لا أعتقد أن هناك فتاة في مصر لن تتعرض (إن لم تكن قد تعرضت بالفعل) للموقف التالي:
عريس "كامل الأوصاف" يقدمه الأهل على أنه النموذج الأمثل والمرشح الأوحد للزواج، وكأن على الفتاة أن تتزوج مجموعة من "الظروف" مستوى اجتماعي ومادي وتعليمي ممتاز، والحقيقة أن الأهل كثيرا ما يملكون الحق فيما يذهبون إليه فطبيعة دورهم في الحياة تتطلب أن يفكروا بهذا الشكل بينما الفتيات عادة ما يبحثون عن "صاحب هذه الظروف" أعني أنهم يفكرون كثيرا في الشخص نفسه، يمكن أن تفكر بعض الفتيات في "الشكل" مثلا أو قد يبحثن عن "خفة الروح والظل" ويمكن أن تكون الفتاة أكثر تعقلا وتبحث عن "شخصية" بعينها وإذا كانت معقدة ومن أصحاب "الكلام الكبير" فقد تبحث عن ذهنية معينة، ولا ننسى في هذا مسألة "المشاعر" التي قد تستبد بإحداهن حتى لا ترى فيمن اختارت عيبا ولا تبحث له عن ميزة وإنما تريده كما هو بصرف النظر عن "الظروف" وخلافه.
إذن نحن أمام وجهتي نظر في الحياة، وبصراحة الحياة واسعة جدا ومعقدة جدا، يمكن أحيانا أن يكون اختيار الأهل هو الاوفق ويمكن أن تكون مشاعر الفتاة وتفضيلاتها هي الأصدق، أسمعك الآن تقولين بماذا يمكن أن نخلص من هذا الكلام؟
والخلاصة أن مسائل الاختيار في الحب والزواج تشبه بصمة اليد، كل حالة تختلف عن الأخرى وتتميز عنها، لكن مازال هناك ما يمكن أن يقال، أعني أن تتأكد الفتاة مما تريده في هذه الحياة، ما يمكنها الاستغناء عنه وما لا يمكن أن تحيا بدونه، مثلا قد تتحمل فتاة ظروف اقتصادية صعبة ولكنها لا تتحمل شخص لا يبادلها نفس الاهتمامات والقدرة على حب الحياة أو ربما تتحمل أخرى شخص سيء الطباع ولكنها لا تقدر على الظروف الاقتصادية الصعبة وهكذا...
أحيانا ما يرى الأهل أن على العريس المنتظر أن يكون مكتملا عملاقا من البداية، لكن الموقف الأرجح في رأيي أن يسأل الأهل بل والفتاة نفسها أنفسهم هل هذا المنتظر يملك بذور شخص مسئول ناجح؟ هل لو مد الخط على استقامته سيؤدي إلى نتيجة مرضية عن مستقبل هذا الشاب؟ وقتها تجد الفتاة مبررا يؤكد أن اختيارها لا تمليه العاطفة والمشاعر فقط بل والمنطق الواثق المتفاءل بمستقبل يقدره الله.
ومع كل هذا فعلى الفتاة أن تعرف أن للتمرد ثمنا يجب أن يدفع وأن تكون على الاستعداد إذا ما أصرت على الاختيار لمعركة "طول نفس"، والمشكلة أن المعارك مع الأهل هي أصعب الأنواع لأن المعركة مع من نحب أصعب بكثير من المعركة مع من نكره، كيف؟!
في معاركنا مع من نكره لا نحرص على الإبقاء عليهم بل نسعى فقط للحصول على هدفنا من دخول المعركة معهم، بينما في معاركنا مع من نحب نحرص على الحصول على الهدف والإبقاء على علاقتنا بهم في الوقت نفسه.
إن أجمل اللحظات التي يمكن أن تمر على فتاة هي لحظة انتصار حقيقي بعد معركة تمرد واختيار لزوج محب دون خسارة الأهل، إننا يمكن أن نحصل على أكثر مما نتوقع إذا واصلنا السعي لما نريد بهدوء وأدب وإلحاح ويسبق ذلك الكثير من الاقتناع بمن نحب ومن المصالحة مع النفس.
اقرأ أيضا:
في بلد البنات / مسلمون نحو عولمة بديلة / منمنمات5 صالون الجنوب عشرة المختلفين / منمنمات6 بين كوبري تشاي وكوب الشاي