ذهب إلى القصر ومعه أعضاء فريق حملته وأعداد كبيرة من شباب الثورة والناس العاديين، طلب من الحرس أن يسمح لهم جميعا بالدخول، وقع الحرس في حرج وهمسوا في أذنه بأن في ذلك خطر عليه وأن ذلك مخالف لإجراءت التأمين وبروتوكولات قصر الرئاسة... هنا راودته فكرة لمعت معها عيناه الطيبتين اللتان لا تخلوان من دهاء سياسي، فطلب من جمهوره الانتظار خارج القصر لدقائق دخل فيها إلى المكتب الرئاسي وجلس للحظات على الكرسي متواضعا باكيا، وهو يتذكر تاريخ حافل من الأحداث وخاصة أيام السجن والاعتقال والاضطهاد، ويتذكر دعاء والديه له ودعاء الناس الغلابة بأن ينصره الله ليسترد لهم حقوقهم، ثم قرر الخروج من قصر الرئاسة متوجها هو والجماهير المحيطة به إلى ميدان التحرير، وحين وصل إلى الميدان طلب تجهيز منصة بسيطة في صينية الميدان الوسطى، وفي لحظات قصيرة امتلأ الميدان عن آخره وتذكر الناس الأيام المجيدة لثورة 25 يناير، وعاد شباب الثورة للظهور مرة أخرى بعد أن كانوا قد اختفوا عن الأنظار خوفا من ملاحقة السلطات لهم، وعلت الهتافات "لاعسكر ولا إخوان.. إحنا الشعب أصحاب الحق".
واقترب قائد الحرس الجمهوري من الرئيس صباحي وهمس في أذنه بأن الموقف خارج السيطرة الأمنية وأن حياته قد تكون معرضة للخطر خاصة وأن أنصار السيسي كثيرون وهم في حالة إحباط شديدة بعد سقوط مرشحهم، الأمر الذي لم يتخيلوه أبدا حيث كانت كل المؤشرات تتجه نحو النجاح السهل لزعيمهم المحبوب والمقدس، ولكن الرئيس حمدين صباحي رفض أن ينهي هذه اللحظات التاريخية بناءا على اعتبارات أمنية، وواصل مخاطبة جماهيره ومحبيه وظل هكذا لمدة ساعتين تحدث فيها عن أهداف الثورة وحقوق الشهداء وحقوق الغلابة والعمال والفلاحين وعن المصالحة بين طوائف الشعب المصري مهما كانت توجهاتهم وانتماءاتهم فكلهم مصريون، وعن محاسبة من أجرموا في حق المصريين، ومن سرقوا حلم الثورة. ومن كثرة الزحام والتدافع شعر الرئيس حمدين بالإجهاد الشديد مما اضطره للعودة إلى قصر الرئاسة حيث وجد جماهير غفيرة في انتظاره على جانبي الطريق وحول القصر وهم يحملون صورة وصور جمال عبدالناصر ولافتات تطالبه بتحقيق أهداف الثورة التي لم تتحقق .
وفجأة حدث هرج ومرج شديدين وسرت إشاعة بأن ثمة محاولة اغتيال للرئيس قد حدثت وتدخل الحرس الجمهوري لانتشال الرئيس من وسط جموع الجماهير وإدخاله إلى قصر الرئاسة..
وظهر الرئيس حمدين بشكل مفاجئ على شاشات التليفزيون ليعلن مجموعة من القرارات والتغييرات أهمها إقالة الوزارة الحالية وتشكيل وزارة جديدة، وكان من أبرز الملامح للتغيير الجديد هو إقالة وزير الداخلية وتحويله للتحقيق وعمل تغييرات جذرية في جهاز الشرطة شملت إقالة عدد كبير من القيادات القديمة، وعودة البرادعي لتشكيل الوزارة الجديدة والتي حوت عددا من شباب الثورة والناشطين السياسيين، وإلغاء وزارة الإعلام، والإفراج عن أعداد كبيرة من معتقلي الإخوان وشباب الثورة .
وخرج الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع بعضهم يؤيد القرارات الجديدة وبعضهم يعارضها، وبدا أن جهاز الشرطة لا يريد السيطرة على الموقف بل ربما يسعى لتفاقمه، وحدث هرج ومرج في الشوارع واحتكاكات واشتباكات بين أنصار حمدين وأنصار السيسي، وأنصار الحزب الوطني، والإخوان، وغيرهم، وبدا أن الأمر يكاد يخرج عن السيطرة، وتردد أن الرئيس حمدين صباحي طلب من وزير الدفاع المساعدة في السيطرة على الموقف فاعتذر الوزير وقال أن الجيش لا يريد أن يتورط في النزاعات السياسية وأن مهمته الحفاظ على الوطن .
وجلس الرئيس الصباحي حزينا مهموما يفكر في حل لهذا الوضع الذي تفاقم فجأة وشعر أن أياد خفية تسعى إلى إفشال مهمته وإظهاره في صورة الرئيس الضعيف الذي لا يقدر على ضبط البلاد وتحقيق الاستقرار، نفس اللعبة التي مارسوها مع مرسي واستغلوا فيها ضعف إمكانات مرسي وأخطاؤه السياسية الفادحة .
جلس في مكتبه يشعر بالوحدة على الرغم من محبيه ومؤيديه بالملايين، هو يشعر بأن الإعلام ليس معه وأن الشرطة ليست معه وأن الجيش أيضا ليس معه، ولكن لا بأس فإن الشعب معه والجماهير الكادحة والفقيرة معه والحق معه والشرعية معه وقبل كل ذلك الله معه، وذهب لينام ولكنه ظل يتقلب في سريره طوال الليل .
واقرأ أيضاً:
فوبيا المعارضة !/ طبيعة السلطة القادمة/ بروفايل مرشحيّ الرئاسة/أول يوم للمشير السيسي في قصر الرئاسة/ أنـا السيسي