة العالم المعاصرة بسبب قصورها، ويؤيد هؤلاء في آرائهم، من يعبر عن مصطلحات العلوم المعاصرة بلغتها الأجنبية دون الأخذ بما يقابلها من اللفظ العربي الذي اعتمدته مجامع اللغة في الأقطار العربية.
إن هذا الادعاء بعيد عن الواقع العملي،فقد تصدت له مجامع اللغة، والمؤسسات المشتغلة بالترجمة في عدد من الدول العربية حيث أطلقت تسميات جديدة مناسبة على أهم المكتشفات المعاصرة، أو أنها اشتقت لها هذه المسميات من جذور لغتنا العربية.
ومن المخاطر التي تواجه لغتنا تلك التي نجدها في شوارعنا،من خلال ما نقرؤه من أسماء أجنبية للمحلات التجارية أو المطاعم، اعتقاداً من أصحابها أنها أكثر جذباً للأعين، أو أنها أفضل من الأسماء العربية لها، حتى بدأت هذه الألفاظ تغزو وسائل الإعلام، أمثال: (بريك للإعلانات..) و(هاي..أوكي..ميرسي.باي)، ومنها تتسلل إلى الشارع وألفاظ العامة.
وأخطر من هذا كله شركات الدعاية والإعلان ومؤسساتها، التي لا يلتزم أصحابها اللغة الفصيحة أو حتى تراكيبها أو أساليبها اللغوية في إعلاناتهم، وقد لفت نظري تلك الأغلاط اللغوية الكثيرة التي نجدها في هذه الإعلانات، وهذا ناجم عن الضعف اللغوي للقائمين على شؤون الدعاية والإعلان.
ومن المؤسف أننا نرى الكثيرين من الناطقين بالعربية يميلون إلى اختيار الأسماء الأجنبية لأطفالهم عند ولادتهم ربما عن جهل منهم أن هذه الأسماء غير عربية،وما أكثرها في مجتمعاتنا (جوزيف-شيرين-نيفين...)، متناسين أن للكثير من الأسماء العربية وقعاً أجمل ومعنى أفضل.
إن مرد كل ما ذكرناه سابقاً يعود إلى وجود عقدة الميل عند بعضهم إلى التجديد أو التأثر بطابع العصر ومعطياته الجديدة في ظل العولمة، أو أمركة العالم، ومن هنا ندرك الميل إلى إطلاق الأسماء الأجنبية على الكثير مما حولنا في إطار البيئة والمجتمع، وهو ما تسعى إليه العولمة بالضبط من محاولة العزوف عن اللغات الوطنية واستبدال الإنكليزية بها، ومن ثم العمل تدريجياً على القضاء عليها قضاء مبرماً، وهذا ما يعرف بالغزو الثقافي الذي راح يطال اللغات القومية في محاولة لبسط الهيمنة الأمريكية على شعوب العالم، وجعل الإنكليزية لغة مهيمنة.
اقرأ أيضًا:
يوميات مجانين: عربية المصريين/ الهوية العربية ...الأمل.. أسئلة ذكية..!!/ مقعد في الدرجة الأولى قناة الجزيرة/ لغتنا الجميلة