لم يتردد نتن ياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في السفر إلى الصين وفق ترتيب زيارة مسبق على الرغم من العدوان الصهيوني على سوريا بتاريخ 5/أيار/2013. أدار نتن ياهو ظهره وكأن شيئا لم يكن، تاركا لجموع العرب وبعض حكامهم وأحزابهم وشخصياتهم استنكار وشجب العدوان كيفما يحلو لهم.
ولم يتردد العديد من العرب على مستوى حكام وقيادات وأحزاب في، إلا من حزب الله، ترديد العبارات الممجوجة والمجترة من شجب واستنكار ولعن لإسرائيل ومن والاها، والتي هي بحد ذاتها رسائل طمأنة لإسرائيل. لقد طمأن العرب إسرائيل بأن أسطوانة الشجب والاستنكار دائما جاهزة، وما عليها هي إلا أن تقتل وتدمر دون أي اعتبار لعواقب وتداعيات.
مع الإدراك التام بأن العدوان الإسرائيلي لم يكن عدوانا محصورا برؤية إسرائيلية، وإنما جاء ضمن رؤية أمريكية أطلسية عربية ليكون رسالة واضحة لروسيا وإيران وحزب الله، إلا أن تاريخ الأنظمة العربية بعدم الرد على الاعتداءات يشكل الإطار الواضح لجرأة إسرائيل على المهاجمة دون رادع أو تردد. لم يكن للعدوان قيمة استراتيجية من ناحية نوعية الأسلحة والذخائر التي تم تدميرها، لكن قيمته تنبع من زاوية تأكيد الأمريكيين بأن الدول الغربية وإسرائيل ومن حالفهما من العرب لن تسمح أيضا بتقدم الجيش السوري على حساب المعارضة. لكن هذا التأكيد لم يكن ليتم بهذه السهولة لو حسبت إسرائيل أن الرد سيأتي فورا مهما كلف الثمن. وللتوضيح، لا تجرؤ إسرائيل على مهاجمة مواقع حزب الله في لبنان لأنها تدرك تماما أن رد الحزب سيكون فوريا بغض النظر عن النتائج المترتبة.
اعتادت إسرائيل على جبن النظام، وعلى مقولته التقليدية التي تقول إن الرد سيأتي في الوقت والمكان المناسبين، ولم يجد نتن ياهو مشكلة في مغادرة حصنه دون أن يلتفت إلى الوراء. لو لم تعتد إسرائيل على سلوك عسكري معين من قبل سوريا، لما قامت بالضربات أصلا، ولما استهتر رئيس وزرائها بالعرب فيما لو قرر الضرب.
مع الإدراك التام لخطورة أي رد سوري على سوريا والمنطقة عموما، إلا أن عدم الرد ينطوي على خطر أكبر متمثل باحتقار العربي لذاته وفقدان معنوياته والجنوح نحو الاستسلام والخنوع. استمعت للعديد من الخبراء العسكريين وعلى رأسهم السيد أمين حطيط والسيد وليد سكرية، لكنني أنظر إلى الأمر من زاوية البناء السياسي وليس القدرة العسكرية. هناك خطر نشوب حرب على مستوى المنطقة فيما إذا ردت سوريا على العدوان، وهو خطر سيصيب الجميع، أما عدم الرد فينطوي على خطر لا يصيب إلا العرب الصامدين في وجه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
في الفكر السياسي، هلاك المعنويات والشعور بالذل والهوان أخطر بكثير من خسارة المنشآت والنفوس لما في الهلاك المعنوي من قتل معنوي جماعي للإنسان. وهذا هو أكبر بلاء حل في الأمة العربية إذ استهتر حكامها بكرامتها وعزتها وتذرعوا دائما بالمحافظة على ما يسمونه بالمنجزات المادية، وعلى نفوس الناس من الموت. لقد قتلوا أغلب الناس معنويا، وقادوا الأمة من هزيمة إلى هزيمة، ومن فشل إلى فشل، ومن إحباط إلى إحباط حتى غدت أضحوكة أمام العالم. أولئك الذين لا يرتقون فوق الأحذية لا يصنعون التاريخ، ولا يحققون المجد، ولا يحققون الإنجازات في مختلف ميادين الحياة.
لا توجد حروب بدون خسائر في النفوس والممتلكات، لكن الذي لا يريد أن يقبل هذه الخسارة إنما يطوع نفسه للهزيمة.
ومن يريد بناء توازن استراتيجي مع عدو، أو أن يشق طريقه نحو التقدم والبناء والعدالة عليه أن يحرص على بناء الإنسان وإلا ذهبت جهوده هباء. الرد على العدو يشكل رسالة واضحة للعالم، لكن الرسالة الأهم موجهة إلى الشعب ومفادها التأكيد على الحرية والكرامة والاستعداد للتضحية دفاعا عن الحقوق. عندها تتوحد القيادة والشعب، وترتقي قوتهما بتوال هندسي.
ولهذا من المهم إطلاق رصاصة على العدو أو صاروخ لا يحمل رأسا متفجرا. المطلوب إيصال رسالة لجماهير الأمة أن العرب ليس مجرد جمع من مهرجي الاستنكارات.
7/أيار/2013
واقرأ أيضاً:
الحذاء العظيم / إلى القيادة السورية سوريا أمام مهمة تاريخية / بطيخ جنين والخيانة الوطنية