ظللت طوال رحلة العودة أطلب منه أن يحكي لي التفاصيل التي لم أحضرها.. حكي لي عن القمر الذي كان يسقط وهم يوارونه التراب وعن الناس التي كانت تخرج من البيوت فتنضم إلي طائفة المودعين وبالطبع كانوا كلهم رجالا... وصلنا إلى البلدة بعد أن كانوا قد أنهوا الصلاة بالجامع فقد تهنا عن الركب قليلا.. لكن الوقت لا ينتظر كما يخبرنا إعلان قناة الجزيرة. كان كل شيء سريعا كما هي نهايته والجميع يتساءل هل ستدفنونه ليلا وأجيب بنعم ولكن يبدو أن ذلك غير معهود.. كان بودي أن أتابع معه الطريق حتى نهايته فقد جمعتنا الصداقة والجيرة لسنوات.
احكي لي كل ما حدث فيخبرني عن القرافة التي هي أجمل من قرافاتنا في القاهرة ثم يتوقف فأستحثه كيف؟ فيعطيني الكلام بالقطارة ليس عن بخل ولكنه ربما لا يفهم وجعي. فقد قطعت تلك المسافة الطويلة كي أودعه لكني جلست بالمنزل محروقة القلب مع نساء لا أعرفهم. كنت أريد أن أودعه فتجيب إحدى قريباته لو كنت أعلم أنه يمكنكن أن ترون شيئا لأخذتكن، ولا ألومن إلا نفسي.
لو كنت قد تبعت زوجي وصممت على رغبتي. لكن حرجي من أن أخلق مشكلة في لحظة مؤلمة كهذه كان أقوى فمنعني عن حق بسيط ألا وهو أن أودعه. مر يومان والشعور بداخلي يتنامى بأني مازلت امرأة هذه الوصمة التي ظللت أهرب منها منذ طفولتي والجروح على جبهتي وركبتي شاهدة وفي صباي حيث كنت أرفض أن يعزمني زميل على ساندويتش أو حتى كوب شاي بالجامعة أو أن يحمل عني حقيبتي لكن ذات الوصمة تطاردني من جديد فلا أتمكن من أن أودعه.
ما الذي يؤلمني بالضبط. صديقي الذي عاش يحترم المرأة ويقدر عقلها وقد فقدته، أم وهمي الذي تبدد لحظة في كوني قد حققت مساواتي بجهدي وعملي فصرت أحاور الجميع مستمسكة باستقلاليتي وأنا زوجة وأم وامرأة عاملة. لكنها مساواة زائفة طالما هي فردية. فهم مازالوا يحددون لنا ماذا نلبس وكيف نتحرك ونمشي مهما تقدم بنا العمر. ولا أجد ما يعبر عن سر وجودي أكثر من كلمة قرأتها مؤخرا في كتاب "الأرض أحلى من الجنة" لخالد البري" إن روح الإنسان معلقة في منقار طائر الحرية.
اقرأ أيضاً:
اعترافاتي الشخصية:عندما تحشمت / اعترافاتي اللي يفوت ما بيموت / اعترافاتي الشخصية يا سابل الستر / المرأة الإعلامية.. تاريخ أحمله على كتفي .