: ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(3)
{اَلدَّقُّ عَلَى الأبْوَابْ}
أوحشتِني أيتها المدينةُ التي تخون من يزورها
مرّةً في العام
عندما ينكسر الظل على حنين برتقال الشجرات
تتزيّا في بهاء وجدها العريانِ
تأتيه من الخلف
تلف خصره
وحين يستديرُ كي يواجه البحرَ الذي يعلو بعينيها
وقبل أن يلمسَ عنابَ الشفاه
تنسل الأصابعُ الخئونُ في الخصرِ
لتغرزَ الخنجرَ مسموما
فينسلّ الدمُ السخينُ من عُلُوّه
يهبط مارا بالقرى والزرعِ والصحراءِ
عندها
تعودُ مرّةً أخرى إلى مجلسها القديمِ
بجوارِ الشمسِ والهوا الفرحانِ والبحرِ الذي يعلو
تُرى لماذا لا أدقّ بابكِ البهيَّ
إلا عندما ينكسر الظلّ على حنين برتقالِ الشجرات .
{اَلرَّجُلُ عَلَى هَيْأةِ الطَّيرْ}
تُرى لماذا كلما بصصتُ في المرآه
أراه
هذا الذي تخطّفتْه ذات ليلةٍ بعيدةٍ هلاوسُ البحرِ
وناداه الهوا العاري
وشدّتْه رياحُ السفرِ الطويلِ
فانداح كأنه أعمى
كأنه بلا ذاكرةٍ
كأنه بلا رفاق
وقلّد الزّجَّاجَ عندما يصنع من زجاجه البرَّاقِ طيرا
فيطيرُ
ويطيرُ مثله ؟ .
{لِقَاءٌ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينْ}
ليت أنَّا قد ظللنا صغارَا
نضرب الطوبَ على البحر ونجري
تخطف الوردةَ من كفّيَّ
كي تنتزع الأوراقَ وهي تعدها
أنفضُ القشّ الذي يسقط من سقف الشجر
ويحطّ في خصلاتها
تسألني :
هل في غدٍ ستطول قامتنا
لكي نبصِرَ أفراخَ العصافيرِ التي ترقد في سقف الشجر ؟
هل في غدٍ يمكن أن نقتطفَ الجمّيزَ ؟
أمسك كفها وأشدّها للبحرِ
كي نصطادَ ضفدعتين راكضتين بين الكلأِ المبلولِ والبحرِ
ولا نقصد إلا أننا نصطاد ضفدعتين
راكضتين بين الكلأِ المبلولِ والبحرِ
ونصطاد المحارا
ليت أنّا قد ظللنا صِغارَا .
{مُسَامَرَةْ}
هيا نقطّع بالسكّين حِصّتنا
من وقتنا المرشوش
عما قليلٍ نشتري بيتـا وفاكهةً
وألف حكاية منقوصة
كي نسهر الليلَ الحنونَ بطوله حتى طلوع الفجر .
{غَفَوَاتٌ مَنْقُوصَةْ}
حين ينتصف الليل
تخلع الفتياتُ الوحيداتُ قمصانهن الخفيفة
وينمن عرايا
يغَمِّضْنَ أعينهنَّ
فتبدأ أغنيةٌ مترقِّصةٌ تتسلل من مركب صاعدٍ في السماءِ
إلى حلمهنّ
فلا تتمشوا إذن يا رجالَ النهارِ جوارَ نوافذهنّ
فخطوكمُ سيُعَطّلُ خيطا من النايِ
ينسل في عتمةِ الليلِ
من مركبٍ في أعالي السماءِ
ليمرح في غفواتِ ابيضاضِ مناماتهنّ .
{طَارِقُو الطَرِيٌقْ}
حِصَّتي في رمل نهديكِ المقامرون خطّفوها
وحقي في مواعيدي لديك قتَّلتْه حُرْقَةُ الصحراءِ
وبقيتُ في عراءِ هذي البيدِ
كلما مرّ علىّ الراجلونَ رسموا حول خطاىَ دائرة
وتركوني
أسيرَ هذه العلامة
وواصلوا رحيلهم إليكِ
وكلما مرّ علىَّ الراكبونَ
رفعوا مواعيدي على أسنةِ الحراب
ولوّحوا لي بالأصابعِ التي تقبض حصتي في رمل نهديكِ
وكسَّروا من جسميَ الناحلِ قِطَعًا صغيرةً
كحبِّ الرملِ
ينثرونها على الأرضِ
ويعجنونها بحَبِّ الرملِ
أظلُّ طيلةَ الوقتِ وحيدا جائعا وعاريًا
بلا خُطا ولا كلامْ .
{إِضْمَامَتَانْ}
أيتها الفراشةُ البتولُ يا نبيَّةَ العينين يا ابنةَ الوهَجْ
إذا مرَرْتِ في شوارع المدينةِ الفسيحة
وقابلتِ رفاقك القدامى
وبدءوكِ بالكـلام
لا تفتحي شفاهَكِ التي ضُمَّتْ على سؤاليَّ الذيْن أرقاني
ليلةَ التقينا صدفةً في باحةِ الدَّرَجْ
فربما إذا حاولتِ أن تكلميهمُ يندلقُ الجوابْ .
{خُطُوَاتٌ إِلَى هُنَاكْ}
تعالين يا فتيات القرى
فجلابيبكنَّ يطوِّحها حين تمشين هذا الهواءُ الندِيُّ
اختبئنَ ورا الشجراتِ
تمسّكن بالجذعِ
وانظرنَ ناحيةَ الجسرِ والعرباتِ البعيدةِ
إن جلابيبكنّ إذا ارتفعتْ ستطرنَ
وسوف تصرنَ عصافيرَ حائرةً تتخبّطُ في جنباتِ الفضا
وتُنَقرُ في خَشبِ الرُّحَّلِ الراكبين
وفي خشبِ الرُّحَّلِ الراجلينَ
تعالينَ عما قليلٍ
يمرُّ الهواءُ النديُّ بِسِكَّـتِهِ
يتلفتُ لا يبصرُ الأزرقَ الرخوَ
والأحمرَ الرعَويَّ
ولا الأخضرَ التركوازيَّ في ثَـنياتِ الجلابيبِ
لا يبصر الزغبَ الأرجوانيَّ ينبض في خجلٍ بمشدّاتكنّ
الهواءُ النديُّ سيمضي بلا صيدةٍ
ويُعَرّجُ في جنباتِ الجبال.
السمّاح عبدالله
ويتبع >>>>>>>>>>: ثُلَاثَاءَاتُ عَابِرِ سَبِيلْ(5)
واقرأ أيضا :
حَالْ / سرقة / مَا أَضْيَعَكْ / يُحَاوِلُهَا الْكَافِرُونَ وَتَرْضَى / مَتَى يَأْتِي الْجَيْشُ الْعَرَبِيُّ ؟ / خَرِيفِيَّةْ / غَرَامْ