لم يكن جديدا على مسمعي ما كان يسرده علي أحد الشباب من الذين تأخر زواجهم رغم تكرار البحث عن عروس، أي أنه يكون جاهزا -في رأيه- والمشكلة من تكون المحظية التي يقع عليه اختيارها؟ كيف يختارها؟ وكيف يطمئن لاختياره؟ وكيف يتخلى عن معايير لأجل معايير؟ وكيف كان قبل الخطبة يستخير؟ ويخطب ويستخير ويستشير ويستخير، وكيف كان يرجع في الخطبة أحيانا فقط ليستريح من الصراع، وكيف كان يقرر في بعض المرات أن يتم الخطبة وينتهي مغلبا المزايا على العيوب، وهربا أيضًا من الصراع ولكن المسألة رغم ذلك كانت لا تتم لأسبابٍ شتى... المهم أنه كثيرا ما تكون لصفة الوسوسة في شكل التردد والتهرب من مواجهة اتخاذ القرار دورا محوريا في كثير من حالات عدم إتمام الزواج ولكنها لا تأخذ الشكل المزمن غالبا إلا عندما تكون أحد تجليات الشخصية القسرية Anancastic Personality أو الشخصية الاعتمادية Dependent Personality وإن بنسبٍ أقل.
وكثيرا ما كانت تُسْتعرض صفات الزوجة الصالحة كما وردت في المنقول من أدبنا العربي "إذا أمرها أطاعته، وإذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته...إلخ" والمستند إلى حديث سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خيرٌ؟ قال: "التي تسُرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره" [أبو داود].....
ورغم تكرار النقاش مع هؤلاء الزبائن حول معنى "إذا نظر إليها سرته".... وحول أهمية ذلك السرور الذي يحط على السيد آدم حينما ينظر إلى امرأته الحلال فتكون النتيجة أنه يستطيع أن يعف نفسه ما دامت مقاسات زوجته مضبوطة أو في أسوأ الأحوال مقبولة لديه،... وكثيرا ما كنت أرد موضحا أن العلاقة الطردية بين عفة الزوج وجمال زوجته تقريبا غير موجودة ولعل نسبة الخيانات الزوجية أعلى في المتزوجين من أجمل النساء.... والمشكلة أن هذا أو هذه انطباعات ولكنني أقول بفم مليء بالثقة هذا ما أراه وأفترضه فهلا ترد لي بدراسة تبين صحة افتراضي من عدمه؟ وتأكد أنني سأكون سعيدا بذلك ....
المهم أنني كنت أوصف أيضًا بأنني "نفسي حلوة الظاهر".... وأنني "أرفع من أرواح البنات المعنوية ثم أحصد الدعوات!".... وبأنني خاصة عند الحديث عن البدانة ومقاييس الرشاقة الجسدية وجداول الطول والوزن.. إلخ كنت في هذا أوصف بأنني "محبوب الكلابيظ"... وهي كلمة مصرية تعني الممتلئات من البنات... كل هذا كنت أرد عليه بأن قناعتي الراسخة هي أن المهم هو كيف نحس المرأة لا كيف تبدو لنا وأن في هذا اختلافا كبيرا ورزقا وفيراً لمن يطلب الزواج بنية العفة...
وكنت أؤكد وما أزال أن قناعتي الأساسية فيما يتعلق بمقاييس الجسد هي أن للجسد وظائف إذا كان يقوم بها كلها على وجهٍ يرضي صاحبه من الناحية الفيزيقية فإن العبث بهذا الجسد أو اعتبار الجسد البدين جسدا مريضا هو كذبة علمية تحتاج إلى تدقيق.... وأن المرأة الجميلة في الأصل وبالاقتراب من الفطرة البشرية وفي كل مكان لم تصله وسائل الإعلام المرئية (؟؟؟؟؟؟؟؟ آخر مكان في العالم أظنه كان المجتمع الموريتاني) المرأة الجميلة هي المرأة البدينة!.... بالمناسبة لي زوجتان ليست بينهما بدينة إحداهما خلقة والأخرى واعية لوزنها ليس دائما لدرجة الحمية لكنها ليست بدينة.... أي أنني باختصار لا أهتم بموضوع المقاييس وإنما بكيف تحس الناس لا كيف مقاساتهم..
وفي الجلسات العلاجية المعرفية مع هؤلاء المعذبين بالبحث عن عروس كثيرا ما كنت أعرض رؤيتي النابعة من عدل الله سبحانه وتعالى في عطائه في المرأة الحلال لزوجها وأن كل أنثى تأخذ في هذا الموضوع عشرة درجات هن رزق لها ولزوجها... بعضها فيما يظهر للخاطب والزوج فيما بعد وبعضها فيما لا يظهر، وأبين له كيف أن جزءًا كبيرا مما يخافه الناس ويتحسبون له هو العيوب التي تخفى أثناء الخطوبة لتظهر بعد الزواج... وهي غالبا المتعلقة بما لا يمكن الحكم عليه قبل الزواج.... -وإن كان يمكن أن تكون لها علامات تلتمس أثناء الخطوبة لكن هناك يبقى رغم ذلك ما لا يمكن اكتشافه-، ورغم معرفة الجميع تقريبا بذلك نجد أن الخاطب كثيرا ما ينخدع ويحسب أنه أخذ التي حازت أعلى الدرجات.... ولا يدري أنه في نفس اللحظة ينسى أو يتناسى أنه يختار قضاء وقدرا غيبيا لا يعرفه في كل قرار.....
ثم... وكثيرا بعد ذلك ما نتكلم عن الظاهر والباطن في صفات العروس المطلوبة وعن مهارات فهم الباطن مع ضرورة السماح للنفس بالتردد أحيانا على شرط أن نستطيع وقف الاجترار بإرادتنا بتذكر أن جانبا خفيا تختاره مع العروس لا يمكن أن نعرفه، وأن من تأخذ درجات أعلى في الجمال ستأخذ درجات أدنى في أشياء ربما تكون أهم مثل الخلق ومثل الوفاء ومثل الذرية...إلخ ... وكي لا نوسوس علينا التوقف عن التعمق في التفكير والتنطع بالأفكار ولنسأل الله أن يوفقنا إلى اختيار الأصلح لنا.
وكثيرا ما يتهمني بعض أصدقائي من المرضى مازحين بأنني أبدو كمن يحذر الشباب من الفتاة الجميلة على اعتبار أن الأجمل في الشكل الظاهر ستكون الأسوأ بالتأكيد فيما يخفى وكنت أقول... كي لا نطيل يحسن لك أن تتزوجها مقبولة الشكل ولا تعطي وزنا كبيرا للمعايير الشكلية إن أحسنت..... المهم أنني أبقى أوسوس مع المريض حتى نصل إلى سؤال: ما رأيك في من تظن بعد كل قياساتك أنها أخذت عشرة من عشرة فكانت ذات الجمال والمال والدين والحسب والنسب والعلم؟ أي في كل ما ظهر تقريبا..... فيقول لي أعتقد هذا غير موجود فكنت أقول: لا.... موجود... ولكن لا تنسى الجينات الوراثية، فهذه ربما يكون قدرها أن تضع لك طفلا مصابا بالقصور المعرفي.
الجديد اليوم كان أنني سألت المريض المتوتر الجالس أمامي: ما معنى إذا نظر إليه سرته؟ ما هي الأشياء أو الصفات التي تجعل النظر لشخص فعلا يستتبع السرور –متعنا الله بالسرور أجمعين-، فكان رده يعني يا دكتور تكون مستوفية لمعايير الجمال قلت له: أي معايير تقصد؟ فقال: تكون حلوة، قلت: شكلا تقصد؟ قال نعم!... فقلت له لماذا تربط سرور النظر بالمعايير الشكلية؟ هل حقا هناك ارتباط؟ وإن كان ثمة ارتباط هل هو الوحيد؟ بالتأكيد لا.... ثم ماذا عن تأثير الاعتياد على ذلك السرور؟ أليس منطقيا أن نقول أن سرور الرجل برؤية زوجته الجميلة شكلا يتناقص مع الزمن وربما حتى يحدث العكس!
ومرة أخرى تردد داخلي السؤال ما هي العوامل التي تنتج السرور عند رؤية منظر أو شخص غير جمال الصورة؟ إنها كثيرة بل إن أغلب ما نشعر بالسرور لرؤيته ليس جميلا في الشكل، ويمكننا تقسيم عوامل إدخال السرور على النفس عند النظر إلى قسمين مباشر ويشمل كل التأثيرات الحسية المباشرة كالسمع والشم... إلخ ومن المهم التنبيه هنا إلى أن كل هذه التأثيرات يحدث الاعتياد الحسي عليها بمرور الوقت ولا تبقى تمتلك نفس التأثير؛
وأما القسم الثاني فقسم غير مباشر يشمل كل ما يعنيه هذا الشخص بالنسبة لك على مستوى العلاقة الإنسانية أي أنه يشمل معنى وقيمة الشخص عندك، وبالتالي فإن المرأة حسنة الخلق يسر زوجها عند رؤيتها لحسن خلقها ولمواقفها معه ومع غيره، ومن المفيد التنبيه هنا بأن هذا المصدر من مصادر السرور لا يسبب الاعتياد، وبالتالي فلابد أن المقصد من "تسره إذا نظر" أعمق كثيرا مما يشيع فهمه بين الناس الذين يقول كل شيء في حياتهم أنهم نسوا أو لم يسمعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رواه مسلم.
ويتبع>>>>> : التي تسُرُّه إذا نظر! مَن وبمَ؟ مشاركة
واقرأ أيضًا:
كلنا فلول / بين المهدي وباسم يوسف ومجانين