صناعة الدول تعني الاستعداد للحرب وابتداء مسيرات الخراب!!
قد يستغرب الكثيرون من هذا القول، لكن التأريخ يؤكد ذلك، ويعلنها صراحة أن الأرض لا يتحقق فيها السلام النسبي إلا بالأنظمة الإمبراطورية، فلا يمكن للدول أن تكون قوية ومتفاعلة، إن لم تتأكد ضمن منظومة إمبراطورية فاعلة ومؤثرة. فالحضارات ما هي إلا صيرورات إمبراطورية، ولا توجد حضارة إلا ونسبت لإمبراطورية ما، انطلقت وتألقت وفعلت ما فعلت وانتهى عمرها فغابت وهكذا دواليك.
وفي مسيرة منطقة الشرق الأوسط بشقيها الأفريقي والآسيوي، توالت على حكمها الإمبراطوريات، ودارت بينها الصراعات، ولم تحصل ما بين دول فيها، لأن مفهوم الدولة لم يكن موجودا أصلا. فالدول ما كانت لتبقى دولا، وإنما تتمدد لتصبح إمبراطوريات، وهذا ما حصل لدولة المدينة، التي انطلقت وشيدت الإمبراطورية الإسلامية، بأوجهها المتنوعة وشملت قارات ثلاث، وانكمشت في الحرب العالمية الأولى عام 1917، بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية.
أي أن الإسلام قد ترعرع في أحضان الامتداد الإمبراطوري، ولم يكن محبوسا في دولة ذات حدود لأنه للناس كافة!! وفي القرن التاسع عشر والعشرين، اضمحلت إمبراطوريات وصعدت أخرى، وخصوصا في القرن العشرين بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكذلك الحرب الباردة.
وفي الربع الأخير من القرن العشرين، أدركت الدول الأوربية أنها لا يمكنها أن تعيش بسلام بجوار بعضها إذا بقيت بعقلية الدولة، فأقامت الاتحاد الأوربي، حتى وكأنها تحولت إلى ولايات، وقارة أوربا إلى إمبراطورية!! ومقابل ذلك هناك الإمبراطورية الأمريكية التي وعت جوهر المسيرة الأرضية، فانطلق المؤسسون لها برؤية بنائها بجميع ولاياتها، فلا يمكن أن تكون الحكومة في دولة.
وهذا المفهوم درجت عليه الإمبراطوريات الإسلامية، أي أن يكون هناك حكم في عاصمة لولايات لها حكامها وقوانينها وضوابطها.
ووفقا لهذا فإن الدول العربية لا يمكنها أن تعيش في هذا القرن كدول ، وإنما عليها أن تتحول إلى ولايات تحت راية إمبراطورية عربية، لأن بقاءها كدول يعني تحاربها واستنزاف ما فيها من الطاقات والقدرات.
وما يجري اليوم في الدول العربية، هو تعبير عن هذه الإرادة الحضارية، والنزعة الكامنة في لاوعي البشر، والمؤزرة بإرادة الأرض. وبسبب عدم وعي الساسة العرب لهذه الحاجة اللازمة، فإن الانبعاجات المتراكمة ستتنامى، وهذا يعني أن المنطقة معرضة لانفجار مدوي، سيزيل جميع الحدود!!
ولا يمكن للحالة هذه أن تتعافى من تداعياتها وويلاتها المقبلة والقائمة، إلا بالسعي الجاد والحثيث لإقامة نظام الولايات العربية المتحدة، وأن يكون لكل ولاية حاكم، ومركز الحكم في مصر أو غيرها، والرئيس لهذه الولايات منتخب من أية ولاية كانت، كما يحصل في نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذا الخيار هو الذي سيداوي جراح الحاضر، ويقي المستقبل بأجياله من الدخول في أنفاق مظلمة دامية لا أمل فيها ولا بصيص نور. وإن لم يفعل العرب ما يجب أن يفعلوه، فإن دولهم ستتعرض لما يدور في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وباقي الدول التي سيصلها هذا السعير، لأن العرب يعارضون التأريخ، وقوانين الحياة بسلوكهم السياسي المأسور بسطوة الكرسي التي لا تتصور أبعد من قوائمه، ولا يمكنها أن تتخيل الوجود إلا فيه.
فهل سيسابق العرب الزمن، وهل سيدركون أن العلة في تفرقهم، ولا خيار عندهم في هذا القرن العاتي، إلا أن يتحدوا ليكونوا أو يتفرقوا ليهونوا؟!
وتلك حقيقة التفاعلات ونوازع التداعيات!!
فاتحدوا يا عرب، وعبّروا عن معاني "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"
بالإرادة السياسية المعاصرة والتفاعل الحضاري المنير!!!
واقرأ أيضاً:
الانفجار الديمقراطي!! / القوة والسلوك!! / إرادة الحرب وإرادة السلام!! / الثعبان إنسان / العرب ينتصرون على دينهم!!