تصدت الإدارة الأمريكية، ومن خلفها الأمانة العامة للأمم المتحدة، لتصريحاتٍ صدرت عن رئيس الحكومة التركية (رجب طيب أردوغان)، وضع فيها الصهيونية والفاشية و"الإسلاموفوبيا" ومعاداة السامية، في خانة "الجرائم ضد الإنسانية"..!! (جون كيري) انتقد واستهجن وندّد، و(بان كي مون) وصف التصريحات بـ "المثيرة للشقاق"، أما في (إسرائيل) فقد قامت ولم تقعُد بعد!
في تراث الأمم المتحدة وأراشـيفها، ثمـة فيض من القرارات الدوليـة التي طالما صدرت بتأييدٍ من غالبيـة الدول الأعضاء، وصفت فيها الصهيونيـة كحركـة عنصريـة... وقصـة القرار الأشـهر للجمعيـة العامـة رقم 3379 الذي صدر في تشـرين الثاني عام 1975، وعدَّ الصهيونيـة شـكلاً من أشـكال العنصريـة والتمييز العنصري ـ قبل أن تشـترط (إسـرائيل) إلغاءه للمشـاركة في مؤتمر مدريد، وكان لها ما أرادت في كانون أول 1991 ـ قصـة هذا القرار أكثر من معروفـة للجميع.
ثمة فيض من القرارات الدولية التي تذهب جميعها لوصف (إسرائيل) والصهيونية بالعنصرية وتهمها بمقارفة الجرائم والاغتيالات الإرهابية... من القرارات الخاصة بمجزرة قبيّـة وقبلها إغتيال (الكونت بيرنادوت)، إلى تلك الخاصة بمجزرة قانا والاعتداءات على المدن الفلسطينية والعربية، فضلاً عن عمليات ترحيل المدنيين وسوء معاملة الأسرى المستمرة، وجميعها ممارسـات تندرج في سـياق الجرائم ضد الإنسـانيـة وانتهاك اتفاقيات جنيف.
ولم يكن القضاء الدولي بعيداً عن هذا المنطق، وتلك اللغة، بدلالة تقرير (جولدستون) وقرار المحكمة الدولية حول الجدار، وثمة توثيق حقوقي دولي لاتهامات (لإسرائيل) بممارسة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ودائماً من دون أن تلقى عقاباً، بسبب الحماية الدولية المقدمة لها، خصوصاً من الولايات المتحدة..!!
بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإن ما نقلته ذاكرة الأهل والآباء والأجداد من قصص وحكايات مروّعة عن جرائم العصابات الصهيونية، ومن بعدها "جيش الدفاع الإسرائيلي" ـ جيش العدوان الصهيوني ـ، لهو أقوى إدانة (لإسرائيل) والصهيونية بوصفها حركة عنصرية، وأدق توصيف لممارساتهما بوصفها جرائم ضد الإنسانية...؛ فالضحايا هذه المرة، هم أقرباء وأنسباء من الدرجة الأولى، وشهود العيان هم الأهل لمن قضى منهم ومن ينتظر، فضلاً عن حقيقة أن كاتب هذه السطور نفسه، ما كان اسمه ليدخل سجل اللاجئين قسراً عن وطنهم وديارهم، بفعل المجازر وجرائم التطهير العرقي، إلا بفعل الجرائم ضد الإنسانية التي قارفتها (إسرائيل) والعصابات الصهيونية.
لم يقل السـيد (أردوغان) في تصريحاتـه أمام مؤتمر فيينا لتحالف الحضارات شـيئاً خارج هذه المواثيق والقرارات والمرافعات الحقوقيـة الدوليـة، وبالاسـتناد إلى القانون الدولي والقانون الدولي الإنسـاني، لكن معايير العالم المزدوجـة ونفاقـه المُكلف (لإسـرائيل) والصهيونيـة، جعل من السـيد (أردوغان)، هدفاً لحملـة مكارثيـة شـعواء، تريد مصادرة حريـة الرأي والحق في التعبير عمّا تُجمع غالبيـة البشـريـة على وصفه بالمسـلمات.
والمؤسف حقاً، أن أحداً من المسؤولين العرب أو الفلسطينيين، لم ينبرِ للدفاع عن مواقف الزعيم التركي، أو يُعيد التأكيد عليها...!!! فقد طوى العرب والفلسطينيون "الرسميون" صفحة القرار 3379 منذ أن بدأت عملية السلام البائسة والمترنحة... من دون أن تستثيرهم عشرات المجازر والحروب والجرائم التي قارفتها (إسرائيل) منذ نهاية العام 1991 وحتى اليوم، لاستعادة زمام الأمور وإعادة طرح المسألة من جديد على كافة المحافل الدولية، وفي مسعى لتسمية الأشياء بأسمائها.
وإذ يعترف كاتب هذه السطور، بأن صورة "التجربة التركية" و"حزب العدالة والتنمية" و"الزعيم أردوغان" قد اهتزت لديه كثيراً على وقع التطورات والتبدلات الأخيرة في الموقف التركي، لا سيما بعد إندلاع الأزمة السورية، إلا أن هذه التصريحات، ومن قبلها مشاركة الوزير (أحمد داود أوغلو) في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انتهت بالاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة ـ لم يُشارك فيها أي وزير خارجية عربي ـ، ستظل من النقاط المضيئة في التجربة التركية.
نأمل أن يكون السيد أردوغان قد علّق الجرس من جديد، وأن تحرك تصريحاته الاستعداد في الأوساط الفلسطينية والعربية، لمعاودة الهجوم السياسي والدبلوماسي والحقوقي والإعلامي على دولة الاحتلال والعنصرية والتمييز العنصري، لوضعها من جديد في المكانة التي تليق بها، كدولة مارقة وإيديولوجيا عنصرية.
الدستور، عمان، 3/3/2013
واقرأ أيضاً:
من يُحاسب هؤلاء!؟