تمدد على السرير.. أطلق آهة حارة كحرارة ذلك اليوم.. في انتظار الطبيب، أغلق عينيه على اللون الأبيض لجدران الغرفة.. لون يوحي بالصفاء والهدوء عكس أمواج الأفكار المتلاطمة برأسه.. لقد كان يشعر بالتهاب أسفل قدميه.. مجرد وعكة صحية ستزول بابتلاع أقراص ما.. دخل الطبيب أخيرًا، ابتسم في وجهه قائلا:
- أهلا وسهلا، بماذا تشعر؟
أخذ يشرح مرضه باختصار.. شاشة تلفاز عن يمينه، وآلة فحص مع مادة لزجة موضوعة على بطنه تصول وتجول هنا وهناك.. هز الطبيب حاجبيه فجأة وسأل:
- هل تشكو من شيء على مستوى البطن؟
أجاب بالنفي، عاد الطبيب وهز حاجبيه في شبه استغراب.. جحظت عينا صاحبنا، سأل في قليل من الخوف:
- ماذا هناك يا دكتور؟
جاءه الخبر اليقين: أنت عندك "كيس" على الكبد وهو كبير نوعًا ما.. بعد إعادة الفحـص ، وضع الطبيب الجهاز جانبا وخرج.
على الكرسي كانت المفاجأة: يجب أن نجري لك عملية جراحية.. الدواء لا ينفع في هذه الحالة.
صمت مشدوها.. لقد عقدت المفاجأة لسانه.. لأول مرة تذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات كأقوى ما يكون التذكر.. تساءل: هل يمكن أن تكون النهاية؟ ما هذه المفاجأة يا مدينة الخميسات ويا مصحة ابن رشد؟ أتى زائرًا سائحًا وانتهى مصابًا معلقا بين الحياة والموت؟! ثم عاد فهمس: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
في المقهى كان يتأمل الواقع الجديد.. البشر مجرد كتل من اللحم تذهب وتجيء.. لا يهمه غير نفسه التي بين جنبيه، أحيانًا يمد يده يتلمس ذلك المكان من جسده المكلوم.. عطب في طور النمو.. يومًا ما سيعاني الآلام المبرحة.. قالت له أخته تنصحه وهي لا تدري أنها ترمي قلبه بسهم سام:
- هذا "الكيس" إذا تمزق وانتشر السائل على الكبد، يكون الخطر أعظم.. يجب أن تجري العملية اليوم قبل الغد.
كأن هناك قنبلة موقوتة تم اكتشافها أخيرًا حيث تهرع السلطات، الجيش، رجال الأمن، الخبراء، المواطنون الخائفون.. "أما أنا فوحدي سأواجه قنبلتي الموقوتة -قال لنفسه- سأكتم الخبر عن أحبابي حتى لا يكونوا كالمواطنين الخائفين.. وحدي والطبيب يجب أن نعمل على نزع الفتيل قبل الانفجار.. ووحدي سأكون الضحية في حالة الفشل".
رشف رشفة لم يجد لها طعمًا، أحيانًا كان يتفرس في بطون المارة.. تساءل: "هل يمكن أن يكونوا مرضى مثلي مثلي؟" وخزه ضميره: ما أدراك أنهم سيمرضون غدًا؟ بل ما أدراك أنهم سبقوك؟ ما أدراك أن مرضًا أخطر سيكون من نصيبهم؟ (للي ما أخرجْ من الدنيا ماخرجْ من عْـقايـبها)" ثم تذكر بعض الشباب ممن كانوا يعاقرون الخمر بإحدى شوارع حي النصر في وضح النهار وتساءل لم لا يمرض هؤلاء مكانه؟ -فهم يتناولون السموم- عاد فلعن الشيطان في قرارة نفسه.. تذكر ابنه الصغير إلياس فاغرورقت عيناه فجأة.. أحبه كما لم يحبه من قبل.. جاءته وسوسة من الشيطان على عجل: اسمع! العملية قد لا تنجح.. لا تنس مسألة الخطأ الطبي! عطسة واحدة مفاجئة قد تجعل الطبيب يغرس إبرته في كبدك فتودع الحياة.. أجاب ذلك اللعين بأنه بمستشفى خاص وليس بإحدى مستشفيات الدولة حيث الإهمال والرشوة وتدخلات "الوجوه" والمواعيد البعيدة الأمد و..
أخيرًا فكر في أن يتجول قليلا.. وهو يقوم، تذكر قول الطبيب له قبل مغادرة مكتبه: يجب أن تأتيني بتحليلات الدم، تخطيط القلب، ولا تنس السكانير..
واقرأ أيضا:ً
خـرج ولـــم يـــعــد / تجربة / أيام سوداء / ركلة العمر / بـيـن نـاريـن / حالة غضب