الكاتب: إيهاب رضوانالبلد: مصرنوع العمل: قصة قصيرةتاريخ الاضافة 27/03/2008 تاريخ التحديث 24/07/2019 17:31:38 المشاهدات 3943 معدل الترشيح
والله لم أقصد يا أمي.. أنا أحبك.. والله العظيم أحبك رغم كل ما كان.. صدقيني أنني حتى نسيت.. ورحمة جدي الذي كنت تحبينه نسيت كل شيء.. بالذات المرة الأولى حين قمت أشرب, فسمعت ذلك الصوت من حجرتك المغلقة.. آهات عجيبة جعلتني أشب على أصابعي لأدس عيني المزروعتين بالرمد في "خرم" الباب..من ذلك البغل الذي كان يأكلك؟ كيف تركته يعب لحمك الكثير ..الكثير هكذا.. الذي كنت تمنعينني من رؤيته عارياً كأنني لست ولداً مفعوصاً كما تقولين دائماً.. تذكرت العلقة التي أخذتها منك لما أخرجتني أنا وبهية من تحت سريرك وقلت لي: ـ يخيبك.. بتعمل إيه أنت وهي؟ حلفت لك أننا فقط نختبئ من باقي العيال.. لكنك لم تصدقيني.. من أسبوعين قلت أنني أصبحت رجلاً وطردتني من حضنك لأنام على الكنبة وسط كل العفاريت الذين تعرفين أنني أموت منهم.. وأنهم يبللون جلبابي الوحيد لتضربيني أنت كل صباح.. تذكرت كلامك وكلام الشيخ "عبد العزيز" عن النار التي سيرمينا الله فيها لو خالفنا ثلاثة: الله والشيخ "عبد العزيز" وأمهاتنا.. جعلني كل هذا أعرف أن ذلك الرجل كان يفعل بك ما يفعله غصباً عنك.. دفعت الباب وهجمت عليه.. لكنه كان بغلاً فعلاً.. فلم يمكنني إلا أن أعض يده الكافرة التي تنبش صدرك.. بعد أن زعقت فيه: ـ سيب أمي يا راجل أنت!! ياه.. كانت عضة يا أمي.. ليس أقوى منها إلا القلم الذي أعطاه لي.. فطرت.. طرتُ مثل الكرة الشراب حين يشوطها الواد "سيد" الذي أكرهه.. لابد أنك كنت تخافين منه كثيراً.. لأنك لممت صدرك كأنك تخفينه عني أنا وأخرجتني بقسوة زاعقة فيّ: ـ إنجر نام يا مقصوف الرقبة. ونمت.. نمت كالكلب أمام بابك المغلق بعد أن بكيت وارتعشت مثل نور لمبة الجاز فوق سريرك.. لكنك في الصباح كنت طيبة معي.. لم تضربيني وأنا أقف أمامك عارياً لتغسلي جلبابي المبلول.. لم تشتميني وتدعي عليّ لما تأخرت في الذهاب مع العيال للشيخ "عبد العزيز" في الجامع.. هل تعرفين.. لو كنت ضربتني ساعتها لم أكن سأبكى أبداً.. هل خفتِ منى يا أمي؟..
في الليالي التالية لم ألعب مع العيال في الجرن.. كنت أقعد على الكنبة بعد أذان العشاء بكثير.. أراقبك وأنت تسرحين شعرك الجميل الطويل الذي أحبه.. حين كان الرجل يدخل كنت أطاوع نفسي وأفكر في منظرك وشعرك هذا ملفوف على رقبتك وأنا أشده بقوة.. سامحيني يا أمي.. إنني لم أكرهك والله.. كرهت فقط ذلك البغل الذي وضع يده على رأسي مرة فأحسست أنه سيخنقني ولما حاول أن يعطيني ريالاً كاملاً رفضت.. هل كان يعطيكِ ريالات أنت أيضاً لينام في حضنك بدلاًَ منى؟.. فكرت أن الريالات هي السبب فقلت لك في الصباح أنني سأعمل من اليوم لأحضر لك ريالات كثيرة بشرط أن تأخذيني في حضنك كل ليلة.. مصمصت شفتيك ونظرت لي باستهتار قائلة: ـ عيال آخر زمن! هل أبي هو السبب؟ جريت إلى داره الجديدة العالية.. زوجته سدت الباب وهى تكذب وتقول إنه ليس هنا.. ناديت عليه وأنا أفلت من يديها.. لكنها مسكتني وضربتني.. لم أبكِ إلا حين شتمتكِ وقالت: ـ أمك "....."
هل كانت تعرف من ينام في حضنك كل ليلة؟.. هل كان أبى يعرف ولهذا طلقك؟ كثيرون يضربونني في هذه الدنيا يا أمي.. زوجة أبي تضربني لأنها تكرهني وأبي نفسه يضربني, وهو لا يراني إلا صدفة.. الشيخ "عبد العزيز" يسلخ لي رجليَّ لأنني أتأخر عليه بالفلوس.. الواد "سيد" ينام فوقي على الأرض ويكتم نفسي أمام العيال لأن "بهية" لا تلعب "عريس وعروسة" إلا معي.. أنت أيضاً تضربينني وتركت ذلك الرجل يضربني أول مرة.. خرج أبي زاعقاً فحاولت أن أغطس في حضنه الذي لم يفتحه لي.. انخرس لساني فأخذت أبكي وأشد فيه ليجئ معي.. لكنه ترك زوجته ترميني على عتبة الدار.. صحيح أن فمي امتلأ بالدم والطين.. لكنى فكرت ساعتها كيف سأقطع إذن رِجل ذلك البغل من دارنا.. جاءت "بهية" تسألني لماذا لم أعد ألعب معهم في الجرن.. فجريت معها وقلت للعيال إننا سنلعب أمام دارنا كل ليلة..
قالوا كيف نترك الجرن الواسع وأكوام التبن والقش والترعة التي نستحم ونسابق السمك فيها.. فوعدتهم أن أسرق لهم كل السكر الذي في دارنا.. سرقته من ورائك وأنت تستحمين في انتظار رجلك الذي تأكدت أنه لن يجيء هذه الليلة لأننا سنلعب أمام الدار طول الليل.. تركتهم يغلبونني كل المرات.. ولكن لما لعبنا "عريس وعروسة" لم أترك "بهية" للواد "سيد".. كله إلا "بهية" يا أمي.. هل تعرفين أنها جميلة مثلك ولها عينان واسعتان أختبئ فيهما ونحن نلعب "استغماية".. وأنها رفضت أن تأخذ مني نصيبها في السكر لأنه حرام!!.. الشيخ "عبد العزيز" أذن للعشاء بسرعة لينام.. فقال العيال كفاية لعب.. أرادوا أن يذهبوا كلهم فقلت أنني في الصباح سأعطي كل من يبقى ليلعب معي حفنة توت مثل العسل من التوتة العجوز التي عينها الله على ترعتنا قبل تعيين جد العمدة الكبير.. لم يصدقوني.. والواد "سيد" الله يلعنه قال: ـ لو كنت راجل صحيح هات لنا التوت الليلة...
نسيت أننا بالليل وجريت أسرع من طيارة الرش.. التوتة لم تكن طيبة معي.. قطعت يديّ ورجليّ الحافيتين.. وجذعها طال.. طال حتى خرم السماء.. والعفاريت بللت جلبابي كثيراً حتى أنه لن ينشف لو نشرته في نِنِّ عين الشمس.. لكنها لم تسخطني قرداً كما تقولين.. جمعت توتاً يكفى العيال المفاجيع لأسبوع.. ولما نزلت لممت كل التوت الواقع على الأرض.. هذا التوت كان غالياً جداً.. سيأكله الملاعين صحيح.. لكنه من أجل عيونك أنت.. التوت يا أمي جعلني لم أعد مفعوصاً.. فلما ألصقت كتفي بالتوتة وجدتني أنظر لها من فوق..
قابلتني "بهية" وقالت إن العيال ولاد الكلب ضحكوا عليّ وغاروا من زمان.. حلفت لها أنني سأكبس بطونهم طيناً بدلاً من التوت الذي لففته في صرة كبيرة قبل أن أجري للدار.. بابك المغلق خلعته برجلي مثل "طرزان" الذي يحلف الواد "سيد" أنه قريبه.. ارتعشت كالفرخة المذبوحة وأنا أجدكما تأكلان بعضاً مثل.. مثل الكلاب المسعورة يا أمي.. سامحيني.. لا أعرف هل وجدتني بينكما على السرير.. أم أنني رميت صرة التوت في وجه رجلك.. المهم أنني رأيت التوت يفرش السرير كله ولمبة الجاز تسقط فوقه لترش الحجرة بالنار.. هل عرفت أن رجلك جرى مع أول صرخة لك.. وأنني لم أعد مفعوصاً تبلل العفاريت جلبابه.. وأنني واللهِ.. واللهِ العظيم لم أقصد ذلك.. هل عرفت كل هذا يا أمي قبل أن تبلعك النار مع التوت المحروق؟