من عجائب ديمقراطياتنا، أنها تلد حالات استبدادية جديدة ذات مسميات أخرى.
إذ أوجدت استبداد الحزب والفئة، ودساتير لا ديمقراطية، أو فيها مواد تقتل روح الديمقراطية، وتمنعها من الصيرورة والتحقق الصحيح. والسبب الجوهري الذي يدفع إلى ذلك، هو انعدام تجارب الحكم الديمقراطي في الدول العربية المعاصرة.
فالقوى التي تسنمت الحكم، لا تجد أمامها إلا تراث الأنظمة المستبدة التي ذهبت، وتركت الساحة بلا مرتكزات دولة. فألقت بنفسها في متاهات، تطارد فيها سرابا تسميه الديمقراطية.
كما أنها لم تمارس تجربة حكومة الظل قبل تسنم الحكم، ولم تكن لديها تجارب وسيناريوهات لحكم ديمقراطي، وإنما أجندات وتصورات، ما حسبتها ستتحقق بهذه السرعة الدراماتيكية المدهشة، مما أفقدتها توازنها وحكمتها، ودفعتها إلى فهم آخر منقطع عن الواقع اليومي المعاش، فتحصّنت في صوامعها، وكأنها في الحكم.
ووفقا لقلة التجربة وضعف الخبرة، لم تجد مناصا من إعادة إنتاج الاستبداد، وحسبانه سلوكا ديمقراطيا، وبذلك استفحل الفساد؛
وتمحّنت الدول في مشاكل متفاقمة لا تجد منها مخرجا؛
وتزعزعت القيم الوطنية، ومعاني المواطنة والدستور والقانون؛
وما عادت المصلحة العامة هي الغاية، بل مصلحة الأفراد والجماعات والفئات؛
والأحزاب التي تورّطت في الكراسي وتمسّكت بها، على أنها صاحبة الحقيقة والحق لوحدها، وما عداها لا يتفق وتوجهاتها المحصورة في نطاق نظرتها العقائدية.
وعاشت الديمقراطية!!
واقرأ أيضاً:
الانتحار الديمقراطي!! / الرعيب العربي!! / الرسوب الديمقراطي!! / تكريسُ المُكّرَس!!