وضوح القيم في التربية
تعرف التربية بأنها نقل معارف ومهارات واتجاهات معينة من جيل إلى آخر، والمعارف والمهارات معروفة ونقلها يتم من خلال التربية البيتية والمناهج المدرسية والجامعات وغير ذلك من طرق التعليم، لكن الاتجاهات التي تشمل ما يحبه الإنسان وما يكرهه وما يقدره ويحترمه وما يزدريه ويحتقره، وما يعجب به وما يستنكره، هذه الاتجاهات هي أخطر ما في التربية وأعظمه أهمية، لأن الدين والقيم والأخلاق والتقاليد وغير ذلك من مفاهيم كلها تنتقل ضمن الاتجاهات من جيل إلى جيل؛
والقيم هي معايير السلوك، ولا يمكن لنا أن ننقل إلى أولادنا القيم التي نرغب بها ونرتضيها لهم إلا إن كانت هذه القيم واضحة لنا نحن الذين نربي، وواضحة لأولادنا الذين يتلقون عنا ويتربون على أيدينا، لذا علينا أن لا نترك عملية نقل القيم إلى أولادنا تتم دون أن نتدخل فيها، لا لأن انتقال القيم بالطريقة العفوية التلقائية لا يكفي، بل لأن القيم التي تنتقل إلى أولادنا من خلال التربية العفوية التلقائية قيم مختلطة، دخل الضار فيها على النافع، وامتزج ما يجب تجاوزه مع ما يجب التمسك به أو ما يجب اقتباسه من القيم التي نحتاج إليها أشد الحاجة؛
وإننا في حياتنا اليومية التي نستمد فيها قيمنا من مصادر متنوعة قد تجمع النقائض والمتنافرات، إذ هنالك قيم نابعة من الدين والإيمان، وقيم آتية من العادات والتقاليد، حتى إن هنالك قيم كانت سائدة لدى العرب الجاهليين تم بعثها فعادت إلى الوجود في النفوس في هذا الزمان، وهنالك قيم مقتبسة ومستوردة من الثقافة الغربية بأصولها المسيحية واليونانية الوثنية، قيم كثيرة تعيش في نفوسنا متجاورة رغم أنها في كثير من الأحيان متناقضة متنافرة، لذا نفتقد في كثير من الأحيان وضوح الرؤية، ونقوم بتربية أولادنا على خلطة القيم العجيبة التي تسود فينا في هذا العصر.
إن علينا أولاً أن نحدد القيم التي نرتضيها لأنفسنا ولأولادنا، بحيث نختار القيم الصالحة النافعة، إذ ليست كل القيم مفيدة أو صالحة، وبحيث نختار القيم التي تنبع من إيماننا ونهجر التي تتعارض معه، وبحيث نختار القيم التي تمكننا من جعل مجتمعاتنا مجتمعات يتحقق فيها دين الله أحسن تحقيق، وتكون في الوقت ذاته أرقى المجتمعات وأكثرها تقدماً في العلم والتكنولوجيا وأقواها في كل أنواع القوة اللازمة للعزة والمَنَعة.
إن التربية الناجحة تحتاج إلى وضوح القيم لدى المربي وتحتاج إلى نقل القيم الواضحة إلى الأجيال الجديدة نقلاً واعياً مخططاً له نستخدم فيه كل الأساليب والوسائل المتاحة لنضمن وصول هذه القيم إلى نفوس أطفالنا.
إن المجتمعات الأخرى في الغرب والشرق تفوقت علينا في الكثير من المجالات، لكن يبقى مجال تفوقنا الأصلي على الدنيا بأسرها من نصيبنا، إنه التفوق في القيم ومكارم الأخلاق والدين القويم، فلنحافظ على هذا التفوق ولنضف إليه المزيد من التفوق.
ويتبع >>>>>: بصائر نفسية إسلامية (2)
اقرأ أيضاً :
التربية: دعوة إلى الله ! / حتى نعْدل إن عاقبنا / مفهوم اللغة في حياة الطفل
التعليق: الفاضل د. محمد كمال الشريف كم أسعدني أن أقرأ لك هنا وقد سعدت قديما بمتابعتك أثناء تواجدي بالإمارات العربية المتحدة...
لك قدرة نادرة على النفاذ إلى عميق المعاني طالما أذهلتني .... بارك الله فيك أنت تنبه إلى نقطة في غاية الأهمية وقضية من أهم وأحرج القضايا التي تغفل عنها مجتمعاتنا الإسلامية مع شديد الأسف...
أتمنى أن تنواصل كتاباتك على هذا الموقع المحترم المصر على انتقاء المواد المنشورة في زمن كثر فيه الغث من الكلام ...
سأتابعك