لي موقف من (أردوغان)، المعادي لحرية الرأي والتعبير وإغلاقه مواقع التواصل الاجتماعي، ولستُ من أصحاب تعميم التجربة التركية فهي تجربة مختلفة والأتراك مروا بمخاضٍ وتجربةٍ ومعاناةٍ كبيرةٍ مع العسكريين وغيرهم إلى أن وصولوا إلى ما هم فيه الآن، وجرت عملية إقناع بين التيار الإسلامي والعلمانيين وقبول الآخر. لذا فتركيا مازالت محصنة، والأتراك مازالوا يُمارسون الديموقراطية ويستطيعون خلع من لا يُريدونه بالانتخاب والتوجه إلى صناديق الاقتراع، والانتخابات تتم وفق المعايير الديموقراطية، وكل الأطراف تُقر بالنتائج. ومع ذلك أمام تركيا، خاصة "حزب العدالة والتنمية"، تحديات كبيرة داخلية وخارجية.
ومع أن فوز "حزب العدالة والتنمية" التركي في الانتخابات البلدية يُعتبر مؤشراً على قوة الحزب وزعيمه (طيب رجب أردوغان) بإعتباره استفتاء على حكمه بعد تُهم الفساد التي طالته وأركان وزارته، والانتخابات أثبتت أن الشعب التركي منخرط في العملية الديموقراطية وحماسته لها مهما كانت خلفياتها وأسبابها ومبرراتها. ويُحاسب المسؤولين من خلال التوجه إلى صناديق الانتخابات، فيُشاع أن نسبة التصويت وصلت إلى 90%.
لسنا في صدد تقييم حكم (أردوغان) وتجربته وسلوكه خاصة في الفترة التي سبقت الانتخابات وإغلاقه مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) و (يوتيوب)، ففوز "حزب العدالـة والتنميـة" جاء من خلال قناعـة قطاع كبير من المواطنين الأتراك أنـه يُقدم لهم خدمات كبيرة في البلديات، أهمها الصحـة، وهو ما أسـهم في اسـتمرار الدعم الشـعبي لـه، وأن غالبيـة الذين صوتوا "للعدالـة والتنميـة" هم المسـتفيدون منه مادياً مباشـرة.
فالحزب يُسيطر على جميع مرافق ومؤسسات وأجهزة الدولة التي تعني توظيف مئات الآلاف من المواطنين وتحقيق مكاسب تُقدر بالمليارات، وكذلك المساعدات المادية والعينية والخدمية التي تُقدمها البلديات للملايين من المواطنين الفقراء، وهمهم الوحيد حياتهم اليومية. ما يعني أن المواطن التركي فضَّل مصالحه المادية الشخصية على عقيدته الدينية والعادات والتقاليد التركية التي ترفض الفساد بكل تفاصيله، وترك القضية للقضاء للتحقيق فيها.
فوز "العدالـة والتنميـة" يعني انتصار (أردوغان) الذي جاء من خلال فهم عقليـة الطبقات المتوسـطـة والفقيرة من الشـعب التركي التي جاء من بين صفوفها، وأدرك كل طموحاتها ومطالبها اليوميـة البسـيطـة بعيداً عن كل المقولات الكبرى، بالرغم من اسـتغلالـه لعواطف المواطنين الاتراك ودغدغـة مشـاعرهم عندما تحدث عن تحدياتـه للقوى الإمبرياليـة والصهيونيـة والصليبيـة باسـم الإسـلام والأمـة التركيـة العظيمـة وريثـة الإمبراطوريـة العثمانيـة.
(أردوغان) انتصر في تركيا ولم ينتصر في فلسـطين والوطن العربي، ما احتاجـه الأتراك هو الاحتشـاد أمام صناديق الاقتراع، وعبروا عن رأيهم وغضبهم هناك، التداول على السـلطـة والدسـتور والقانون هو الفيصل بينهم وليـس الأجهزة الأمنيـة والقمع والقتل والاسـتبداد!! قال (أردوغان): “هذا اليوم هو عرس لتركيا، يوم انتصار لأمتنا،77 مليون مواطن يقفون معاً كإخوة “. فالتنمية والاقتصاد هما السبب في تمسك العمال والطبقات الفقيرة به.
في تركيا ذهب الناس للانتخاب والمحاسـبـة للدفاع عن مصالحهم، فهم توجهوا لصناديق الاقتراع، أما نحن فالناس في بلادنا يتوجهون لمنظمات حقوق الإنسـان للشـكوى، وللمطالبـة بحقوقهم ضد القمع والقهر والانتهاكات، وقلـة الحيلـة وبدل أن يتوجهوا لصناديق الانتخابات، يتوجهوا ويصطفوا طوابير أمام مكاتب الشـؤون الاجتماعيـة و (أونروا) ومنظمات الإغاثـة لعوزهم وفقرهم، وازدياد البطالـة. (أردوغان) مشـكلات بلاده صفر، ونحن مشـكلاتنا مليون تحت الصفر.
وبدلاً من البحث في وسائل وتعزيز العدالة وإقرار قوانين تُعزز صمود الناس وضمان توزيع الثروة بين الناس للقضاء والحد من الفقر والبطالة، نبحث في قوانين لعقاب السارقين والمُدمنين الاضطراريين الهاربين من الفقر والخوف، وليتم جلدهم وقطع أرزاق أصحاب المقاهي وتوقيعهم على تعهدات بالتوقف عن العمل، وبدلاً من إصدار القرارات بالتخفيف عن كاهل الناس نُصدر أوامر وقرارات وقوانين ونبحث عن ما يُسيء للناس وإهانة كرامتهم. من يريد الاحتفال وتوزيع الحلوى بفوز (أردوغان) وحزبـه فليُقدم نموذجاً عصرياً في العدل واحترام حقوق الإنسـان وحرياتهم وحفظ كراماتهم!!
والأهم هو الحديث عن واقعنا المأسوي بموضوعية وواقعية وليس بيع الناس الوهم، من خلال الادعاء أن الحكومة استطاعت التغلب على مشكلاتها بالتنمية والقضاء على البطالة والحد من الفقر، وقدرتها الفائقة على التبسيط من خلال تقديم رؤية رومانسية خادعة، فهذا لن يُخرج الناس أو الحكومة من أزماتها، فتعزيز صمود الناس والانفتاح عليهم والعمل بكل مسؤولية من أجل إتمام المصالحة هو من الحلول الرئيسة لأزماتنا المتلاحقة.
نقلا عن : مدونة مصطفى إبراهيم/ كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان ـــــ فلسطين
02/04/2014
واقرأ أيضًا على مجانين:
ذكرى النكبة: النكبة نكبات تتجدد يومياً/ هنا القدس...!/ فتوى يهودية بإقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين/ عرفات ينهض من قبره