خطر لي اعتذار صعب ظريف مهذب، يمكن أن يكون لسان حال رجال الأعمال الشرفاء الذين حافظوا على اقتصادنا الوطني في عهد مبارك، لكنهم أساؤوا إرساء العدل في توزيع ناتج نجاحهم، الاعتذار استعرته من مجلتي المفضلة "ميكي"، حين قالت عصابة القناع لعبقرينو وهم يسرقون جهاز الاستنساخ الجديد الذي اخترعه، وهو ينبههم أن "يحاسبوا عليه، لأنهم لا يسرقون سوبر ماركت" فقالوا له وهم يقيدونه برفق "لا نريدك أن تأخذ الأمور بشكل شخصي، فنحن لصوص ولسنا مجرمين"! (ميكي العدد 524 بتاريخ 13-2-2014).
سألت نفسي، يا ترى ما هو الفرق بين أن تكون لصا، وأن تكون مجرما، وتذكرت أرسين لوبين، وعلى الزئبق المصري، وغيرهم، وبالرغم أن عصابة القناع لا تسرق من الأغنياء لصالح الفقراء، فإن التعبير شدّني، حتى قلت: ألا يمكن أن يكون اعتراف رجال الأعمال الشرفاء بخطئهم في نسيان قيمة العدل في استمرار نجاحهم، مع تمام وطنيتهم، بنفس هذه الطريقة فيقول لسان حالهم مثل عصابة القناع "..نحن لصوص ولسنا خونة".
تبينت حقيقة المعركة بين الرأسمالية القومية، والرأسمالية المعولمة، التي لم تعد تستحق حتى صفة الرأسمالية، فهي المالية المفترسة المحتكرة، يجري هذا على مستوى العالم، وليس فقط في تفاصيل ما يراد بنا قبل وبعد الربيع العربي، المعركة دائرة بين أوروبا وبين أمريكا الرسمية والمالية، بل هي دائرة في أمريكا نفسها حيث تحاول الرأسمالية القومية الأمريكية أن تقف في وجه هذه الإغارة الاحتكارية العولمية المتعملقة بشكل أو بآخر.
الذي حدث أيام مبارك، أنه قد نجح بعض رجال الأعمال الناجحين الشرفاء (الأغبياء اجتماعيا وسياسيا) في الدخول في هذه المعركة حتى بدون قصد، وربما بدون وعي، لكن ثمة رأسمالية نمت، وصدّرت، ونجحت، ثم توقفت عند هذا الحد وافتقرت إلى بُعد النظر الذي يحافظ على نجاحها وهو العدل الحقيقي،
وأن يحوز العامل الوطني المشارك في نجاحها على نصيبه من هذا النجاح بإرساء العدل التام أو حتى العدل الممكن، فكان ما كان، وزاد الغضب، وتراكم حتى اشتعل، وانهار البناء، وما أن حدث ذلك حتى أفاق هؤلاء الرأسماليون من غفلتهم، أو انتبهوا إلى سوء حساباتهم، لكن كان الوقت قد فات، وصنفوا بعجلة انتقامية، وتعميم حاقد، على أنهم فاسدون ولصوص وراشون ومرتشون،
لكن والحمد لله لم يصنفوا "خونة"، لأنهم، برغم سوء التوزيع، لم يخونوا وطنهم، لم يخونوا الرأسمالية الوطنية أو القومية، كما لم يتآمروا لصالح الرأسمالية العولمية على حساب استقلال بلادهم الاقتصادي،
لكن الشجب امتد إلى كل شيء وكل أحد، وأصبحوا جميعا فاسدين يستحقون هم وأعمالهم الرجم والشجب والتحطيم،وعاد بعضهم نادما أو متعلما أو متراجعا، وربما اكتشف خطأه، وأبدى استعداده لرد بعض ما حاز بعيدا عن العدل، وربما وعي الدرس وخطط لإرساء عدل أطول نفسا، وأشمل نفعا،
قـُبِل هذا من بعضهم دون ضمان حقيقة استيعابهم التجربة، وظل بعض الباقين ينتظرون في صفوف الاستتابة لمواصلة خدمة وطنهم بقوانين أكثر عدلا، دون أن يفرطوا في حق وطنهم في الاستقلال الاقتصادي.
المهم أن تكملة قصة عصابة القناع مع جهاز عبقرينوا للاستنساخ تليق بتوبة نصوح لمن أخطأ في حساباته من رجال الأعمال هؤلاء الذين تركز الهجوم على تحطيمهم لا على توعيتهم، ذلك أن أحد رجال العصابة ضغط على زر الجهاز فإذا به يستنسخ عصابة قناع تشبههم تماما، لكنها تمثل داخلهم الطيب الشريف،
وأخذت العصابة الأصل اللصوص (غير المجرمين)، يتصارعون مع النسخة المستنسخة الطيبة، التي استطاعت أن تقرأ أفكارهم أولا بأول (فهم نسخة طبق الأصل) وتبلغ عنهم قبل الجريمة فتفسد السرقات أولا بأول، وهكذا.
تمنيت أن نستنسخ رجال الأعمال الناجحين الوطنين، فيخرج منهم هم هم داخلهم العادل الطيب، ويواصلون نجاحهم، وهم يفسدون أفكار وخطط الأجانب المغيرين المجرمين وليس فقط اللصوص.
بصراحة: وددت لو أنشر صور عبقرينو الجميل العبقري الطيب، وصور العصابة الأصل والمستنسخة، فهي أجمل تعبيرا، المستنسخين لكن التحرير لا يسمح، وعلى من يريد أن يطلع على الأصل أن يرجع إلى العدد فقد ذكرت رقمه، وهو لم يمض على صدوره غير شهر واحد. مرة أخرى! (ميكي العدد 524 بتاريخ 13-2-2014).
نقلا عن جريدة اليوم السابع
الخميس 10-4-2014
واقرأ أيضاً:
هل نحن في حاجة إلى........../ مزيد من الخيال، ومراجعة في نتائج انتخابات الرئاسة/ قصة قصيرة (جديدة) "هاييتي"!!