صرخات متتالية أفزعته.. قام من نومه وقعد على سريره ناظرًا حواليه في هلع ومبتلعًا ريقه في صعوبة.. وجد عن يمينه وشماله شخصين يرتديان ملابس الشرطة، وأمامه شخص ثالث، قد وجه ناحيته جهاز «تجميد الحركة»، بينما أخذ يقرأ عليه حيثيات الاتهام الموجَّه إليه: «بلغ الوحدة من خلال مصادرها الالكترونية أنك قد تجاوزت النسبة المقررة لك من استهلاك الدهون والنشويات، كما قمت بشراء ما يزيد عن حاجتك من الحلويات والشيكولا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ما هو ردك»؟
أخذ يحملق في وجوههم وقد بدت لهم ملامح الفزع على وجهه، نظر إلى القبعات على رؤوسهم، وجد مكتوبًا عليها بأحرف واضحة (و. م. و. ز).. التي تعني «وحدة مكافحة الوزن الزائد»!
تردد في الإجابة لوهلة.. لقد أتانا في الفترة الماضية كثير من الضيوف غير المصرَّح لهم.. وقد اضطررنا إلى إطعامهم.. إنها جنحة بسيطة لا أظنها تستدعي كل هذا الفزع!
هزَّ الشرطي رأسه باستخفاف ونظر في جهاز صغير بين يديه، وجه إليه الكلام: لم يأت إليكم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية سوى زيارتين مصرح لهما.. كما أنهما لم يشربا غير العصير مع مادة محلاة صناعية خالية السعرات! ليس أمامنا سوى الاختبار إذن!
حين نطق الشرطي بتلك الأحرف رفع الآخران ملابسه.. وضعا على بطنه جهازًا ضوئيًا صغيرًا.. بعد ثوانٍ معدودة.. أخذ الجهاز يصدر أضواء حمراء مضطربة.. وضوضاء عالية!
دخلوا به مبني ضخمًا كُتب على واجهته «شرطة الأوزان»، وقفوا أمام المصعد، ضغطوا على زر الدور السابع تحت الأرض، حيث المحكمة وتنفيذ عقوبات «و. م. و. ز».
قبل أن يتوجهوا به ناحية الجهاز الضابط للأوزان أوقفوه أمام شاب رشيق يجلس خلف طاولة وأخذوا جانبًا.. خاطبه الشاب في رسمية: «حرصًا من الدولة على صحة مواطنيها وتمتعهم بالرشاقة المطلوبة لأداء وظائفهم دون جهد، ولحياة مريحة خالية من الشعور بالألم أو الذنب.. وبناء على ما تم الوقوف عليه من أدلة تثبت تورطك في زيادة وزنك.. وما قد تحقق لدينا من ثبوت التهمة.. فقد حكمنا بعرضك على جهاز تعديل الوزن».. ثم أشار برأسه للشرطي الذي اقتاده مباشرة ناحية الجهاز.
قاموا بتعريته.. وأدخلوه في غرفة محكمة.. وبدأ العمل!
أصوات هامسة وأضواء تملآن المكان.. رجال يرتدون أردية بيضاء وأغطية على رؤوسهم يتحركون بنشاط هنا وهناك.. البعض الآخر قد جلسوا ينظرون إلى بعضهم البعض ويصدرون إشارات غامضة فيما بينهم، ويهزون رؤوسهم بين الحين والحين، بينما تتحرك أيديهم خفيفة سريعة على الأجهزة أمامهم.
فجأة.. بدأت ترتسم على ملامح أحدهم علامات قلقة.. انتقلت العدوى إليهم واحدًا بعد الآخر.. أخذوا ينظرون ناحية زميلهم الأول المسؤول عن ضبط العمليات الحيوية.. بينما بدأ العرق يتصبب من جبينه، ويغمض عينيه بين الفينة والأخرى، ثم راح يهز رأسه متعجبًا.. فجأة توقفت يداه عن الحركة أرجع ظهره للوراء ونظر في وجوه زملائه.. ثم هز كتفيه في استسلام!
بعد قليل كان بين يدي رئيس الوحدة تقرير كتب أعلاه بالحروف: «ن. خ. م»؛ والتي تعني نسبة خسائر مقبولة! نظر إليها مدقِّقًا، ثم أضاف توقيعه في هدوء، فسحبها الموظف وانصرف!
عند هذا الحد أفاق السيد «بدر» على يد غليظة توقظه بجفاء، جاهد أن يفتح عينيه ونظر في الوجه المقابل له.. سمع صوت زوجته خشنًا متبرمًا.. حاول أن تفعل شيئًا مع زيادة وزنك هذه.. لم أستطع النوم طيلة الليل من صوت شخيرك!
هز رأسه في استسلام.. ثم ما لبث أن عاد إلى النوم مرة أخرى!
واقرأ أيضا:
طفولة مذعورة / قش الأرز / قطار آخر الليل / الضيف / شخير في غرفة مجاورة