طلبت مني بعض الزملاء الحديث في موضوع الوسواس القهري. رأيت أن كلمة الوسواس القهري تولد عندي مشاعر سلبية وأراها كثيرة الاستعمال من قبل المرضى الناطقين باللغة العربية. لم أستطع الحديث في الموضوع لسبب واحد وهو عدم اقتناعي باستعمال كلمة الوسواس القهري في الصحة النفسية. على ضوء ذلك رأيت أن أشارك الأخوة والمتتبعين للموقع بهذا المقال القصير حول استعمال كلمة وسواس في الطب النفسي.
التعريف الطبي النفسي
في مجال الطب النفسي وعلم النفس تستعمل كلمة وسواس Obsession لتعريف فكرة لها الأوصاف التالية:
1- فكرة تتعارض مع الذات الواعية المثالية للفرد في الغالبية.
2- فكرة يحاول الإنسان أن يقاومها ويطردها من محيط تفكيره رغم تكرار حضورها.
3- فكرة يدرك الإنسان بأنها تافهة.
4- فكرة يصاحبها أعراض من القلق.
رغم ذلك فإن كلمة وسواس في اللغة العربية غير كلمة Obsession التي تستعمل في اللغات اللاتينية. في اللغات اللاتينية ترى الكلمة تستعمل للتعبير أحياناً عن مشاعر حب أو رغبة أو الدقة في العمل كما يلي:
1- سلوك Obsessional Behaviour وهي تعبير عن سلوك غير مرضي يتصف بالدقة والبحث في التفاصيل.
2- حب Obsessional Love وهو تعبير يستعمله العامة من الناس للتعبير عن تعلقهم بالحبيب أو الحبيبة.
3- غيرة Obsessional Jealousy كثيرة الاستعمال لغيرة غير مرضية بين العشاق. البعض يميل إلى تصنيف الغيرة على بعد (أو متصل Continuum) يتراوح بين الوسواس والوهام Delusion . أما الطب الفرنسي النفسي الكلاسيكي فيعتبر غياب مثل هذه الغيرة مرضاً بحد ذاته.
4- شخصية Obsessional Personality وهي شخصية تتصف بالحرص والتدقيق في التفاصيل في العمل والسيرة الفردية وهي ليست حالة مرضية إلا إذا أصبحت وبالاً على الفرد ومن يعيش معه فعند ذاك يتم إضافة كلمة اضطراب Disorder.
ترى هذه الكلمة كذلك اسماً لأحد العطور النسائية.
في مجال الطب النفسي يضاف إلى ذلك:
1- فكرة Obsessional Thought .
2- بطء Obsessional Slowness.
3- تفكير Obsessional Thinking.
أما كلمة وسواس في اللغة العربية فهي كلمة مشتقة من وسوس "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا...."(الأعراف:20)، أما كلمة الوسواس فهي: الشيطان "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ"(الناس:4). على ضوء ذلك السؤال الذي يطرح نفسه هل يجوز استعمال كلمة الوسواس في علم النفس أو الطب النفسي؟ ترتبط هذه الكلمة:
1- بالشيطان الرجيم.
2- عمل الشر.
3- الكريه من الفعل والعمل.
4- إثارة عواطف خوف وهلع.
على ضوء ذلك فإن كلمة وسواس غير صالحة للاستعمال في مجال الطب النفسي. معظم المصابين بالأمراض النفسية يمرون بمرحلة من الانهيار المعنوي ومعرضون للاستغلال من قبل أشباه المثقفين والدجالين. يضاف إلى ذلك أن التفكير الهاجسي شائع في جميع الأمراض النفسية واستعمال هذا التعبير لا يزيد المريض إلا معاناة أكبر وألما أشد وبالتالي يؤدي إلى انهيار معنوي من جراء الهجوم على تركيبته الروحية عندما تذكر كلمة وسواس أو شيطان.
أضيف كذلك:
1- مرضى الهاجس يتحلون دوماً بالخلق والمثالية.
2- يتصفون دوماً بغياب الميل إلى العنف في الشخصية والسلوك.
3- الحرص في السلوك والعمل.
على ضوء ذلك فإن كلمة وسواس لا مكان لها في الاتصال معهم لا من قريب أو بعيد.
وصمة العار Stigma
إن الأمراض النفسية لا تخلو من ارتباطها في جميع أنحاء العالم بوصمة من العارStigma وأول محاضرة يجب أن يستمع إليها طلاب كلية الطب أو طلاب الماجستير في الطب النفسي هي عن وصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية والكثير من الأمراض الأخرى. إن العاملين في مجال الصحة النفسية يحرصون دائماً على تجاوز محنة وصمة العار واستعمال كلمات علمية أكثر تقبلاً. على سبيل المثال يكثر في هذه الأيام استعمال هذه الكلمات بدلاً من كلمة مريض Patient :
1- مستخدم الخدمة Service User.
2- العميل Client.
قلما ترى الجيل الجديد من الأطباء والممرضات والعاملين في الصحة النفسية يستعمل كلمة مريض. أما الجيل القديم المتزمت فتراه لا يتوقف عن تسفيه استعمال مثل هذه التعابير التي يعتبرها ظاهرة أدخلها اليسار السياسي وتسمى التصحيح السياسي Political Correctness ولكن الكثير منهم مع الوقت بدأ يسير مع التيار وليس ضده.
الاستنتاجات:
1- إن كلمة وسواس لا تصلح للاستعمال في مجال الطب النفسي لارتباطها بعاطفة سلبية تضاعف من الانهيار المعنوي للمريض.
2- استعمال هذه الكلمة يعرض المريض للاستغلال من قبل الدجالين.
3- ترتبط هذه الكلمة بالفكر الديني وقد يتعارض هذا مع الممارسة المهنية.
4- لابد للطب النفسي العربي أن يعمل بجدية على تشجيع مصطلحات جديدة تتلاءم مع التغيرات والتطور الذي يمر به عالمنا اليوم.
5- لست من الخبراء وبلاغتي في العربية متواضعة جداً غير أن كلمة هاجس أكثر لطفاً وربما سيتفق الطب والعلم النفسي العربي على إصدار معجم حديث عربي – عربي للمصطلحات النفسية بدلاً من ترجمتها من اللغات الأوربية.
ومن الله التوفيق.
واقرأ أيضًا:
علاقة الفعل القهري بالحدث العقلي التسلطي/ وصمة المرض النفسي: ليست من عندنا!