لم تكن سعاد تتوقع أن تصل الأمور بينها وبين زوجها إلى هذا الوضع المتأزم، فقد تسرعت في لحظة إحباط صعبة بالاتصال بشقيقتها بعد سوء تفاهم مع زوجها عصام، وأخبرتها بتفاصيل الموقف وعن مشاعرها السلبية، وفي غضون ساعة كانت أم سعاد ووالدها يتصلون مع عصام، وقد استشاطوا غضباً، حيث أنهم لا يتوقعون أن تحدث مشكلة بهذا الشكل بين عصام وسعاد، ويبدو أن سعاد لم تقدر الأمر بشكل صحيح فالأمر لم يتعدى خلاف عابر ولحظة غضب من الممكن أن تنتهي، وبدلاً من ذلك تدحرج الأمر ككرة الثلج ليكبر منذ لحظة اتصال سعاد بشقيقتها حتى وصل الذروة بانتقال الجدل والخلاف لوالدي سعاد الذين تدخلوا بالمشكلة واتصلوا على عصام، معبرين عن استيائهم من تصرفه مع ابنتهم، ومستنكرين ما حدث بينه وبين سعاد.
كثيراّ ما نرى الأخطاء الشائعة في التعامل مع عش الزوجية، والتعامل مع بعض المشاكل الطارئة مثل أن ينتقد أحد الشريكين الآخر على موقف ما، وهذه أمور مزعجة للطرفين ولكنها ليست بالفعل مشكلة كبيرة، لكن قد يؤدي قلة خبرة أحد الطرفين إلى أن يفسرها كأنها مشكلة في العلاقة بين الزوجين عميقة.
بدايةً دعونا نتفق على أمر في غاية الأهمية، فحتى نتحدث عن مشكلة زوجية حقيقية يجب الانتباه لمعنى (مشكلة زوجية) وذلك لأن البحث في حل مشكلة لا تنطبق عليها خصائص المشكلة الزوجية الحقيقية ما هو إلا كمن يوقد ناراً في شجرة خضراء مورقة، ونقصد هنا أن طبيعة الموضوع الحاصل أو الطارئ بين الزوجين هو ما يحدد مستوى المشكلة.
ما نهدف له من رسالتنا هذه هو التوعية بطبيعة المشكلة الزوجية ومتى تنطبق عليها شروط مشكلة تستدعي حلها بجهود إضافية غير جهد الزوجين، والفرق كبير في المشاكل الزوجية حسب طبيعة المشكلة ومستواها وحدتها.
بعض المشاكل تمثل سوء تفاهم، مثل ما حدث مع زوجين عزيزين يتحدثان حول أهمية شراء بعض احتياجات للمنزل، فقال الزوج لزوجته: ولكننا في هذا الشهر دفعنا مبلغاً كبيراً لشراء أغراض متعددة، لنؤجل قائمة المشتريات للشهر القادم الذي لم يبقى لقدومه إلا 6 أيام، ولكن الزوجة فهمت من هذا الكلام أن الزوج بخيل أو أنه (يستخسر ببيته شراء اللوازم)، دون محاولة فهم وجهة نظر الزوج الذي كان مهتماً بتسديد التزامات طارئة ولم تكن الاحتياجات الحالية للمنزل أساسية، وهذه الإشكالية بطبيعتها تحدث بين أي شخصين.
وبعض المشاكل يعبر عن اختلاف وجهات النظر، فأحد الأزواج كان يعطي أهمية كبيرة لاستثمار مبلغ من المال في مشروع بسيط، بينما أصرت الزوجة أن من الأفضل شراء سيارة جديدة، واختلاف وجهات النظر يعد صحياً من بعض النواحي، فالفروق قد تعطي مجالا لتعدد وجهات النظر بطريقة صحية فيرى كل زوج جانب آخر في الأمر قد لا يكون منتبهاً له، فالزوجان عبارة عن بشر، وكل له فروق في طبيعة تفكيره وسلوكه تميزه عن الآخر، كما أنه نشأ في بيئة مختلفة على الأغلب، وله تجاربه المختلفة.
ومن أشكال المشاكل ما نراه كثيراً بالنسبة للمشاكل العابرة والتي تحدث نتيجة ظروف خارجية، أو تصرف أحد الشريكين بشكل لا يرضي الآخر في إحدى المناسبات، مثل بعض المشاكل التي حدثت بسبب اعتراض الزوج على لباس زوجته في مناسبة ما، أو اعتراض أحد الزوجين على شكل علاقة شريكه بأحد الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء، مما يعكس درجة من الغيرة أو التوقعات التي يتوقعها أحد الشريكين من الآخر، والنظر لهذه المشاكل على أنها طريقة للتعرف على وجهة نظر الآخر ومتطلبات شريكه وتوقعاته يجعلها عبارة عن فرصة أكبر للتفاهم والتواصل.
أما المشاكل الحقيقية، والتي قد تصل حدتها إلى حاجة الزوجين للمساعدة، فهي المشاكل التي تعكس خللاً في طبيعة علاقة الشريكين، أو خللاً في بناء العلاقة وبنيتها، وبالتالي يكون هذا الخلل من الشدة بحيث تصعب الحياة الزوجية معه، ويعكس صعوبة استمرار العلاقة بين الشريكين في شكلها الحالي، كمشاكل الشك الشديد من قبل أحد الزوجين بالآخر، أو الخيانة الزوجية، أو ضرب الزوج لزوجته بشكل غير مقبول.
حقيقة ما يحدث
قال الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ......} (النساء:128). من المتوقع خلال الروتين اليومي للحياة بين الشريكين، أن ينتابهما الملل أو السأم وبالتالي يتأثر مزاجهما بشكل أو بآخر، ومع وجود شريك آخر للحياة ملاصق، فقد يتصرف أحد الشريكين بشكل غير مناسب أو مزعج لشريكه، فهما يتشاركان كل صغيرة وكبيرة، وكثرة هذه التفاصيل قد تجعل من الممكن أن يختلف أحد الشريكين مع الآخر حول وجهة نظرة في إحدى هذه التفاصيل الذي قد يكون شكلياً، لكن الموضوع فعلاً لا يعتبر مشكلة حقيقية، وقد يتجاوب الطرف الآخر وكأن الخلاف دب في حياتهما كاملة وليس متعلق فقط بتفاصيل محددة، مما قد يدفعه إلى سوء تقدير طبيعة الموقف، مما يتيح الفرصة فيتدخل طرف ثالث لحل المشكلة، فيساهم هذا الطرف الخارجي بدون قصد في إيجاد مشكلة كبيرة لم تكن موجودة من قبل.
فمن المهم بمكان التمييز كما شرحنا سابقاً بين سلوك حدث نتيجة لظرف طارئ، أو لسبب عابر، أو لكون هذا السلوك هو من صفة وطبع أحد الطرفين من الزوجين، ومن الخطير جداً اعتبار الخلاف على أحد التفاصيل هو خلاف على الحياة الزوجية وطبيعتها، أو اعتبار مشكلة عادية دليل كأن هنالك خلل في العلاقة ككل، وفي بعض الأحيان ينظر إلى أن انتقاد سلوك محدد للشريك، كأنه عبارة عن انتقاد الشريك والحياة الزوجية والعلاقة الزوجية ككل.
ولنتفق أكثر أنه ليس كل سلوك غير متوافق بين الزوجين هو مشكلة، ولذلك من المهم ألا نركز على السلوك الظاهر فقط فهنالك معايير للسلوك المشكل وغير المتوافق من خلال معرفة ما يلي:
٠ السلوك الظاهر ليس صدفة وله مبررات داخلية.
٠ مدى تكرار هذا السلوك المزعج.
٠ شدة هذا السلوك.
٠ مدى تعطيل هذا السلوك لحياة الزوجين وتفاعلاتهما.
٠ مدى التأثير السلبي لهذا السلوك على الطرف الآخر أي الشريك من الزوجين.
شاهدنا في كثير من العلاقات الزوجية ممارسة أحد الطرفين لسلوك غير مناسب لكنه مقبول للطرف الآخر شريكه، أو أنه لا يعتبره سلوكاً مؤذياً له بشكل جدي، لذلك تعتبر علاقة كل زوجين ذات خصوصية بحد ذاتها، يجب النظر لها بخصوصيتها فقط، وذات فروقات واضحة عن علاقات أزواج آخرين، فلا يمكن تعميم ما حدث في علاقة شريكين على شريكين آخرين، فنحن تعرفنا على الفروق الفردية بين الأفراد، فكيف الأمر حين يتعلق الأمر بزوجين؟ فكل منهما فرد مختلف عن الآخرين بالإضافة إلى أن بنية العلاقة وطريقتها بين الزوجين في حد ذاتها بالضرورة تسبب اختلافاً في نمط وشكل العلاقة الزوجية الخاصة بهما عن نمط وشكل العلاقات بين شركاء آخرين.
ونعود لهدف المقالة الأساسي، فقبل أن نقول أن ما حدث بين الزوجين هو مشكلة، وقبل افتراض أهمية التدخل لوضع حلول لهذه المشكلة، تكمن أهمية معرفة الكيفية لتشخيص وتعريف المشكلة الزوجية، وكيف تستوفي الأحداث الحاصلة بين الزوجين شروطا تؤكد أن هنالك مشكلة حقيقية أو أن ما يحدث هو من ملح الحياة كما توصف بعض الإشكالات البسيطة بين الزوجين، وهذا لا ينفي أن بعض المشاكل تستوفي تشخيص مشكلة حقيقية، ويحتاج الأمر إلى نوع من التدخل الحقيقي الجاد، مع التكرار لأهمية أخذ نصيحتنا بعين الاعتبار بأن الخلاف أو الاختلاف بين الزوجين لا يعني بالضرورة وجود مشكلة تستدعي التدخل سواء من قبل متخصص أو من قبل الأقارب والأصدقاء، وأزمة العلاقة الزوجية ليست في الخلافات الحاصلة بين الطرفين بحد ذاتها، إنما تكمن الأزمة في كيفية تعامل الزوجين لحل الأزمة والخلاف بحيث يكونان قادرين على التفاهم والتعامل مع الاختلاف بشكل يدعم بناء العلاقة والتفاهم بينهما.
أهم معايير الأزمة
قال تعالى في سورة البقرة: {.... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...} (البقرة:229)، وقد ورد أن أبو الدرداء قال لزوجته رضي الله عنهما: "إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب".
يعتبر تكرار إساءة تفسير رأي الطرف الآخر، أول المؤشرات الممكنة لبروز مشكلة وأزمة بين الزوجين، وتزيد حدة هذا المؤشر إذا ما كان الطرف الآخر في حالة انفعالية كمروره بحالة من الإحباط، أو الغضب، أو الحزن، مما قد يؤدي إلى أن يصبح هجومياً أو دفاعياً بشكل لا يناسب الموقف الحقيقي، ولتشخيص المشكلة الزوجية يفترض توفر الشروط التالية كمعايير أساسية لتحديد وجود أزمة بين الزوجين:
1) ظهور سلوك غير مرغوب فيه من قبل أحد الطرفين.
2) الإقرار بأن هذا السلوك غير مناسب من قبل الطرفين.
3) أن يكون السلوك غير المرغوب فيه دائم التكرار بشكل عام.
4) أن يسبب هذا السلوك بشكل عام أزمة في علاقة الزوجين وتفاعلهما مع الحياة العامة.
وبدون أي من الشروط والمعايير الأربع السابقة مجتمعة، لا نستطيع فعلاً أن نقول أن ما يحدث بين الزوجين أزمة حقيقة تستدعي التدخل، مع وجود حالات نادرة قد لا تستوفي الشروط لكن تعتبر أزمة حقيقية، كإصابة أحد الزوجين باضطراب نفسي يجعله غير كفؤ وغير مدرك للمشكلة بوعي.
ومن أهم ما تظهر به الخلافات الهادمة عندما ينظر طرف إلى الطرف الآخر أنه هو المسؤول عن علاقتهما، وكأن الطرف الآخر غير مسؤول، ويزداد الأمر سوءً عند النظر للطرف الثاني بأنه خصم، ويصبح الطرف الأول من حيث لا يدري يحاول إلحاق الضرر المادي والمعنوي بشريكه، وكأنه يسعى للفوز، مع رفضه لتقبل مقترحات الطرف الآخر، وتفسير الأمر بصورة مشوهة.
الخلاف والاختلاف
قال تعالى في سورة النساء: {.... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ....} (النساء:19)
الخلاف البناء عبارة عن تباين وجهات النظر، الطباع، أو الخبرات، فيصبح اختلافاً صحياً بين طبيعة الزوجين، وبالتالي فإن ذلك يساعد كل طرف على فهم الطرف الآخر وتقبله، فاختلاف وجهة النظر الصحي يدفع الطرفين إلى السعي للاتفاق على وجهة مشتركة، وهذا يدفع الطرفين للبحث بواقعية عن الحلول، وغالباً ما تكون الحلول الواقعية هي الحلول المناسبة وليس الكاملة، فليس بالضرورة القدرة على الوصول لحلول كاملة ونهائية، فكثير من الخلافات والاختلافات ضرورية للتكامل.
كلمة أخيرة
قال تعالى في سورة البقرة: {..... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ....} (البقرة:187). إن قدرة الزوجين على تقبل الاختلافات بينهما، وقدرتهما على النظر للخلاف بأنه الطريقة للتعرف على الآخر، وبالتالي فهم الشريك المقابل، يجعل كل ما يحدث بين الزوجين مثمراً، ويمر بهما لبر الأمان، فليست الأزمة بحدوث مشكلة، ولكن الأزمة بعدم القدرة على التعامل مع المشكلة.
واقرأ أيضاً:
لم يعد خرساً زوجياً فقط.. اللعبة عامة / صفات الزوجة الفاشلة / صمت الأزواج.. طلقات في جسد الزوجات