الأوطان لا تؤسسها الكراسي، ولا تبنيها الأحزاب المتصارعة، ولا تُحقق إرادتها التبعية والاستسلام للآخرين، ولا تصنعها الأكاذيب والأضاليل والخداعات والافتراءات، والتفاعلات السلبية ما بين أبنائها، حيث يتم النيل من القدرات، والانسياق في دروب الضياع والتداعي والفساد والخسران. الأوطان لا يطورها رجال غارقون في الكراسي، ومتمسكون بها حد الموت، وساعون للبقاء فيها مهما كلف ذلك من خسائر مادية وفكرية ونفسية، واجتماعية وأخلاقية وقانونية ودستورية وإنسانية. الأوطان لا يوحّدها مَن يريد أن يعبّر عن رغباته الضيقة الفردية الفئوية والحزبية، ويجسد معاني التبعية والاستسلام، وتنفيذ ما يُراد له من القرارات والاتفاقات اللازمة لتحقيق المصالح البعيدة المدى، لذوي التطلعات الافتراسية المتوحشة.
الأوطان لا تعززها الطائفية والعشائرية، والتطرف وسفك الدماء، وبناء السجون والمعتقلات والقتل الفظيع للبشر، والإمعان بقهره واستلاب إرادته. الأوطان لا تبنيها الإرادات المستقتِلة على المناصب، والتي تتدافع بالمناكب من أجل الجلوس على كرسي يُرضي حاجاتها الخفية، ويُشبع رغباتها المؤجلة ويُشفي حرمانها المعتق. الأوطان يصنعها الإنسان المؤمن بشعبه وبوطنه، والساعي لتحقيق أماني الناس وتطلعاتهم. الأوطان بأبنائها، بأفكارهم وطاقاتهم وقدراتهم وطموحاتهم، وبكيفيات التعبير عما فيهم للوصول إلى آفاق الصالح المشترك، الذي يعزز الحياة ويبني مجد الوطن، ويمنح الأجيال قدرات الانطلاق الرحيب.
الأوطان تبنيها الأخلاق والقيم والمعايير الوطنية الإنسانية الجامعة، التي تحافظ على كرامة المواطن وحقوقه، وترفع من شأنه وقيمته ودوره في صناعة الحياة ، وتأسيس المستقبل الحر السعيد. الأوطان تعززها الأخوة والمحبة والألفة وتجسيد الوطنية بهويتها وسلوكها ورايتها الخفاقة. الأوطان يطوّرها الجد والاجتهاد، والصدق والأمان والعفة والنزاهة، والعدالة والشعور بالمسئولية، والعمل الدائب من أجل الأفضل على جميع المستويات. الأوطان تُبنى بقلب وطني وروح وطنية وإرادة ووحدة وطنية وكلمة صادقة لا تقبل التفريط بذرة تراب، وتحرص على الثروات الطبيعية والبشرية والفكرية والثقافية.
الأوطان يشيّدها رجال يحتقرون الكراسي، ويعظّمون أماني الوطن وإرادة الشعب وتطلعاته، ويرفعون من شأنه وقيمته ودوره في صناعة الحاضر والمستقبل واتخاذ القرار. الأوطان يبنيها قادة يخدمون أوطانهم وشعوبهم وليس أسيادهم، ويضحون في سبيل المُثل والقيم النبيلة السامية. نعم إن الأوطان يبنيها الإنسان الذي يحمل مشعل الصيرورة الإنسانية المُثلى، فيشيع السلامة والمحبة والسماحة، والرحمة والقوة والعزة والسعادة في ربوع الوطن، ويمنح القلوب سلاف البهجة وجوهر السرور.
فهل عندنا قادة يبنون وطنا وأمة؟!
واقرأ أيضا:
وزارات المستعمرات الجديدة!! / تحرير العقل قبل الأرض!! / العرب بين الدولة والإمبراطورية؟!! / العقل الوطني المعصوب / هجرنا وهاجرنا!!