هي المرة الأولى التي يزور فيها هؤلاء القوم، بدا البِشر على الوجوه، انتصب الجميع وقوفًا، لغط شديد وأصوات متشابكة، لكنه يسمع من بينها كلمتين
تترددان بوضوح: أهلاً.. أهلاً!الكل يرغب في أن يُجلِسه في الموضع الذي كان موضعه.. اجلس هنا.. تتكرر الجملة على جميع الألسنة، شعر ببعض الحرج لتلك
الحفاوة البالغة.حين جلس.. ظلَّ أحدهم واقفًا.. قال بابتسامة: سأعدُّ لك كوبًا من الشاي؟ جذبه أحدهم وهو يقف قائلاً بحزم: سأعدُّ أنا الشاي!
توجهت إليه الوجوه.. وأصبح محور الحديث.. وتعالت الضحكات.
حين استشعروا منه الرغبة في الذهاب راح بعضهم يقسم عليه بالمبيت، اعتذر بأدب وتعلَّل بالأشغال، شيعوه حتى باب الغرفة ملاطفين، مقسمين عليه بتكرار الزيارة في أقرب وقت.
حين عاد في المرة الثانية، سمع تلك الكلمة تتردد من حوله مرة أخرى.. أهلاً.. أهلاً.. انتصب البعض لمقابلته، بينما كان البعض في نصف انتصابة متململة.
بعد برهة من الجلوس قام أحدهم بعد أن تلفَّت حواليه لبعض الوقت باحثًا عن فدائي آخر.. سأله: أأعدُّ لك كوبًا من الشاي؟ أجاب في خجل: لا مانع.. جزاكم الله خيرًا.
مرة أخرى التقت حوله الوجوه، خفتت فيها تلك الالتماعة التي رآها في أول مرة، ولم يخل الحديث من بعض تكلُّف، أحاديث ثنائية جانبية تبزغ بين الحين والحين.. بعد برهة شاع الملل في الحديث.. قرر أن يذهب قبل أن يتثاءب القوم! قام البعض فشيعوه بابتسامة باهتة!
للمرة الثالثة يسمع منهم تلك الكلمة.. أهلاً.. أهلاً.. يرددونها جلوسًا، بينما راح أحدهم يطرق برفق موضعًا خاليًا من الأرض بيده يشير إليه بالجلوس.
شارك في أحد الأحاديث الجانبية خجلاً من أن يظل صامتًا!
بينما كان أحدهم يقوم ناحية الحمام سأله بتكلُّف: هل أعدُّ لك كوب شاي؟ أجابه في خجل: جزاكم الله خيرًا.. شكرًا.. أجابه الرجل: حسنًا.. لست غريبًا، إذا أردت شايًا فقم فأعدَّ لنفسك، وأعدَّ لنا معك!
ترددت الضحكات هنا وهناك.. ابتسم في خجل: طبعًا.. طبعًا!
مرة أخيرة كانت في انتظاره تلك الابتسامة الباهتة حين قرَّر الذهاب!
واقرأ أيضاً:
نُخْبة! / يد غليظة تطرق الأبواب بعنف / عائد إلى الأرض / بدر / كان جدي.. وكان / القَدَرُ المسكوب / القَدَرُ المسكوب / احتياجات خاصة / طفولة مذعورة / قش الأرز / قطار آخر الليل / و. م. و. ز / شخير في غرفة مجاورة